|
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالقادر بن محمد الغامدي إلى أهل الكتاب : السلام على من اتبع الهدى ,
وبعد ؛
فيا أهل الكتاب , تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم , ألا نعبد إلا الله ولا
يتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله , يا أهل الكتاب آمنا نحن بالقرآن
وبالتوراة وبالإنجيل , وإلهنا وإلهكم واحد لا إله غيره ولا ولد له ولا شريك ,
ولا نعبد إلى إياه .
يا أهل الكتاب : آمنا بمحمد وبعيسى وبموسى عليهم
الصلاة والسلام , ومحمد أو (أحمد) (الفارقليط) خاتم الأنبياء والرسل وأفضلهم
وهو الذي بشَّر به عيسى , وآمنا أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وكلمته
ألقاها إلى مريم , وروح منه , ومعنى كون عيسى كلمة الله أي : خلقه بكلمته فقال
(كن) فكان عيسى , وليس عيسى هو (كن) , فـ(كن) كلمة الله غير مخلوقة , وعيسى
مخلوق , ومعنى كونه روح الله أي : روح مخلوقه لله , وكل أرواحنا كذلك لكن روح
عيسى روح نبي كريم خلقت خلقا معجزا من غير أب , بل نفخ الملك الرسول الكريم
عليه السلام في درع (مريم) الصديقة البتول , فسرت النفخة إلى فرجها , فقال الله
(كن) فكان عيسى , فما عيسى عليه السلام إلا عبد أنعم الله عليه وجعله مثلا لبني
إسرائيل , وقد كان أول كلمة قالها عيسى في المهد : ( إني عبد الله آتاني الكتاب
وجعلني نبيا , وجعلني مباركا أينما كنت , وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ,
وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا , والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم
أبعث حي) كما أخبرنا بذلك القرآن .
يا أهل الكتاب : لم يدَّع عيسى عليه السلام أنه خاتم الرسل , بل بشَّر
برسول من بعده وذكر أن اسمه (أحمد) , ودعوتهما وجميع الأنبياء واحدة , وهي
عبادة الله وحده دون خلقه , وعيسى رسول كريم وليس ابن الله تعالى الله عن ذلك
علوا كبيراً , وأمه (مريم) صديقة ألا ترونهما يأكلان الطعام , وهذا يعني عدم
غناهما وحاجتهما , وإذا أكلا الطعام احتاجا إلى قضاء الحاجة , والإله منزه عن
ذلك كله ؛ لأنه واحد أحد غني صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
يا أهل الكتاب انتهوا عن قولكم إن الله ثالث ثلاثة , انتهوا خير لكم ,
فإن هذا من ابطل الباطل لا يقبله عقل ولم يأت به نقل , والحقائق العلمية تبطل
وجود أكثر من خالق وأكثر من إله لهذا الكون , إنه مما أدخل في الكتاب المقدس
وليس مما جاء به عيسى ولا موسى حاشاهما من ذلك , إنه بدعة جاء بها بولس شاؤول
اليهودي لإفساد دين عيسى النبي الكريم عليه السلام .
فيا أهل الكتاب تعالوا لنعبد الله وحدة لا نعبد نحن محمداً صلى الله
عليه وسلم , ولا تعبدون أنتم عيسى , ولا موسى , بل نطيعهم فيما أمرونا به ,
ودعوتهم واحدة ألا نعبد إلا الله وحده , ونؤمن بهم جميعاً , ونتبعهم ولا نعبد
الله إلا بما شرعوا .
يا أهل الكتاب : لا يجوز التفريق بين الأنبياء ,
بل يجب الإيمان بهم جميعاً , والكفر بواحد منهم كفر بهم جميعاً ؛ لأنه تكذيب
لهم , وما جاءوا به شيء واحد فالكفر به كفر بما جاءوا به جميعاً .
