|
الحمد لله والصلاة والسلام على رسـول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
سألتني بارك الله فيك عن الخوارج ، وحالهم ، وهل من يقوم بأعمال التخريب اليوم
منهم أم لا ، وما أوجه الشبه بينهم فأقول :
الخــوارج من الفرق المنحرفة عن السبيل ، التي خرجت أولى علاماتها في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، عندما قال ذو الخويصرة التميمي : ( يا محمد اعدل !! ) ،
فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( ويحك ، ومن يعدل إذا لم أعدل
؟! ) ثم أخبر : ( أنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقِِِِِِِِِرون صلاتكم مع صلاتهم
، وصيامكم مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ! ) ، وفيما
قال : ( كلاب النار ، كلاب النار ، كلاب النار) ( شرُّ قتلى تحت أديم السماء )
( لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد ) (طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ) ( لو يعلم الجيش
الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل
) ( سفهاء أحلام ، حدثاء أسنان يقولون من قول خير البرية ، يقرءون القرآن لا
يجاوز تراقيهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم
القيامة) ( يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ) ( يتقفرون العلم تقفرا ) (
سيماهم التحليق والتسبيد ) ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ) ( يخرجون
على حين فرقة من الناس ) ( هم شر الخلق والخليقة ) ( يخرج آخرهم مع الدجال ! )
كل هذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الخوارج ، والأحاديث أكثر ، بل
لم يروَ في ذكر خبر الفرق المخالفة في الإسلام أكثر ولا أصح من أحاديث الخوارج
! ، هذا إن لم يقل بأنه لم يصح في الباب غيرها ! ، وقد جمع أهل العلم أحاديثهم
في مظانها ، ولعلكم تراجعونها في " جامع الأصول " [10/76-93] ، وفي غيره ، فإذا
كان مبدء خروجهم كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وشككوا في ذمته وعدله ، ثم استفحل شرهم
في عهد عثمان ذي النورين ، وشككوا في أمانته وعدله ، بل واقتحموا عليه الدار ،
وقتلوه ، ومثّلوا به ، واستباحوا حرمة دمه وماله ودينه ! ، ثم جردوا السلاح ضد
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ، وكفروا علياً رضي الله عنه وأحبطوا
عمله ! ، ويرون بأنهم أولى بالحسنيين ! ، وأن رواحهم إلى الجنة .
وعندما ضرب أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أحدهم بالسيف قال له ( خذها إلى
النار وبئس القرار ! ) ، قال الخارجي : ( ستعلم غداً من منّا أولى بها صلياً
!!!! ) .
فإذا كان هذا حالهم مع أكمل الخلق وأطهرهم طريقة ، فلا يستغرب ما يحصل اليوم من
أتباعهم مع من هم عرضة للخطأ والتقصير ، وما مرّ زمان إلاّ ومنهم فلول ، تجتمع
أحياناً ثم تفترق أحايين ! ، حتى ( يخرج الدجال !! ) كما أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم ! ، وما من خليفة من خلفاء الإسلام وحكامها إلاّ ولقي من أذية
الخوارج ما لقي سواء بالسيف أو باللسان والتحريش ! .
والذين يقومون اليوم بالعمليات التخريبية ، وكذا الذين من قبلهم من الذين
يؤلّبون الناس على الحاكم ، ويوغرون صدورهم عليه : لا يشك صاحب سنة عالم عاقل
بأنهم : (خوارج مارقة ) .
ولعل نتائج أعمالهم حققت أوصافهم ، وصدق انتسابهم إلى هذا الفكر المنحرف وإن
رفضوا ذلك ، وعامة من كابر بادئ الرأي ، وأنكر وصفهم بالخروج ، وخبث طويتهم ،
اعترف اليوم بذلك ، وأنكر منهم أشد النكير ، وهذا مما يميّز صاحب السنة العالم
العاقل عن غيره ، لأن الفتنة إذا أقبلت يعرفها العلماء ، وإذا تغشت الناس
وأدبرت عرفها عامة الناس ، ولهذا ما أوسع علم ابن مسعود رضي الله عنه عندما رأى
أقواماً يتعبدون الله تعالى في المسجد على غير ما أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وقال مقولته المشهورة : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن
أقواماً سيخرجون يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق
السهم من الرمية ، وأيم الله ما أدرى لعل أكثرهم منكم ) ، وما دارت الأيام
والليالي إلاّ ويحصل ما قاله العالم العاقل ابن مسعود رضي الله عنه ، وشهد بذلك
من شهد الواقعتين وهو عمرو بن سلمة حيث قال : ( رأينا عامة أولئك الحلق
يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج) .
وهكذا الحال اليوم : فكم صرّح علماؤنا الأجلاء بخروج أهل التعيير والتشهير ،
ونصيحة الفضيحة ، وتوغير القلوب ، من قبل هذه الوقائع بسنواتٍ عديدة ، ومع ذلك
ما أشد أذية الحمقى لهم !! ، ورفضهم لقبول هذه الحقائق الكونية ! ، فرحم الله
العلماء ما أعظم فضلهم على الناس ، وما أشد أذية الناس لهم ! .
واليوم : من نظر إلى طريقة القوم ،
وقرنها بطريقة أسلافهم من الخوارج المارقة ، يقف حتما على مبلغ التوافق العجيب
! ، وخذ من ذلك :
الخوارج الأوائل :
شككوا في أمانة النبي صلى الله عليه وسلم وعدله ! ، وأمانة عثمان وعدله ،
ووصفوه بالاستبداد . وهكذا هم اليوم يصنعون مع حكامنا ! .
الخوارج الأوائل :
قاموا بدعوى نصرة التوحيد الجهاد ، وتحكيم الشريعة ، وكفروا علياً ومعاوية
وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم بذلك ، ورأوا أن أعمالهم قد حبطت .
وهكذا هم اليوم :
كفروا حكامنا ، وعلماءنا ، ووصفوهم بالطواغيت ، وقالوا عن الشيخ ابن باز : (
رأس الردة !، وعمود الكفر ! ، وذنب الحكام !! ) ، وقالوا : ( بلغ مرحلة من
الخرف والسفه مما جعله لا يقبل قوله) ، وقالوا : ( علماء السلاطين ) وقالوا (
أقل ما يقال فيهم أنهم فسّاق ! ) .
الخوارج الأوائل :
يزورون الكتب ، والأقاويل على لسان أهل العلم ، وأنها تعضد طريقتهم ، [ البداية
والنهاية :10/277] [10/281] [10/340] .
وهم اليوم :
يزورون الكتب ، وينسبون أنفسهم إلى أهل التوحيد والسنة من الأحياء والأموات !!
، ويستشهدون بكلام الإمام ابن تيمية وهم أبعد الناس عن طريقته ، وبكلام الشيخ
محمد بن عبدالوهاب وهم أبعد الناس عن حقيقته ، وبكلام أئمة الدعوة وهم الذين
رضوا بحكم آل سعود وناصروهم حتى أقاموا دولتهم .
الخوارج الأوائل :
يقومون بالمظاهرات والمسيرات ضد الحاكم ! ، [ البداية :10/280] .
وهم اليوم كذلك .
الخوارج الأوائل :
يسعون إلى الانقلاب على الحاكم فضلاً على أن يناصحوه ، كما دخلوا على عثمان رضي
الله عنه ، وحاصروا داره ، وقالوا للناس : من كفّ يده فهو آمن !! ، [البداية
:10/280] .
وهم اليوم كذلك
، وأطلقوا الحرب للحاكم بل وحكومته بل وشعبه المناصر له !! .
والخوارج الأوائل :
يفترون على الحاكم ما لم يقل ، ونسبوا إلى عثمان كتاباً ، ووضعوا عليه خاتماً
كخاتمه !! [ البداية : 10/280 ] .
وهم اليوم كذلك
يفترون على الحكام بشتى أنواع الأكاذيب أو على أقل تقدير ما لم يأتوا عليه
ببينة ! ، ويزورون الوثائق ، والجوازات ، وغير ذلك .
الخوارج الأوائل :
من مزيد ظلمهم ومبلغ حقدهم على الحاكم يسمونه بأسماء زعماء اليهود والنصارى ،
كما سموا عثمان رضي الله عنه بـ : نعثل !! ، [ البداية :10/282] [10/307] وربما
قلبوا اسمه ، كما صنع الراسبي ، فما كان يسمي علياً رضي الله عنه باسمه ! ،
وإنما يسميه بـ : الجاحد ، من شدة بغضه له ، [ البداية :10/591] .
وهم اليوم :
يسمون الحاكم بـ : ( بوش العرب ) أو ( البابا يوحنا ! ) و ( آل سلول ) .
الخوارج الأوائل :
يسبون الحكام على المنابر ! ، كما صنع ابن عديس في شتمه لعثمان رضي الله عنه
على المنبر ! ، [ البداية :10/297] .
وهم اليوم كذلك :
بالتصريح ، وبالتلميح !! .
الخوارج الأوائل :
يصرحون بكفر الحاكم مهما كان له من فضائل ، فعندما دخلوا على عثمان وقتلوه ،
وهو على مصحفه ، قد أصابه بعض دمه ، قال أحدهم : ما رأيت كاليوم وجه كافرٍ أحسن
!! ، ولا مضجع كافرٍ أكرم !! . [ البداية :10/307] .
وهم اليوم :
لم يلتفتوا إلى محاسن حكام المسلمين ، وما رعى الله بهم من المصالح ، وحفظ بهم
من الحقوق ، وحقن بهم من الدماء ، وصان بهم من أعراض ، ومع ذلك كفروهم .
والخوارج الأوائل :
يستبيحون المحرم لتحقيق مطلبهم !! ، وقالوا : الذي أباح لنا دم عثمان كيف يحرم
علينا ماله ؟! ، وأخذوا كل شيٍ حتى الأقداح ،[ البداية :10/307 ] ،ويسفكون
الدماء ، ويقطعون السبل ، ويستحلون المحارم ، [ البداية :10/584] .
قال ابن كثير مؤيداً قتال علي رضي الله عنه للخوارج : ( وفيه خيرة عظيمة لهم ،
ولأهل الشام أيضاً ، إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً ، ولم
يتركوا طفلاً ولا طفلة ولا رجلاً ولا امرأة لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا
يصلحهم إلاّ القتل جملة ..) [ البداية :10/584-585] .
وهم اليوم :
يفعلون كل محرم من أجل تحقيق مطلبهم !! ، يسرقون !! ، يحلقون !! ، يكذبون !! ،
يفترون !! ، يلبسون لباس النساء !! ، يقتلون الدماء المعصومة لمصلحة عظمى عندهم
وهي قتل كافر أو رجل أمن !!!!!! ، ويرون بأنه لا ( إصلاح ) إلاّ ( بالسلاح !) .
الخوارج الأوائل :
يقاتلون الحاكم في حقيقة الأمر لشيٍ في أنفسهم لا لله عز وجل ونصرة لدينه ، كما
صنع عمرو بن الحمِقِ حين جلس على صدر عثمان بعد ما طعن من قبل ، فطعنه تسع
طعنات !! ، وقال : أما ثلاث منهن فلله ، وستٍ لما كان في صدري عليه !!! ، [
البداية :10/309 ] .
وهم اليوم كذلك
، فما يفرحون بخير حباهم الله به ، ولا يحزنون بأمرٍ أصابهم ! .
الخوارج الأوائل :
يبحثون عن إسقاط الحاكم في الزلة على كل وجهٍ !! ، فعندما نسبوا إلى عثمان رضي
الله عنه أنه كتب فيهم كتاباً ، وأنكر ذلك قالوا له : إن كنت كتبته فقد خنت !!
، وإن كنت لم تكتبه فقد عجزت !! ، ومثلك لا يصلح للخلافة : إما لخيانتك وإما
لعجزك !! ، [ البداية :10/311 ] وتأمل رد ابن كثير فما أحسنه .
وهم اليوم كذلك :
حتى فيما يفعلونه من تخريب !! ، فيستبيحون ما يقومون به من أعمال تخريبية ، ومن
جانب آخر يصيح السفيه من جانبٍ آخر ويقول : هذا فيه دليل على عدم أهلية الحاكم
، وانفلات الأمن !! ، وكلهم مبطل كذاب ! .
الخوارج الأوائل :
أن الخوارج لا يموتون – غالباً – إلاّ بشر قتلة ، وعلى أردى حال ، وقد أقسم بعض
السلف أنه ما مات أحد من قتلة عثمان إلاّ مقتولاً ! ، قيل إجابة لدعوة سعد بن
أبي وقاص عندما قال : ( اللهم أندمهم ثم خذهم ) [ البداية :10/320 ]
وهم اليوم :
بعدما استباحوا الدماء المعصومة ، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال ، وقنت عليهم
المسلمون في جنح الظلام : ماتوا أخس ميتة ، وقتلوا شر قتلة : ( قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)
(الكهف:103-104) .
