|
✍️️
كثيرون من أهل الفضل تناولوا الترغيب بتلاوة
القرآن على الدوام من جهة كثرة أجر تاليه وزيادة حسناته
-
وهو مقصد عظيم من مقاصد التلاوة ، وجانب لا
يختلف على فضله وأهميته اثنان -
ولكنّ القرآن تأتيه من أي
النواحي تجد فيه صور العظمة والجلال ، يكفيك أنّه كلام الله جلّ في عليائه
، ولذا فهو معين لا ينضب ، وموردٌ عذبٌ زلال لا يرتوي منه وارده ، ومن ظن
أنّه كتاب تلاوة فقط ، فقد ضيّق واسعاً ، وقصّر راحباً
.
والمسلم كما أنّه محتاجٌ
للحسنات عند التلاوة ، فهو محتاج لمعارف القرآن وتوجيهاته الإيمانية
والوعظية التي
يحصل بها للمؤمن من الخيرات
ما لايُحصى من زيادة إيمانه ، وتعظيمه لربه ، واستجابته لمولاه
.
ولعلي في هذه الأسطر أتناول
بعض هذا الجوانب ، فمنها :
🌿
التعرّف على الله
تعالى .
فالقرآن مليء بوصف الله بصفات
الكمال والجلال ، والتعريف بالربِّ الكريم ، اقرأ مثلاً أواخر سورة الحشر
تجد رباً عظيما أحداً منفرداً بصفات الكمال ، خالقاً للعباد منزّهاً عن
النقائص ، رحيماً بخلقه ، عليماً بهم قد دبّر أمر الكون بانتظام عجيب ( هذا
كله - فقط - في جزء من صفحة من كتاب الله )
ويرى في مواطن أخرى رباً
كريماً جواداً يُعطي عباده ويكرمهم بأنواع العطايا - ومن أعظمها الهداية
- .
وفي مواطن أخرى يرى رباً
حكماً عدلاً يقضي الأمور وفق عدله ومشئته وفضله
.
ويرى رباً منتقماً ممن عصاه ،
ومعذِّباً لمن تجاوز حدوده ، وارتكب نواهيه .
والقرآن مليئاً بالتعريف
بالله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله .
فانظر كيف حرم الهاجر للقرآن
هذه المعارف والكنوز التي قد جعلها الله في كتابه
.
فهو قد جهل ربه وصنعه وتدبيره
لأمر العالم العلوي والسفلي ، وتقدير المقادير
.
🌿
تالي القرآن سيمر على
آيات الله في كونه ، فيرى العظمة في الخلق والإيجاد ، ويرى قدرة
الله في تدبير كونه وتيسيره بنظام لا اختلال فيه ولا اضطراب .
يرى عظمة خلق السماء بلا عمد
، وبسط الأرض والوهد ، ويتأمل في البحار وسير الفلك فيها ، واستخراج
الطيبات من ماءها ، وتسخير السحاب ، وإنزال الغيث والقطر من السماء
.
ويرى آيات الله في النفس
واختلاف الألسن والألوان والطبائع وتوجهات النفوس
..
في آيات لا تنتهي مما يدل على
عظمة الله .
فيا خسارة من هجر كتاب ربه ،
وغابت عنه هذه الإيمانيات التي تُحي قلبه ، وتقوي إيمانه ، وتوقظ نفسه
وفكره في التفكير في عظمة خالقه .
🌿
التالي للقرآن سيجد
تذكيراً كثيراً بيوم القيامة وأهواله وعظائم الأمور فيه ، من تغيّر
الكون ، وتبدّل الأرض والسماء ، وتصوير بليغ لخروج النّاس من قبورهم ،
وعرضهم على ربهم ، ومشاهد هروب النّاس بعضهم من بعض ، وتطاير الصحف ،
وانقسام الخليقة إلى شقي وسعيد في مشاهد لا حصر لها .
فقلي بربك يامن هجرت القرآن
:
أي غفلة سيُصاب بها قلبُك
وأنت بعيداً عن كتاب الله .
وأي حرمان للنفس من هذه
الحقائق .
وأي غفلة للقلب وهو لا تمر
عليه مثل هذه الأحوال والحقائق .
فعُد لكتاب الله لتتيقظ النفس
ويحيى القلب .
🌿
التالي لكتاب الله
يتفيأ ظلال الجنّة فيرى أهل الجنّة وهم يتنعمون فيها ويستحضر - عند
تلاوته - وهم يُكرّمون بأنواع التحف والهدايا ، فيطوف عليهم الولدان
المخلدون ، ويستحضر أنواع الأطايب وهم يتناولونها ، وأنواع الأشربة وهم
يتلذذون بها ، ويستشعر فرح أهل الجنّة وهم على الأرائك ينظرون إلى نعيمهم
وجنّاتهم ، وملكهم وكمال نعيمهم بالنظر إلى وجه الرب الرحيم الكريم
.
وأمّا الهاجر للقرآن فقد حرم
نفسه هذه الجنّة المعجّلة التي يشعر بها أهل القرآن ، المتنعِّمون به
.
🌿
تالي القرآن سيمر على
آيات النّار والتخويف من حرها وسمومها ، ويرى بعين قلبه صور عذاب
أهلها - أجارك اللهُ منها - فيحمله هذا الخوف على النزع من المعصية ،
والخوف من أن يلج هذه النار المحرِقة .
وأمّا الهاجر لكتاب ربه فقد
غفل عن هذا العذاب من كثرة هجره لكتاب ربه ، فكيف سيخاف من النّار من هجر
كتاب ربه السَنة والسنتين ، أو قرأه لمماً في المناسبات
.
فأقبِل على كتاب ربك لترى
ألوان العذاب التي حذر الله عبادَه فتتقيها ، وتسعى للنجاة منها
.
🌱
في تلاوة القرآن زيادة الإيمان بالله ، فمن
هجره حرم نفسه من هذه الزيادة .
🌱في
تلاوة القرآن مضي الزمان في الطاعة ، واستغراق الزمان بالعبادة
.
🌱
في تلاوة القرآن تعلّم الأخلاق الحميدة
واجتناب الأخلاق المذمومة .
فهذه بعض الآثار المترتبة على
هجر تلاوة القرآن ، الواحدة منها تجعل الناصح لنفسه مراجعتها في هذا الخلل
العظيم .
ناهيك عن خسارة الحسنات ،
وإضاعة الوقت في التوافه ، وإظلام القلب في الملهيات ، وجلب القساوة له مع
هذا الهجران .
فيامن لا زالت روحه في بدنه ،
وإمكانية الإصلاح والتعديل متاحة له ، وزمن التمكين ميسر له ، أقبل على
كتاب ربك ، وابتعد عن هذا الهجر ، وكن جاداً مع النفس ، فزمان الإستدراك
هنا ، واحذر من العوائق فهي كثيرة جداً ، والمرء لا يعلم متى ينتقل من هذه
الدار .
اللهم وفقنا لاستدراك مافات ،
وتعويض مامضى ويسرنا لليسرى ، واجعلنا من أهل كتابك ..آمين
.
كتبه
/
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
الجمعة ١٤٤٠/٦/١٠