يا أهل الكتاب : لم تكن دعوة عيسى ولا موسى ولا غيرهما من أنبياء الله
عالمية , بل كانت خاصة ببني إسرائيل , وكل نبي فدعوته خاصة بقومه , إلا محمدا
صلى الله عليه وسلم فدعوته عالمية لجميع الجن والإنس , وقد دعاكم إلى الإيمان
به واتباعه , وعدم التفريق بينه وبين عيسى وموسى عليهم السلام جميعاً , فقال :
(والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ومات
ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) فآمنوا به واتبعوه ترشدوا ,
وهو لا يدعوكم للكفر بعيسى , ولكن يدعوكم لعدم الغلو في دينكم , فإن اطعتموه
كسبتم عيسى وموسى ومحمدا عليهم السلام , ولم تخسروا خيراً , وإن كذبتموه وكان
على حق خسرتم , وما أرسله الله إلا رحمة لنا ولكم وللعالمين من الجن والإنس فلا
تحرموا أنفسكم خيره وبره , وقد اعترف كثير من مؤرخيكم المنصفين أنه لم يطرق
العالم مثل محمد صلى الله عليه وسلم , ويدعون الناس اليوم للاستفادة من سياسته
وخلقه وعدله وسيرته وسائر أقواله وأعماله , ولو أردت أن أنقل أقوال مؤرخيكم
المنصفين وغيرهم لطال الخطاب .
يا أهل الكتاب : ليس لنا طريق لإثبات صحة نبوة عيسى وموسى إلا محمد
وكتابه القرآن , فإن التوراة والإنجيل زيد فيها ما ليس منها , ونقص منها أشياء
, وادخل فيها ما ليس من كلام الله , وما لا يرضاه موسى ولا عيسى ولا محمد صلوات
الله عليهم جميعاً , وبقي فيها حق , لكن اختلط بغيره , ولا تمييز لذلك إلا
بالقرآن , وذلك أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ التوراة والإنجيل , بل وكَل ذلك
للأحبار والرهبان , فأضاعوهما وأكلوا أموال الناس بالباطل وصدوا عن سبيل الله ,
احلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله ,
وتكفل تعالى بحفظ القرآن وسنة محمد صلى الله عليه وسلم , فلا نجاة لنا ولا لكم
بدونهما , ألا ترون أنه لا يوجد نسخة من نسخ القرآن في الشرق أو الغرب يخالف
حرف منها حرف في الأخرى , إلا ما جاء به محمد من اختلاف القراءات .
يا أهل الكتاب : ألا يكفي برهان على تحريف التوراة ما يفعله اليهود ومن
يؤمن بها من النصارى من الظلم والتعسف ومخالفة الحقائق , وألا يكفي برهان على
تحريف الإنجيل أن ما يوجد اليوم أناجيل لا إنجيل , ومن قرأها وجد فيها تناقضات
كثيرة , وفيها ما يُقر كل عاقل أنه لا يقوله الله تعالى , وأنها لم تكتب إلا
بعد المسيح عليه السلام , وعيسى لم يأت إلا بإنجيل واحد , والخطاب فيه يبين أنه
أنزل على عيسى لا غيره , ألا يدل على كون كثير من الإنجيل والتوراة ليس من عند
الله مخالفة الحقائق العلمية , الثابتة ثبوت الشمس في وضح النهار , مما سبب قتل
العلماء من قبل الكنيسة , وسبَّب النفور من الدين ونشوء المذاهب الإلحادية
المعادية للدين , والعلمانية المشئومة , وتسلط الفلاسفة على الدين وإبعاد الناس
عنه , ولم يهتدوا أن السبب ليس هو الدين , ولكن ما أدخل فيه مما ليس منه , في
الوقت ذاته الذي لا يوجد حقيقة علمية واحدة تخالف ما في القرآن , إلا أن تكون
فرضية أو نظرية لم تثبت ثبوت الحقائق , فمخالفتها لما جاء به الأنبياء دليل
بطلانها , أو أن أحداً لم يفهم كلام الأنبياء كما أرادوه هم .
يا أهل الكتاب : إن ما يشكو منه الناس من كثرة المشاكل والانتحارات
والأمراض والإفلاس والشقاء والفساد والظلم والقهر والفقر والاستبداد هو بسبب
البعد عن منهاج الأنبياء , وما يصيب من خالف محمداً صلى الله عليه وسلم من
القوارع التي تصيبهم أو تحل قريباً من دارهم , كالحرائق والزلازل والبراكين
والفياضانات والانهيار الاقتصادي براهين قطعية ترشدهم أنهم ليسوا على الهدى
والنور , وأن عليهم أن يبحثوا عن غير ما هم عليه , وأن سبب ذلك تنكب طريق
الأنبياء .
