✍️ الحمد لله الذي أسبل علينا نعمه وكان أعظمها نعمه الدينية ، والصلاة
والسلام على من دلنا على كل خير ، وبعد /
فأشرف موقف يقفه الإنسانُ في الدنيا هو وقوفه بين يدي الله في الصلاة ، وهو
موقف شريفٌ عظيمٌ ينبغي للمصلي أن يستشعره وهو يؤدي هذه العبادة ليشعر معها
بالأنس ، وليجد ما يجده الصالحون فيها قبلنا من الراحة والطمأنينة .
🌿 إنّ أعظم النعم والهبات - ياعبدالله - أن تعرف ربك ، وأن تتشرف بالوقوف
بين يدي الله ولولا فضله ورحمته ما أذن لأحد أن يقف بين يديه ، ولأنّ نبينا
صلى الله عليه وسلم كان مستحضراً هذا الشرف صارت الصلاة قرة عينه .
وإذا كان المرءُ يفخر إذا دخل على شريف من شرفاء الدنيا ولو لمرة واحدة في
دنياه ، فكيف لا نفرح ونشعر بالفخر وقد أذن اللهُ لنا أن نقف بين يديه خمس
مرات كل يوم في الفريضة فقط غير ما يقفه الموفقون في صلاة النافلة ، ولذا
ينبغي أن يعي المقصّر في الصلاة أنّه قد حُرم هذا الشرف ، وأبُعد عن موطن
الرحمة هذا ، فليتدارك أمره قبل حلول أجله .
🌿 الوقوف بين يدي تعني الخلوة بالله تعالى ، والاستمتاع بلذيذ مناجاته ،
والتقرّب إليه بالتذلل له الذي هو في حقيقته أعظم الشرف وأرفع المنازل
للعبد .
🌿 وإذا تأمّل المصلي هيئات صلاته ومايقوله فيها أعانته على حضور قلبه ،
والشعور بهذا الشرف .
تأمّل أدعية الاستفتاح تجدها مليئة بالثناء على الله ، والتضرع بطلب
المغفرة .
وتأمّل في هيئة الوقوف لترى الأدب الجمّ بين يدي الله ، ولذا لمّا سُئل
الإمامُ أحمد - رحمه الله - عن الحكمة من وضع اليدين على الصدر في الصلاة ،
قال : هو أدبٌ بين يدي الله .
وإذا شرع المصلي بالفاتحة والسور والآيات بعدها شعر بالشرف وهو يقرأ كلام
الله وقد مـكّنه من تلاوة كتابه ويسرها لك فلولا تيسير الله ماقرأه أحد .
🌿 ويركع المصلي في هيئة شريفة يظهر معها الخضوع والتذلل بين يدي الله ،
ولذا أنف الكفّار وتكبروا عن الركوع له ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ) فالراكع في هيئة شريفة بين يدي خالقه ،
ولذا أوصي نفسك وإيّاك بإطالة هذا الركن مستشعراً المنّة ، ومستحضراً
التعظيم لله وتلذذ ب ( سبحان ربي العظيم ) ومُدها واستحضر معناه وأنت تناجي
بها ربك .
🌿 وهكذا في السجود يتشرف المصلي بوضع جبهته لرب السماء ، الخالق الفاطر ،
المنعم المتفضّل ، ولو استحضرنا هذا الشرف في هذا الركن لمَا رفع أحدٌ منّا
رأسه ، ولأطال المصلي السجود ، كيف وهو أقرب موطن للعبد لربه في دنياه ،
ومن أرجى المواطن إجابة ، وهي الهيئة التي يدعو الشيطان فيها على نفسه
عندما يرى ابن يفعلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إذا قرَأ ابنُ آدَمَ السَّجدةَ فسجَد اعتزَل الشَّيطانُ يبكي ويقولُ : يا
ويلَه أُمِر ابنُ آدَمَ بالسُّجودِ فسجَد فله الجنَّةُ ، وأُمِرْتُ
بالسُّجودِ فأبَيْتُ فلِيَ النَّارُ ) رواه مسلم .
فاستحضر هذا العطاء من الرحمن لك ، وذاك الشرف ، وهذا السبيل للنجاة وأنت
في هذه الهيئة الشريفة .
🌿 وكذا وأنت في هيئة الجلوس بين السجدتين أو في التشهد استحضر شرف الجلوس
بين يدي ملك الملوك ، الرب العزيز الكريم الرحيم تدعوه وتناجيه وتصلي على
نبيه صلى الله عليه وسلم في هيئة شريفة ومناجاة لطيفة تملأ معها السعادة
قلبك ، وتتحقق بها مطالبك ، وتُستجاب فيها دعواتك .
🌿 فهذا جانب من جوانب العظمة في الصلاة - التي لا منتهى لعظمتها - أردتُ
بها تذكير نفسي وإخواني لنسعد في صلاتنا ، ونتذكر عظيم هذا الشرف ونحن
واقفون بين يدي ربنا ؛ فاللهم كما شرفتنا في الوقوف بين يديك في الدنيا
شرفنا بسماع لذيذ خطابك يوم اللقاء بك في الآخرة .
اللهم آمين .