الخوارج الأوائل :
مع ما توهب لهم من عطايا وأموال ، يتكبرون ويسألون الله التغيير والتبديل ! ،
قال سعيد بن المسيب : كانت المرأة في زمان عثمان تجئ إلى بيت المال ، فتحمل
وقرها ، وتقول : اللهم بدل ، اللهم غيّر !! ، البداية [ 10/336] .
وهم اليوم :
على ما وهبوا في هذه البلاد من نعم كثيرة ، ومن إعانات ، ومن أنعام لا تحصى في
الجملة ، وربما بعضهم موظف في ( حكومتهم ) أكل من أموالهم ، واشتد بها عوده ،
ومنهم من تدعمه الدولة : بإذن دعوة ! ، أو بنشر كتابٍ ، أو بتدريس ٍ في جامعة
أو مدرسةٍ ، أو بإقامة مركز ، أو بترتيب مخيمٍ ، ثم يقول : ( اللهم غيّر ،
اللهم بدل !!) .
أنشد حسان رضي الله عنه :
قلتم بدّل فقد بدلكم ***** سنة حرّى وحرباً
كاللهبِ
ما نقمتم من ثيابٍ خلفةٍ **** وعبيدٍ وإماءٍ وذهب ؟! .
والخوارج الأوائل :
يعتبون على الحاكم اجتهاداته الشرعية ، ويستغلونها لإسقاطه ، وتوغير القلوب ضده
، كما عتبوا على عثمان تحريق المصاحف ! ، وإتمام الصلاة في منى ، [ 10/395] .
وهم اليوم :
ما إن يرى الحاكم رأياً للخلاف فيه نظر ، وللاجتهاد فيه مسوّغ : إلاّ وطاروا
بمخالفته ، وقالوا : هذا تبديل لشرع الله !! ، وحكم بغير ما أنزل الله ! .
الخوارج الأوائل :
يتأولون كلام الحاكم وفعله على غير ما يريد ! ، كما صنعوا مع عليٍ رضي الله عنه
! قال ابن جرير : ( ثم جعلوا بعد ذلك يعرضون له في الكلام ، ويسمعونه الشتم ،
ويتأولون تآويل في كلامه ! ) [ البداية :10/569] .
وهم اليوم :
كذلك ، وكل ما يصدر منهم يقلب على أقبح الأوصاف : حرب للإسلام ، تجفيف لمنابع
الدين ، تعطيل للجهاد ، استنزاف للأموال ! ، نهب لمدخرات البلاد ! .
الخوارج الأوائل :
ينزلون آيات الكفر على حكام المسلمين ! ، كما قال أحدهم لعلي رضي الله عنه وهو
في الصلاة : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ)(الزمر: من الآية65) ، فقرأ علي رضي الله عنه : ( فَاصْبِرْ
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)
(الروم:60) ، [ البداية :10/569 ] .
الخوارج الأوائل :
يجهلون مسائل الحكم بغير ما أنزل الله ، ويكفرون الحاكم بما ليس منها بمكفرٍ !!
، وقالوا لعلي رضي الله عنه : ( يا عليّ أشركت!! في دين الله الرجال ، إن الحكم
إلاّ لله ! ) ، [ البداية :10/570] .
وهم اليوم كذلك ! .
الخوارج الأوائل :
يأخذون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ! ، فتمسكوا بقوله تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ
إِلَّا لِلَّهِ)(الأنعام: من الآية57) ، وقوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ،
ونزلوها على غير تنزيلها ، وأجملوا ، وعمموا في الدليل والحكم ! ، ولما ناظرهم
ابن عباس – رضي الله عنهما – أتم لهم الدليل ، ونقض لهم الحكم . وكشف جهلهم ! ،
وأتى لهم بالأدلة التي حكم الله فيها حكم الرجال ، فحكم الرجال بحكم الله من
حكم الله ! .
وهم اليوم كذلك في مسائل عدة ،
حتى أن أحدهم أطلق مرة الحكم بأن كل من حرم ما أحل الله : فهو كافر ! ، فقال له
صاحب السنة ، وما تقول في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التحريم:1) ، فبهت الذي فجر ! ، ثم طغى وكفر وقال : يحتمل أن
النبي صلى الله عليه وسلم كفر ثم تاب الله عليه !!.
