سورة الفاتحة نقرأها كل ركعة فنحتاج معرفة المعنى العام للآيات والآثار
الإيمانية لها ومعها يكون حضور القلب في الصلاة .
" الحمد لله ربِّ العالمين "
ثناء على الله بما هو أهله سبحانه ، والألف واللام في ( الحمد ) تعني
الاستغراق ، فالله له الحمد الكامل المطلق ، وفي ضمنها الأمر بحمدهلأنّه
مستحق له ، فكل نعمة هي من الله ولا يمكن لأحد أن يُحصي نعم الله عليه ،
فكلما قرأتَها تذكّر نعَمَه عليك واستحقاقه للحمد .
" ربِّ العالمين "
الرب : هو الخالق والسيد المالك ، ومن مقتضيات ربوبيته : تدبير الكون فلا
مدبر إلا هو ولا مستحق للعبادة إلا هو .
ومن مقتضيات ملكه : الأمر والنهي ؛ فإذا قرأتها استحضر أنّك عبدٌ مأمور
ولابد لك من الاستجابة لسيدك سبحانه .
وتأمّل في عدد العالمين الذين خلقهم وكيف يرزقهم ويُحيطُ بهم ، فلا إله إلا
الله .
" الرحمن الرحيم "
صفتان للرب الكريم تدلان على كمال رحمته .
ورحمة الله واسعة شاملة للكون كله ، ولجميع الخلائق ، وكل ماترى في هذا
الكون فهو أثر من آثار هذه الرحمة ، فالكونُ كلُه قائم على رحمتهوفضله
وإحسانه .
وأمّا الرحيم : فهي الرحمة الخاصة بالمؤمنين ، وأعظم الرحمة دخول الجنّة .
فتذكر رحمة الله الواسعة وأنت تردد ( الرحمن ) ولتطمع نفسك في رحمته الخاصة
وأنت تردد ( الرحيم ) .
" مالك يوم الدين "
يوم الدين : هو يوم القيامة سُمي بيوم الدين لأنّه يُدان فيه النّاس
بأعمالهم ( أي : يُحاسَبون ) فليستحضر القارئ للفاتحة عند المرور بهذهالآية
يوم الحساب والجزاء ، فيعمل له ويستعد له بالعمل الصالح .
" إيّاك نعبد وإيّاك نستعين "
هذه أعظم آية في القرآن ، وفيها تحقيق الإخلاص لله بالعبادة .
ومعناها العام : لا نعبد إلا إيّاك ياالله ، فأنت المستحق للعبادة لا أحداً
سواك ، فكيف يُعبد غيرك وأنت الخالق المالك !؟
وكيف يُسجد لسواك وأنت الرازق !؟
وكيف تلتفتُ القلوب لغيرك وأنت الملك القاهر ، المنعم المتفضّل !؟
فاستحضر عظمة الله واستحقاقه للعبادة ليقوي التوحيد والإخلاص في قلبك .
" وإيّاك نستعين " أي لا نستعين إلا بك يا الله ، فأنت المستعان وعليك
التكلان ، وهذه الآية تنزع الاعتماد على النفس وتوجه القلب تجاه منبيده
مقاليد الأمور كلها - سبحانه وتعالى - .
" اهدنا الصراط المستقيم "
هذا أعظم دعاء يحتاجه العبد ، لأنّ الهداية بها النجاة من مهالك الدنيا
والآخرة .
والنّاس في هدايتهم يتفاوتون ، فكلما ازداد العبدُ هدايةً كلما ازداد
توفيقاً ، ونجى من كل شر .
" الصراط المستقيم " هو : الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولا ميل ، وقد وضّحه
الله لعباده بإرسال رسله وإنزال كتابه ، فكلما كان العبد أطوعللرسول وأتبع
للكتاب كلما ازداد هدى .
" صراط الذين أنعمت عليهم " وهم : الرسل والصديقين والشهداء والصالحين .
وهؤلاء أشرف الخلق عند الله ، فيسأل العبدُ ربَه أن يجعله يسلك طريقهم .
ولا يكون ذلك إلا بالعلم بطريقهم ، والسير على نهجهم .
" غير المغضوب عليهم " وهم : اليهود وأتباعهم الذين علموا الحق ولكنّهم لم
يعملوا به .
فكل من علم الحق ولم يتّبعه كان فيه شبه باليهود ، فاحذر هذا المسلك .
" ولا الضالين " والضالون ؛ هم : النصارى الذين عبدوا الله على جهل فأفسدوا
وضلوا وأضلوا .
وكل من عبد الله بجهل ففيه شبه بالنصارى ، فاحذر من هذا المسلك
.
فصار الناس على ثلاثة مراتب :
-من عرف الحق وعمل به ( وهم الذين أنعم الله عليهم من أهل الإسلام )
-من عرف الحق ولم يعمل به ( وهم اليهود ومن شابههم )
-من جهل بالحق وعبد الله على غير علم ( وهم النصارى ومن شابههم ) ولا يخرج
الخلائق عن هؤلاء .
فصار طلب الهداية أعظم المطالب للمرء .
فمن اهتدى أفلح ونجح ومن ضل خاب وخسر ، وأعظم طريق للهداية هو اتّباع كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي لأجلهتُفنى الأعمار .
اللهم فقهنا في كتابك وبصرنا في معانيه .