لا تتألَّوا على الله أن يقبل التائبين من بقايا بعث العراق !!

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تتألَّوا على الله أن يقبل التائبين من بقايا بعث العراق !!


الحمد لله على نعمائة ، و الصلاة و السلام على نبيه محمدٍ و آله ، و بعد ..
فإن من أشنع صور التعدي أن يتعدى المخلوق على حق الخالق ، فينصب نفسه حكماً يتألى على أحكم الحاكمين ، و يستدرك على أرحم الراحمين ، فيصنف آحاد البشر بين الجنة و النار ، و كأنَّه اطَّلَع الغيب أو اتَّخذَ عند الرحمن عهداً .
و في زماننا الذي يلتبس فيه الحق بالباطل إلى حد بعيد ، يحلوا للبعض أن يتحجروا رحمة الله تعالى على أنفسهم و من يحبون ، و لا يدعون لسواهم في رحمة الله و فضله حقاً ، بل يوصدون أبواب التوبة في أبواب الأوابين ، و يأخذون بحجز الناس عن الجنة ، بدلاً من أن يأخذوا بنواصيهم إليها .
و تتكرر هذه المواقف كثيراً حينما يُذكَر المجاهدون المرابطون من أهل العراق ، فينبري البعض لينعتهم بأنهم فلول البعث ، أو بقايا نظام طاغوتي بائد ، ضارباً بعرض الحائط تبرأهم من الطاغوت الهالك و حزبه و أعوانه ، و إقبالهم على الله تعالى طلباً للشهادة في سبيله ، و الإثخان في أعدائه .
لذلك رأيت - لزاماً - أن أدعو إخواني الغيارى على دين الله إلى الكف عن التألي على الله ، و إحسان الظن بأهل الثغور ، و حمل كلامهم على أحسن المحامل ، بالدعاء لهم بدلاً من الدعاء عليهم ، و التخذيل عنهم بدلاً من تخذيلهم ، لأن الله تعالى أمرنا بالحكم بظواهر الأمور ، و استأثر لنفسه بعِلمِ السرِّ و أخفى .
و الأولى بمن يبتغي التمكين لشرع الله في أرضه و عباده أن يحرص على تصحيح معتقدات حملة السلاح في وجه الطغاة المحتلين ، فيدعوهم إلى ما يصلح دينهم و دنياهم ، و يجعلهم أهلاً لأحدى الحسنيين ، و يدعو لهم بالهداية و التوفيق و السداد ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلَّم يدعوا بالهداية لأهل الغواية ، فيقول كما روى أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : حسن صحيح غريب ( اللهم اهدِ ثَقِيْفاً ) رغم أن سهام ثقيف كانت تنهل من دماء المسلمين ، فيقول الصحابة : يا رسول الله ! أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم ، فلا يزيد عليه الصلاة و السلام على الدعاء لهم بالهداية كما روى ابن أبي شيبة و أصحاب المغازي !
فكيف لو كانت قذائفهم و نبالهم تصب حممها على أعداء الدين ؟ كما هو الحال اليوم في بلاد الرافدين و عاصمة الرشيد ، حيث مثلث الجهاد ، و معقل الرباط .
و في الصحيحين و غيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَ أَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَ أْتِ بِهِمْ .
و لا يعارَض هذا بما ثبت من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم على بعض المشركين ، و تسمية بعضهم بأعيانهم في القنوت و غيره ، إذ إن لكل من المقامين المتباينين ( مقام الدعاء للمشركين ، و مقام الدعاء عليهم ) ما يناسبه من المقال .
و قد بوب الإمام البخاري في صحيحه على خبر الدعاء لدوسٍ بالهداية فقال : ( باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم ) ، و هو ما عقب عليه الحافظ في الفتح قائلاً : و قوله ( ليتألفهم ) من تفقه المصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين ، و أنه صلى الله عليه و سلم كان تارة يدعو عليهم و تارة يدعو لهم ، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ، و يكثر أذاهم ... و الحالة الثانية حيث نؤمن غائلتهم و يرجى تألفهم . اهـ .
و لا شك أن من يقاومون طغيان الاحتلال في العراق اليوم ( من غير المجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا ) أقرب إلى أن تؤمن غائلتهم ، و يرجى تألفهم ، خاصة بعد أن تمايزت الصفوف ، و انقسم العالم بأسره إلى فسطاطين لا ثالث لهما ؛ فسطاط الجبروت الأمريكي المحاد لله و لرسوله ، و المتربص بصالح عباده و أوليائه ، و فسطاط من يأبى الدنية في دينه ، و لا يركن إلى عدوه ، بل يتصدى له بقلة من العَدد و العُدَد في كثير من العزم و العزيمة .
أفلا يحسن بنا اليوم - و الحال هذه - أن نقول : اللهم اهدِ فلول البعث ، و بقايا القوميين ، بدلاً من أن نرد تائبهم ، و نتألى على الله أن يقبل من أزاح الغشاوة عن عينيه بعد طول عمى !؟
روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عَنْ جُنْدَب البَجَليّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حَدَّثَ : ( أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَ اللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلاَنٍ ، وَ إِنَّ اللهَ تَعَالَىَ قَالَ : مَنْ ذَا الْذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ، فَإِنَّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ) . معنى يتألى يحلف و الالية اليمين .
قال الإمام المناوي رحمه الله في فتح القدير : ( قال المظهر : لا يجوز لأحد أن يجزم بالغفران أو العقاب ؛ لأن أحداً لا يعلم مشيئة اللّه و إرادته في عباده بل يرجو للمطيع و يخاف للعاصي . و إنما يجزم في حق من جاء فيه نصٌ كالعشرة المبشرة اهـ . و قال العزالي : روي أن نبياً من الأنبياء كان ساجداً فوطئ بعض العتاة عنقه حتى ألصق الحصى بجبهته فرفع النبي عليه السلام رأسه مغضباً و قال : اذهب فلن يغفر اللّه لك ! فأوحى اللّه إليه : تتألى عليّ في عبادي ؟ قد غفرت له ) .
ربنا اهدنا و اهدِ بنا و يسر الهدى لنا
و ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيءٍ ، إنك أنت الغفور الرحيم
و صلى الله وسلم على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين

و كتب
د.أحمد بن عبد الكريم نجيب
Dr . AHMED-A-NAJEEB
alhaisam@msn.com

الصفحة الرئيسية      |      صفحة الشيخ