الخوارج الأوائل :
يتحزبون إلى أشخاصٍ – وإن كانوا صالحين ! – وكل منهم يطلب أن تكون الولاية
لصاحبه !! ، [ البداية :10/398] .
وهم اليوم :
كل حزبٍ يدعو إلى أولوية ( زعيمه ) بالولاية !!!!! ، وهم من أبعد الناس عن
الصلاح والتقى ، والعلم والهدى ، بل : والعقل وحصافة الرجال ! .
الخوارج الأوائل :
يفضحون ، ويشهرون ، ويكفرون ، ويهددون ، وقال زرعة بن البرج لعلي رضي الله عنه
: أما والله يا عليّ لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك اطلب بذلك
وجه الله ورضوانه !!!!!! ) [ البداية :10/577 ] .
وهم اليوم كذلك : حرموا من النصيحة
والإصلاح الشرعي ! ، وجنحوا إلى التعيير والتشهير ، والتهديد ، ومن ثمّ إلى
التخريب والتدمير ، واستباحة المحرمات !! .
الخوارج الأوائل :
يدعون إلى مهاجرة أرض الإسلام !! ، كما قال عبدالله بن وهب الراسبي وهو منهم :
( اخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها ، إلى جانب هذا السواد ، إلى
بعض كور الجبال ، أو بعض هذه المدائن ، منكرين هذه الأحكام الجائرة .. ) ، [
البداية :10/578] .
وهم اليوم كذلك :
ومنهم من هو أسوأ من الخوارج الأوائل حيث جمز إلى أرض الكفار ، واستنصر بهم ،
وعاش تحت ولايتهم ، ودان باتباع أنظمتهم ، وتحاكم إلى شريعتهم ، وهيئوا له
السبل لحرب الإسلام والمسلمين ! ، فاستبدل صوت المآذن ، وخلو الأرض من الأوثان
والكنائس ومعابد الكفر ، وهاجر إلى أرضٍ يعلو فيه الصليب ، وتدندن فيها أجراس
الكنائس ، ويكفر فيها بالله علانية ، والله تعالى يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ
قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً *
فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً
غَفُوراً ) (النساء:97- 99) ،و قوله تعالى : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) (العنكبوت:56).
ويتشدقون بأنهم هربوا من : سياسة القمع ، ومن ظلم الحكومات ! .
أن الخوارج الأوائل :
خرجوا بمسمى الجهاد ، والتوحيد ، وإنكار المنكر ، ووجوب تحكيم شرع الله ، قال
الراسبي : فأشهد أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى ، ونبذوا حكم
الكتاب ، وجاروا في القول والعمل ، وأن جهادهم حق على المؤمنين !! ) [ البداية
:10/578-579] ، وبالله عليك : اقرأ هناك كلام ابن كثير بعده فما أجمله ولولا
خشية الإطالة لنقلته كاملاً .
وهم اليوم كذلك .
الخوارج الأوائل :
يدّعون أن مقتولهم في الجنة ، ويستبشرون به ، وكانوا يتنادون يوم النهروان (
الرواح الرواح إلى الجنة !! ) [ البداية :10/587 ] .
وهم اليوم كذلك ،
وينشدون ( الأهازيج ) ، و ( زفة الشهيد ) إلى الحور العين في الجنة !!
الخوارج الأوائل :
يرون بأن من قتلوه في النار كائناً من كان !! ، حتى أن أبا أيوب الأنصاري رضي
الله عنه وهو من أجل الصحابة لما ضرب أحدهم بالسيف فأنفذه من ظهره قال له :
أبشر يا عدو الله بالنار ! ، فقال له الخارجي : ستعلم أيّنا أولى بها صليا
!!!!! ، [البداية :10/588 ] .
وهم اليوم كذلك ،
وما يرون الناس إلاّ من جثى جهنم ! .
الخوارج الأوائل :
يستبيحون دماء أهل الذمة والعهود ، قال عبدالله بن شداد : والله ما بعث إليهم –
يعني علياً رضي الله عنه – حتى قطعوا السبل ، وسفكوا الدماء ، واستحلوا أهل
الذمة .. ) ، [ البداية :10/567] .