يا أهل الكتاب : ألا ترون دين محمد كلما حورب رجع جذعاً , ومع كثرة
محاربته يزداد أتباعه , واسمعوا كلمات من يُسلم منكم وهم كثير ماذا يقولون ,
وكيف أنهم وجدوا ما كانوا يفقدونه , فلو قطع جسد أحدهم لما ترك الإسلام إلا أن
يكون لم يذق حلاوة الإيمان أو كان مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان وهذا معذور .
يا أهل الكتاب : لو كان من يحارب الإسلام مصيباً لكان ما يبذلونه من
جهود وما يصرفونه من أموال كافيا لاجتثاثه من جذوره , ولكن بقاء الإسلام
وازدياد أهله مع هذا العداء برهان أنه الحق وأنه منصور من عند الله , وليس سببه
تقصير أعدائه ومضطهديه , أو قلة إمكانياتهم , فإن ناصر الحق يكفيه عشر معشار
محارِبه .
يا أهل الكتاب : كل مذهب يخالف ما جاء به محمد سينمحي ويبطل سواء في
الاقتصاد أو السياسه أو الاجتماع أو غيرها , فهذه الاشتراكية سقطت , وهذه
الرأسمالية تعلن إفلاسها , وهذه المجتمعات الأوروبية متفككة تنتشر فيها الأمراض
الفتاكة , وهذه أمريكا تحتضر في أفغانستان , وهذه إسرائيل قد قرب موعود الله
فيها وسنته التي لا تتبدل فيهم إذا علو علوا كبيرا أن يشتتهم ويعذبهم ويمزقهم ,
وقد فعلوا ذلك وعادوا فسيعود الله عليهم بما وعدهم به وهو لا يخلف الميعاد .
وهذه أوروبا قد أخبر كبار مفكريهم كبرديائف واشبنجلر أنها في طور النهاية ,
وهذه نهاية المذاهب الفكرية الفلسفية آلت بهم إلى التفكك والعبث والإنتحار
والفوضى , فلا نجاة إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباع شريعته
ظاهراً وباطناً.
يا أهل الكتاب : إن هذه الحروب الظالمة من الظلمة منكم سببها ما أدخل
على الكتاب المقدس ونسب إلى موسى وعيسى عليهما السلام , وقيل : هو من عند الله
وما هو من عند الله , بل من افتراءات الأحبار والرهبان وشياطين الإنس والجن ,
فلا إسناد لهذه المعلومات , ولا يُعذر عند الله من آمن بها وهي غير ذات برهان
ولا ثبوت أمام الإسناد والمنهج التاريخي التكويني , ولا عذر للمقلد بغير بصيرة
مع ظهور البطلان , ومع سماع الجميع ببعثة النبي الخاتم الذي بشر به عيسى عليه
السلام , كما لا يصلح أن يُقرأ من ترجمات القرآن الكريم إلا الترجمات الصحيحة
التي يقر بصحتها المسلمون , لا الترجمات التي افترى فيها المفترون من الحاقدين
وغير المنصفين .
يا أهل الكتاب : هذا خطاب لكم بالتي هي أحسن وهو ما أمرنا به نبينا أن
نخاطبكم به , وأما القتال وطلب المباهلة التي ندعو إليها من خالفنا فهو
للظالمين والمحاربين منكم , الذين يكذبون رسل الله ويقاتلون أولياءه ويصدون عن
سبيله , ويظلمون الناس بغير الحق ولا يسعون بالإنصاف والعدل , ولا نُكره أحدا
على الدين , بل قد عاش اليهود والنصارى تحت حكم الإسلام ينعمون بوارف عدله
ورحمته وإنصافه , فقد تبين الرشد من الغي , فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم , ولا حجة لمن خالف أو شذ
منا أو منكم عن الصواب , فاستخدَموا العنف في غير موطنه , فهم يصدونكم عن الهدى
ولا نقرهم عليه .
أرجو الله أن يهدي بهذا الخطاب الكثير منكم , وأن يرينا وإياكم الحق حقا ويزقنا
اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه , وألا يجعل الحق ملتبسا علينا
فنضل , وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه
أنيب . ( آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين
وإمامهم وقائد الغر المحجلين , وعلى إخوانه من النبيين والمسلين وآل كلِّ
واتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .