منّ الله عليّ - كغيري - وبقيت في الحرم ساعات
رأيت فيها عظمت الله ، وحب المؤمنين لربهم ورغبتهم فيما عند الله من الأجور
فكتبت هذه الأسطر .
تُقبل على الحرم فترى الوفود من أهل الإيمان يديك ومن خلفك ومن يمينك وعن شمال
تراها تفد على الحرم وتقصد الكعبة مع مايعتري هذا القدوم من تعب ونصب ومشقة .
تُرى ما الذي جاء بهم ، ولماذا يُؤثرون هذا التعب والمشقة ؟
لقد أيقن هؤلاء بلقاء الله وثوابه فرغبوا فيه ، وأيقنوا بجنّته فطمعوا بها .
كلما ترى هذه الوفود التي تقصد هذا المكان فانظر إليهم نظرة إكبار وإجلال وقل
في نفسك هنيئاً لكم هذا الإيمان ، وأيقنوا أنّ الله لن يضيّع جهدكم وتعبكم
وسيجازيكم - وهو الكريم - جزاءً تحمدونه عليه كثيراً .
في الحرم ترى عظمة الله ظاهرة - ووالله - أنّك لتحار في عظمته ، وجلاله ، وسمعه
، وبصره ، وعلمه ، وخبرته ، ولطفه ، وقربه ، وجلالة قدره...
مئات الآلاف في بقعة واحد ، هذا راكع وذاك ساجد ، وثالث طائف ، ورابع باكٍ
وخامس مبتهل ، وسادس في سعيهم خاشع وعاشر وألف ومئة ألف ومليون ومئات الملايين
والمليارات يفدون لبيته ويطوفون ببيته فيعلم - سبحانه - وقت مجيئهم وأين سجودا
، وبماذا دعوا ، وأي سؤال لأحدهم هو أنفع للجواب ، وأي سؤال لأحدهم من الحكمة
تأخير ، وماذا حملت صدورهم من حوائج ، وبماذا امتلأت قلبوهم من نوايا ، ومَن
منهم خاشع في صلاته ، ومَن منهم مقصِّر وساه فيها .
ترى ركوعهم ركوع رجل واحد ، وسجودهم سجود رجل واحد ، أدب في الوقوف ، وانضباط
للعظيم سبحانه في صلاة ، فما أعظم الله المحيط بهم فما أرأف الكريم سبحانه وقد
منّ عليهم بالوفود ، والإكرام الذي أكرمهم به من زيارة بيته العتيق .
وما ألطفه بالعباد وهم في مكان واحد تحوطهم رعايته .
فما أشد حرمان من لا يؤمن بالله ، وما أوحش صدر من لايعرفه ، وماأضيق قلب من لا
يناجي.
اللهم رحمتك وفضلك ياكريم .
كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
ليلة الثامن من رمضان عام ١٤٤٠