الخوارج الأوائل :
لا يحترمون العلماء ، وربما طعنوا في ذممهم وأمانتهم ! ، بل ربما غمزوا علمهم ،
حتى قالوا في ابن عباس وهو ترجمان القرآن : هذا ممن يخاصم في كتاب الله بما لا
يعرفه !!! ، بل ربما غمزوا فيهم بترف اللباس والزينة والمسكن ! ، كما صنعوا
أيضاً مع ابن عباس رضي الله عنهما واستنكارهم عليه لبسه للحلة ، [ البداية
:10/569 ] .
وهم اليوم كذلك ،
ويرون أن ما عندهم من أموال ما هي إلاّ من الرشوة التي يأكلونها من حكامهم ،
والله موعدهم ، جميعاً ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ) (الزمر:31) .
الخوارج الأوائل :
يخرجون على حين فرقة من الناس ، كما جاء في الحديث الصريح .
وهم اليوم :
كذلك ، فبلادنا خاصة ، والبلاد الإسلامية عامة تتعرض لأشد حملة حربية وإعلامية
على الإسلام في العصور المتأخرة ، في وقتٍ نحن أحوج فيه إلى تقويم الصفوف ،
وإعداد العدة ، وجمع الكلمة ، فصاروا هم الحرب علينا ، وهم سلاح العدو الذي
ينطلق بين ظهرانينا ! .
الخوارج الأوائل :
حدثاء أسنان ، سفهاء أحلام ! ، كما صرّح به في الحديث .
وهم اليوم :
كذلك ، لم يعرفوا بعلمٍ ولا أدب ولا طلبٍ ، وليس منهم من اشتد عوده في الإسلام
، وعامتهم من أوغل في الدين بشدّة ، ولن يشاد هذا الدين أحد إلاّ غلبه ! .
الخوارج الأوائل :
يزداد مروقهم من الدين يوماً بعد يوم ! مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : (
يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه ) .
وهم اليوم تزداد دائرة شرهم وضلالهم :
بدءوا بطلب إخراج جنود الكفر ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل مشرك ! ، ثم اتسعت
الدائرة إلى إعلان الحرب ضدهم ، ثم اتسعت الدائرة إلى قتال من يذب عنهم من رجال
الأمن ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل رجال الأمن ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل من دان
بالولاء لحكام هذه البلاد ! ، وربما تتسع الدائرة حتى ينتهكون الأعراض والحرمات
كما حصل يوم الحرة ، وما حصل في الجزائر موعظة لمن تدبر .
أما سؤال السائل عن كفرهم ، فأهل العلم اختلفوا في الحكم عليهم بالكفر ،
والصواب فيهم التفصيل بحسب حالهم ! ، فمن استحل المحرمات ، واستباح قتل
المسلمين ، وحكم بكفرهم جميعاً إلاّ من هم على شاكلته ، فهذا لا شك في كفرهم ،
وخلاف من خالف في تكفير الخوارج لا يعني هؤلاء قطعاً .
أما من خرج على السلطان ، وشق عصا الطاعة ، بتأويل سابغ ، وشبهة عارضة فهؤلاء
هم البغاة ، ويشملهم مسمى الخروج لا حقيقة حكم الخوارج ، والله تعالى يقول : (
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)(الحجرات: من الآية9) ، ولهذا لا يجهز على
جريحهم ، ولا تستباح أموالهم ، ولا نسائهم وذراريهم ، ويكف عمّن كفّ منهم .
والكلام محل بسطه في غير هذا المقام ، وقد تكلم أهل العلم في أحكام أهل البغي
في كتب العقيدة والفقه ، فلتراجع ، مع وصيتي لكل من أراد معرفة مبلغ خطر هذه
الفرقة ، وشدة ضلالهم أن يقرءوا كتب التاريخ ، وكيف حال الخوارج مع الحكام ،
وحال العلماء مع الحكام ، منذ عصر الصحابة حتى العصور المتأخرة ، فلا يعرف
بالخروج والمشاغبة على حكام المسلمين إلاّ أرذل الناس وأجهلهم ، ولم يعقبوا
الإسلام إلاّ كل بلية ، ولم يلحقوا به إلاّ كل رزية ، ولو شاء ربك ما فعلوه ،
والله حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه
أجمعين .
كتبه :
بدر بن علي بن طامي العتيبي
14 ربيع الأول 1425هـ الطائف – الحوية