|
بسم الله الرحمن الرحيم

مع حرارة الأجواء في هذا الصيف اللاهب، كنت في حوار مع صديق يحرص على المشي
في الشمس مستدلا ببعض الآثار، ولظنه أن ذلك أصح للجسم بخروج العرق والسموم
بسبب حرارة الجو.
وخطأ هذا الصديق في استدلاله بتعميم
الآثار الواردة في التشمس مع أن المقصود بها التشمس في الشتاء، والتعرض
للشمس غير الحارة في أوقات مناسبة ولوقت محدود.
وقد ثبت في صحيح البخاري برقم
536وصحيح
ومسلم برقم 617عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا اشْتَدَّ الحَرُّ فأبْرِدُوا بالصَّلاةِ،
فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ
جَهَنَّمَ .
واشْتَكَتِ النَّارُ إلى
رَبِّها، فقالَتْ: يا رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ
لها بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهو أشَدُّ
ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ .
وتوضيح فوائد التشمس ومضاره أن جسم
الإنسان بحاجة للتعرض لمقدار من أشعة الشمس، وتزداد حاجته في الشتاء، قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عليكم بالشمس فإنها حمام العرب. شرح العمدة
| لابن تيمية ٤٥٠/١، والأثر رواه ابن أبي شيبة [25271]
ولا يطال التعرض للشمس وخصوصا في الصيف،
فقد روى أبو نعيم الأصبهاني [١٤٨] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا
تطيلوا الجلوس في الشمس فإنه يغير اللون ويبلي الثوب ويبحث الداء الدفين.
وروى ابن أبي شيبة [٢٥٢٦٨] قال: قال
الحارث بن كلدة وكان طبيب العرب: أكره الشمس لثلاث: تثقل الريح، وتبلي
الثوب، وتخرج الداء الدفين.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجنب
حرارة الشمس بالاستظلال وتغطية الرأس، وهو متناثر في سيرته وسنته صلى الله
عليه وسلم.
ونظرا لما في بعض الأمم الأخرى من
التعبد بتعذيب النفس، فقد ظن بعض الصحابة أن المكوث في الشمس أعظم أجرا،
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقد روى البخاري برقم 6704عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: بيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
يَخْطُبُ، إذَا هو برَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عنْه فَقالوا: أبو
إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ ولَا يَقْعُدَ، ولَا يَسْتَظِلَّ، ولَا
يَتَكَلَّمَ، ويَصُومَ. فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْهُ
فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَسْتَظِلَّ ولْيَقْعُدْ، ولْيُتِمَّ صَوْمَهُ
وفي رواية أبي داوود برقم 3300عنِ ابنِ
عبَّاسٍ قالَ : بينما النَّبِيُّ صلَّى اللَّه عليه وسلم يخطبُ إذا هوَ
برجلٍ قائمٍ في الشَّمسِ ... إلخ.
وفي سنن ابن ماجه برقم 1750عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: مرَّ برجلٍ بمَكَّةَ وَهوَ قائمٌ في الشَّمسِ ، فقالَ
: ما هذا قالوا : نذرَ أن يَصومَ ولا يستظلَّ إلى اللَّيلِ ، ولا
يتَكَلَّمَ ، ولا يزالُ قائمًا ، قالَ : ليتَكَلَّم ، وليستظلَّ ، وليجلِسْ
، وليُتمَّ صومَهُ
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقف
الخطبة ليوجه من يقف في الشمس أن يبحث عن ماك فيه ظل، فقد روى أبو داوود
برقم 4822 ، والبخاري في الأدب المفرد برقم 894عن أبي حازم قال: أنَّهُ جاء
وَرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يخطُبُ، فقام في الشَّمسِ،
فأمرَه، فتحوَّلَ إلى الظِّلِّ.
وورد النهي عن البدن بعضه تحت أشعة
الشمس وبعضه في ظل، ففي سنن أبي داوود برقم 4821عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: إذا كان أحَدُكم في الشَّمسِ -وقال مَخلَدٌ: في الفَيءِ- فقَلَصَ عنه
الظِّلُّ، وصارَ بعضُه في الشَّمسِ، وبعضُه في الظِّلِّ فلْيَقُمْ.
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر
في الأيام المشمسة شديدة الحرارة، فقد روى البخاري برقم 2890 ومسلم برقم
1119عن أنس قال: كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أكْثَرُنَا
ظِلًّا الذي يَسْتَظِلُّ بكِسَائِهِ، وأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ
يَعْمَلُوا شيئًا، وأَمَّا الَّذِينَ أفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وامْتَهَنُوا
وعَالَجُوا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليومَ
بالأجْرِ. وفي رواية مسلم: كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ
في السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المُفْطِرُ، قالَ: فَنَزَلْنَا
مَنْزِلًا في يَومٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الكِسَاءِ،
وَمِنَّا مَن يَتَّقِي الشَّمْسَ بيَدِهِ، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ،
وَقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَرَبُوا
الأبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ ،
فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليومَ
بالأجْرِ.
وقد ورد النهي عن التعذيب والتأديب بوضع
الجاني في الشمس، ففي صحيح مسلم 2613 قال: مَرَّ هِشَامُ بنُ حَكِيمِ بنِ
حِزَامٍ علَى أُنَاسٍ مِنَ الأنْبَاطِ بالشَّامِ،
قدْ أُقِيمُوا في الشَّمْسِ، فَقالَ: ما شَأْنُهُمْ؟ قالوا: حُبِسُوا في الجِزْيَةِ ،
فَقالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ
في الدُّنْيَا. [وفي رواية]: وَأَمِيرُهُمْ يَومَئذٍ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ
علَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عليه فَحَدَّثَهُ، فأمَرَ بهِمْ فَخُلُّوا.
وقد كان من طرق تعذيب مشركي قريش
للمسلمين وضعهم في شمس مكة الحارقة، ففي سنن ابن ماجه برقم 122 عن عبدالله
بن مسعود رضي الله عنه قال: "كانَ أوَّلَ مَن أظهرَ إسلامَه سبعةٌ رسولُ
اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبو بَكرٍ وعمَّارٌ وأمُّهُ سميَّةُ
وصُهيبٌ وبلالٌ والمقدادُ فأمَّا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فمنعَه
اللَّهُ بعمِّهِ أبي
طالبٍ وأمَّا أبو بَكرٍ فمنعَه
اللَّهُ بقومِه
وأمَّا سائرُهم فأخذَهمُ المشرِكونَ وألبسوهم أدْرَاعَ الحديدِ
وصَهروهم في الشَّمسِ فما منهم من أحدٍ إلَّا
وقد واتاهم علَى ما
أرادوا إلَّا بلالًا فإنَّهُ هانت عليهِ
نفسُه في اللَّهِ وَهانَ علَى قومِه فأخذوهُ فأعطوهُ الولدانَ فجعلوا
يطوفونَ بِه في شِعابِ مَكةَ وَهوَ يقولُ أحدٌ أحدٌ".
والتعرض الطويل لأشعة
الشمس الحارة يعرض الجسم للأشعة فوق البنفسجية الضارة، وهي:
●
UVB: تسبب الحروق وسرطان
الجلد
●
UVA: تسبب شيخوخة الجلد
وتلف الكولاجين
وأهم ما يسببه المكوث الطويل تحت أشعة
الشمس الحارة:
1. ضربة الشمس (Heat Stroke)، وهي حالة
طارئة وخطيرة بسبب ارتفاع حرارة الجسم، وهي شائعة في موسم الحج. وأعراضها:
صداع شديد، دوخة، تقيؤ، فقدان الوعي، وهي ليست جلدية فقط، بل تؤثر على
الجهاز العصبي والدورة الدموية.
2. حروق الشمس (Sunburn)، بتكون احمرار
وألم وتقشر في الجلد بعد التعرض الطويل، وفي الحالات الشديدة: قد تظهر
فقاعات أو تورم، ويتكرر عند أصحاب البشرة الفاتحة أو الأطفال.
3. التصبغات الجلدية
(Hyperpigmentation)، مثل الكلف، النمش، البقع الداكنة، وهي شائعة في الوجه
واليدين والمناطق المكشوفة
4. الشيخوخة الضوئية (Photoaging)،
ومظاهرها تجاعيد مبكرة، فقدان مرونة الجلد، بقع بنية وملمس خشن، وتحدث بسبب
تلف ألياف الكولاجين بفعل الأشعة فوق البنفسجية
5. حساسية الشمس (Polymorphous Light
Eruption)، وهو طفح جلدي، حكة، بثور بعد التعرض للشمس، تظهر خاصة مع بداية
الصيف
6. الكلف (Melasma) وهو بقع بنية تصيب
النساء غالبًا، خاصة أثناء الحمل أو مع استخدام حبوب منع الحمل. تزداد
سوءًا مع التعرض المستمر لأشعة الشمس
7. سرطانات الجلد
وقانا الله وإياكم الشرور والأمراض،
والحمد لله أولا وآخرا.