الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، والصلاة والسلام على خير الله وبعد /
✍️ يتقدم الميت بين أيدينا فنصلي عليه مستغفرين وداعين له بإخلاص بأن يُكرم
الله وفادته ، ويُنزله خير المنازل ، ويرفعه أعلى الدرجات .
ونقف بين يدي ذلك النعش وعليه الميت - رجلاً كان او امرأة - فترى حقيقة
الدنيا فيه ، وحقارتها في هذه اللحظات .
فبعد القوة والحركة والنشاط ، والهمّ والهموم ، والأهداف والتخطيط والآمال
...
فإذا النهاية ماتراه ماثلاً حقيقة أمامك .
جثة لا حِراك لها .
وآدمي انتهت قواه ولم يعد شيئاً مذكواً .
انتهت مدته في هذه الحياة فإذا كل شيء قد انتهى له .
وكأنه لم يعش يوماً من الدهر .
الموت أمر عجيب ، وقوة رهيبة ، وسلطان قاهر لكل حي إلا الحي الذي لا يموت
سبحانه .
الموت في حقيقته بداية لحياة أخرى ، وعالم آخر ، ومن رحمة الله بنا أننا
مسلمون نؤمن بنصوص الكتاب والسنة ، فالموت عندنا انتقال من حياة قصيرة إلى
حياة أطول ، ومن ضيق إلى سعة ، ومن هموم إلى راحة ، ومن آلام إلى سعادة ،
وامتداد لفرح لا منتهى له للمؤمنين .
تبدأ رحلة الروح الطيبة للمؤمن بحب لقاء الله ، والشوق إليه ، وفرح الروح
بهذا الموعد المضروب ، ففي الحديث الصحيح : " من أحب لقاء الله أحب اللهُ
لقائه "
تخيّل روح تحب لقاء خالقها ، ونفسٌ تسارع للخروج لتجد ماآمنت به من الوعد
الحق .
ولئن كان حال ظاهر الميت الألم وهو داخلٌ إلى قبره ، ومايبدوا لنا إلا ضيق
وظلمة ، ولا نفعل معه إلا إغلاق رمسه عليه ، ويتركه الأهل والمحبون ، وتحزن
لفقدانه النفوس إلا أنّه في الحقيقة انتقال إلى سعة وطمأنينة وسعادة ،
ورَوح وريحان وجنّة ونعيم ، وخضرة تملأ تلك الحفرة - الضيقة في نظرنا
الواسعة في حقيقتها - .
تَحَدّث القرآن عن الشهداء وأنّهم أحياء في أكرم جوار عند ربهم ، تغدو
عليهم الخيرات في كل وقت وآن .
وتحدثنا نصوص السُنّة أنّ " أرواحهم معلّقة في قناديل العرش تغدو وتروح "
فأي حياة أكرم من هذه الحياة ، وأي أنس أعلى من هذا الأنس .
وتحدثنا السُنّة - أيضاً - أنّ " روح المؤمن نسمة في الجنّة تسرح فيها "
هذه هي حقيقة الموت للمؤمن ، وهذا هو الإكرام له من لدن الكريم سبحانه .
الموت فيه حزن للفراق ، وتتملأ القلوب شوقاً لمن فقدت ولكن إذا تذكر المرء
مثل هذا النعيم لقريبه المؤمن اطمأن الفؤاد ، وهان عليه الخطب .
ولكن انظر هذه الحقائق لتعمل لِما بعد الموت .
قارن بين عمر الدنيا القصير وعمر أهل القبور .
وقارن بين نعيم أهل الدنيا الظاهر - المليء بالغصص والنكد - ونعيم أهل
الإيمان من أهل القبور .
وقارن بين الخوف هنا لا نقطاع النعيم وبين تزايدها هناك .
وقارن بين نقص كل نعمة هنا وتزايدها هناك ..
هذه الأمور كلها تدعو كل عاقل ناصح لنفسه أن يعمل لما بعد الموت ، ولا
يُؤثر عليه شيئاً .
وفقني الله وإياك لحسن الخاتمة ، وللنعيم المقيم بعد الموت .