|
بسم الله الرحمن الرحيم
( وقفة مع الكاتب رائد السمهوري : هناك فرق بين تنقيح المناط وتحقيقه )
نشر المقال في جريدة عكاظ 4 صفر 1428هـ عدد14789 مع بعض التصرف!!
هذا رابطه
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070222/Con2007022289652.htm
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فقد قرأت في جريدة عكاظ في عددها الصادر يوم الخميس 27 محرم 1428هـ برقم (
14782 ) في زاوية ( الدين والحياة ) مقالاً للكاتب : رائد السمهوري تحت عنوان :
( هل المشركون سلف للبيهقي والنووي وابن الجوزي ؟ ) ، ينتقد بذلك مقرر التوحيد
في مدارسنا السعودية وبالأخص للصف الأول الثانوي .
ولما قرأت المقال فوجئت بأنه قد مرّ بي قبل كتابة هذه الأسطر بنصف شهر تقريبا ،
في آخر أيام يناير المنصرم ، وكان عنوانه شبيهاً بهذا العنوان .
ونشر ذلك باسم الكاتب نفسه ( رائد السمهوري ) في منتدى " منتدياتنا " من موقع
الشبكة الليبرالية السعودية !! على الإنترنت ، واقشعر جلدي حينها من المقال ،
بل ومن جميع المشاركات المؤيدة لهذا المقال ، وما فيها من النزعة التضليلية من
طرفٍ آخر ، حتى بلغ النيل للجميع من حكامٍ ومحكومين ، ومن أراد الحقيقة فليراجع
الموقع المشار إليه !! .
وفي الجعبة ما فيها ، وكما قيل !! : في اليمن ذكريات طازجة !! .
وبغض النظر عن هذا الموقع واسمه الشاذ الذي لا يعبر عن هوية المواطن السعودي
إلا أنني أقف مع موضوعه بما يسر الله تعالى فأقول :
ظاهر العنوان أن هناك من نصّ على ذلك في المقررات على وجه الخصوص ! ، بينما في
حقيقة الأمر أنّ المقررات – ومنها مقرر الصف الأول الثانوي – ليس فيها ذلك
مطلقاً ، ومجرد قول مؤلف الكتاب : (وهؤلاء المشركون هم سلف الجهمية والمعتزلة
والأشاعرة ) لا يلزم منه تخصيص من ذكر بالأسماء ، فالكلام عن خصوص ( التعطيل )
و ( التأويل ) لا عن عموم ( الأشخاص ) فتعطيل الصفات وتحريف النصوص الشرعية عن
ظاهرها وإتباع المتشابه ، واللغو في كلام الله تعالى كل ذلك من أساليب المشركين
، وكون بعض المسلمين يقع في مشابهة المشركين في بعض أعماله لا يكون هذا تكفيراً
له وإن كان هذا محله محل الذم ، ومن قال بأن الأشخاص الذين سماهم الكاتب على
تنوع تلك المذاهب قد وقعوا في مقالات ليست هي من مقالات أهل الإسلام وإنما هي
مقالات المشركين وأديانهم ، ومجرد حصول بعض طرائق المشركين أو شعب الكفر في بعض
المسلمين لا يعني – هذا- أن من اتصف بهذه الطرائق والشعب يكون بها كافراً أو
مشركاً ، وإن كان قد وقع في مشابهتهم من هذا الوجه ، والنبي صلى الله عليه وسلم
أخبر أن جميع الخصال القبيحة في هذه الأمة إنما هي من تراث الأمم المنحرفة
الأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة
بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه ) ويعني بهم اليهود والنصارى .
وأخبرنا الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم عن العديد من الأعمال المخالفة
لشرعه بأنها من دين الجاهلية ، كالربا ، والأخذ على يد الضعيف دون القوي ، وحلق
اللحى ، وسماع المعازف ، وشق الجيوب ، ولطم الخدود ، والفخر بالأحساب والأنساب
، وتبرج النساء تبرج الجاهلية !!! ، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق ، وهي اليوم في
المسلمين كثير ، ومن وقع فيها يكون المشركون له فيها سلف شاء أم أبى ، ولا يلزم
من ذلك قطعاً أن يكون الواقع فيها مشركاً .
