رمضان شهر عظيم فضله ، عجيب في
الأمّة أثره ، يربيها ويصلحها أفرادًا وجماعات ، فيدفع المقصّر في أمر دينه إلى
السعي في التكميل ، ويحمل هاجر القرآن على الاتصال به والنهل منه ، ويدعو صاحب
القلب القاسي إلى أن يلين ، ويحدو التارك لجوارحه العِنان في فعل الحرام إلىأن يُحجم ويتوّرع ، ويجعل البخيل جوادًا ، والقاطع واصلاً ،
والمدبر مقبلاً ... هذا ما يكون غالبًا لمن وفقه الله وهداه واصطفاه
، وإلا فإن ثمة نفوسًا - عياذًا بالله - لا تزداد مع إقبال مواسم الطاعات إلا
بعدًا عن ربها ، لأنها لا ترعى للشهر حرمة ، ولا تعرف للزمان رهبةً ، ولا ترى
للموسم العظيم إجلالاً ، ولعل أولئك هم الذين دعا عليهم رسول اللهبالخسارة والبوار...
🌱وحروفي - هنا - موجهة للصنف الأول ، الذين عاشوا
رمضان بخيراته ، وانتفعوا ببركاته ، فصاروا أهل مساجد بعد أن كانوا معرضين ،
وأهل قرآن بعد أن كانوا هاجرين ، وأهل ذكر ودعاء وعطاء بعد أن كانوا غافلين
مشغولين ممسكين .
🌱فيقال لهم : هنيئًا لكم هذا الخير . ومبارك عليكم هذا الفضل . وما أعظم منّة الله عليكم يوم أن أصبحتم عبادًا
لله حقًّا ، مسارعين لمرضاة ربكم صدقًا ! ولكن ، يبقى أن تسعوا لإبقاء هذا الفضل عليكم ،
وتصطحبوه طوال حياتكم ؛ فإن للطاعة أثرًا بيّنًا على صاحبها إذا كان مداومًا
عليها ، مستمرًّا على النهل من مواردها العذبة ؛ ولذلك جاءت الشريعة بوجوب
المداومة على أمهات الطاعات ، وجعلت منها واجباتٍ يومية كالوضوء والصلاة، وأسبوعية كصلاة الجمعة ، وسنوية كرمضان والحج والزكاة
. والمسلم الحق يعظم ما عظّمه الله ، فيحافظ على
العبادات ، ولا يفرط في الطاعات ؛ فيظهر أثر هذا الانضباط في سلوكه وأخلاقه
وتعامله ، وفي جميع جوانب شخصيته ومظاهر حياته .
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
لقد حافظتَ على الصلوات وتعاهدت سننها في سائر
شهر رمضان ، وشعرتَ معها بالطمأنينة ووجدت الراحة ، وكان لها الأثر البيّن في
ظهور سعادتك وهدوء حياتك الخاصة والعامّة ، وضبط شعورك ووزن تصرفك ، حتى ربما
قلَّت مشاكلك الأسرية وألفت أهلك وألفوك ، وأحببت من حولك وأحبوك ...
فاعرف لهذه الصلاة قدرها وفضلها ، وحافظ على
فرائضها ، وتزود من نوافلها ، وعظمّها بقية دهرك لتدوم عليك بركاتها وخيراتها
.
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
وليكن لك حظٌّ من صلاة الليل ؛ فصلاة الليل شرف
المؤمن ، ومعراج قلبه إلى السماء ، ونور وجهه وراحة نفسه وانشراح صدره . لقد صليتَ عشرات الركعات في ليالي رمضان ، فكانت
السكينة والطمأنينة والراحة ، وكان البكاء والتذلل والخشوع بين يدي الله ، وكان
صدق اللجوء إليه وخالص الدعاء والرجاء ... فاستدم هذا الصفاء ، وعوّد نفسك الصلاة كل ليلة -
ولو ركعات يسيرات - فلعلها هي المنجية بين يدي رب السماء .
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
وحافظ على تلاوة القرآن ، فكثيرون كانت بداية
عهدهم الدائم مع القرآن في رمضان ، فداوموا على ذلك حتى لقوا ربهم ، فطابت بقية
أعمارهم مع القرآن ، وحلّت البركات في حياتهم الخاصة والعامة ، وأُكرموا بالصحة
والعافية ببركة القرآن ، واطمأنت نفوسهم به ، ما جعل أحدُهم يندمعلى هجره لكتاب الله عز وجل طوال عمره . ستجد الخير يحيط بك كلما زاد اتصالك بالقرآن
ورددت آياته ، فهو كتاب مبارك ، والخير بحذافيره قد جُمع فيه .
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
ولا تترك الدعاء أبدًا ؛ فقد كنتَ تدعو ربك كل
وقت وحين في رمضان ، فتلذذت نفسُك ، وطابت روحُك ، وتحققتَ لك بعض المطالب ،
واندفع عنك من الشرور أضعافها ، ولزمتَ العبودية الحقة لله بعبادة الدعاء
.. فأدم هذه العبادة ، وكن خير آخذ لها ، وأكثر من
الدعاء ، وأدمن طرق أبواب السماء ، وعوّد قلبك التعلّق بالعظيم ، والافتقار
لصاحب الفضل العميم ، فما فاز بالخيرات إلا من تعلق بالغني الكريم . ولا يفتر لسانك من دعوات ترفعها كل وقت وترددها
كل حين ، ولا تغلق باب السماء بالغفلة ؛ فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً ،
وعطاء الرحيم الرحمن عظيم في كل وقت وآن .
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
فقد تعوّد لسانك على الذكر والاستغفار ، فوجدتَ
الطمأنينة والسكينة في النفس ، ورأيتَ من نفسك أنّك تستغني بخلوتك بربك عن
النّاس . فداوم على هذا الخير ، فالذكر يقوم مقام كثير من
العبادات - من صلاة وصدقة ونحوها - ذلك أنّه عبادة عظيمة لا يقدر قدرها إلا من
عرف فضلها ومنزلتها . فكن من الذاكرين الله كثيرًا ، وكوني من الذاكرات
فقد أعدَّ الكريم سبحانه لهم أجرًا عظيمًا .
🍃اصطحب أثر رمضان حتى الممات .
فكن محافظًا على الوقت ، حريصًا على الزمان ، فما
العمر إلا الوقت والزمان ، وما الزمان إلا ساعات وأيام . لا شك أنّ الزمان في رمضان عزيز في الجملة عند
المسلمين ، ولن يكون حالهم في غير رمضان كحالهم في رمضان ، ولكن ، لعل ما
اكتسبته في رمضان من حرصك على وقتك فيه أن يكون دافعًا لك في غيره أن تكون أحسن
مما مضى ، وأكثر حرصًا على وقتك وأشد تمسكًا به وشحًّا ؛ فبالمحافظةعلى الوقت تكتسب المعالي ، ويكثر الإنتاج ويتحقق الطموح ، ومع
المحافظة على وقتك ستجد نفسك قد أنجزت أعمالاً كثيرة ، ونفعت نفسك وأمتك
.