كما لا يلزم أن يقال بأن المشركين سلف للمسلمين إعمالاً للعموم كما صنع الكاتب
هداه الله .
وأصل مقالة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ليست من الإسلام في شيء ، بل قال
الإمام عبدالله بن المبارك وهو من أئمة المسلمين : ( إنا لنحكي كلام اليهود
والنصارى ولا نستطيع أن تحكي كلام الجهمية ) .
بل حتى المواضيع التي نادى الكاتب إلى تدريسها كعظمة الله والتوكل والخشية
والإنابة والاستقامة ، لا يتم تعليمها إلا بإيضاح ضدها كما قال الشاعر :
والضد يظهر حسنه الضد *** وبضدها تتبين الأشياء
وقال الآخر :
عرفت الشر لا للشر لكن **** عرفت الشر حتى أتقيه
فلا بدّ أن يوضح للطلاب أن من شكك في عظمة الله تعالى ، ولم يخلص لله ، ولم ينب
إليه ، ولم يستقم على شرعه ، بأنه سار على سبيل المشركين .
ومهما يكن الموضوع من أصول الدين وفروعه إلا ونجد للمشركين في بعض جوانبه
مخالفة له ، وعلى هذا أصل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة المشركين في
مساوئ الأخلاق ، فهل سيناقض الكاتب نفسه حينذٍ ويطلب منّا أن ندرس الطلاب
مواضيع أخرى ؟ ويلغي الكلام في هذه المواضيع التي اختارها هنا ؟! .
وطلاب المرحلة الثانوية لا يَرِدُ على أذهانهم ما ظن الكاتب وروده ، فالكلام عن
( تنقيح المناط ) غير الكلام عن ( تحقيقه ) ، أو بمعنى آخر الكلام عن ( الكفر
والضلال والفسق وصور ذلك كله ) غير الكلام عن ( الحكم بذلك على الأعيان ) ،
وطور الطلب يطلب من صاحبه تحقيق معنى الكفر والضلال وصور ذلك للحذر منه ، وأما
الكلام على الأعيان فليس من شأنهم .
ومن وصل إلى هذه المرحلة من الطلاب تكرر عليه منذ نعومة أظفاره في المرحلة
الابتدائية تعلم أصول الدين من التوحيد وأحكام الصلاة و واجباتها ، والترتيب
المنهجي لمواد التربية الإسلامية ، وخاصة مادة التوحيد جاء على أتمّ وجه ، وعلى
أفضل الجهد البشري في ترتيب المعلومات المقدمة للطلاب ، وقد نهل من هذا المقرر
المئات من طلابنا ولم تظهر هذه الظنون والخطرات إلا في مقال الكاتب وفقه الله
إلى الخير .
ومن أساء تطبيق هذه المقررات لا يسري خطؤه إلى فشل المقررات ، وإلا كان هذا
الكلام يصل بصاحبه إلى مقام القرآن الكريم ، ففيه من النصوص الربانية التي لو
أساء البعض تطبيقها لانحرف عن السبيل نسأل الله تعالى ، كما انحرفت الخوارج في
تعميم قول الله تعالى : ( إن الحكم إلا لله ) ، وكذا عامة الطوائف المنحرفة
تستند إلى أدلة من الوحيين الشريفين ، فهل يقول أحدٌ بتغيير أسلوب القرآن
الكريم أو حذف بعض آياته الصريحة في تضليل وتفسيق وتكفير العديد ممن يقعون في
بعض العقائد المنحرفة أو السلوكيات المرفوضة .
وتتمة للبيان : ليُعلم أن مكانة العلماء وأهل الفضل وإن أخطئوا معلومة ، وعلى
ذلك قامت المقررات الدارسية من احترام العلماء ومعرفة قدرهم ، مع تحفظي عن حال
كل من سمّى الكاتب الكريم إلا أن منهم من له عند علمائنا مكانة مع اعترافهم
بأخطائهم وتحذير الناس منها ، ومنهم الحفاظ البيهقي وابن الجوزي والنووي وابن
حجر رحمهم الله .
ثم ليعلم أن المقررات الدراسية السعودية تحارب فكر التكفير ولها في ذلك موضوعات
عدة في سائر مواد التربية الإسلامية التي هي أشد المواد ارتباطاً بالموضوع .
وقد تواترت اعترافات جميع الواقعين في حبائل التكفير والتفجير على أن منشأ
أفكارهم من الكتب الوافدة من خارج هذه البلاد ، ولم ينطق أحدهم بطرف شفة في يوم
من الأيام وقال بأن منهج كتاب التوحيد هو سبب انحرافي إلى التكفير .
والكلام عن الفرق المخالفة لا تناقض الوطنية الصادقة ، فلا وطن إلا بدين يقوم
عليه دعائم أركانه ، وهذه الدولة المباركة من مؤسسها الأول إلى اليوم وهي تعتبر
الدين : واتباع الكتاب والسنة وطريقة السلف الصالح لها طريقاً لها ، تسير عليه
، وتتحاكم إليه .
وهذا المقرر وما كان في إطاره خلال عقودٍ مضت تخرج منه العلماء والوزراء
والسياسيون والمثقفون والأكاديميون والمفكرون والكتاب والجم الغفير من الخلائق
، ولم نرّ الفكر التكفيري المنحرف إلا في الشواذ القلة ، والحكم للأغلب لا على
الشواذ ، الذي ينزلون الكلام على غير وجهه .
ثم يبقى إلى كلمة أخيرة يقتضيها المقام وهي : أن الظاهر من حال الكاتب الموافقة
على ضلال هذه الفرق عموماً – بغض النظر عن حكم الأشخاص – وإنه إنما يريد إعادة
النظر في ملائمة المقرر لسن الطالب ، ولكن ألا يرى الكاتب أن وارد الفهم الخاطئ
يرد على الكبير كما يرد على الصغير ، والله مقلب المقلوب يصرفها كيف يشاء ، فهل
سيقول الكاتب المكرم بمنع تدريس أمثال هذه المقررات أو هذه المبادئ في كل مراحل
التعليم مطلقاً بما في ذلك الجامعات والدراسات العليا ؟! .
فهو إما أن يسمح بها هناك ، وهذا تناقض فالوارد واحد ، وكم من صغير ثابت وكبير
منحرف ! .
وإما أن لا يسمح بها كلياً : فنقول : ومتى يعلم الناس ضلال من ضلّ ، وماذا نصنع
بكتب أئمة السنة ، وعلماء الدين ، وفقهاء الشريعة ، وأنصح الناس للناس : وقد
ذكروا في مؤلفاتهم الكبير منها والمختصر العديد من أمثال هذا اللفظ الذي أنكرته
هنا .
فإن كان الأمر كذلك – وأعيذ الكاتب بالله أن يكون كذلك – فهذه أكبر جريمة تنتهك
حرمة التاريخ ، وتراث الأمة ، ونفصل الأمة عن سابق تاريخها عندما عاد العالم
الغربي إلى المفاخرة بسالف حضاراته وانتصاراته ومبادئه الفكرية .
وكلمة ختامية : أقولها من واقع الاختصاص وبناء المناهج ونقدها : أن مقررات
التربية الإسلامية في المملكة العربية السعودية بلغت أفضل المكانة البشرية
عقيدة وتربية وعبارة ، وقام على إنشائها وتطويرها ، ومتابعتها : علماء وتربويون
أفاضل هم محل الكفاءة والأهلية .
ولسنا ضد تطوير الوسائل ، ولكننا – وبشدة – ضد تغيير الأصول ، وإنكار كونها
أصولا .