ترنيمة الوداع

د. إسلام المازني

مقدمة القصيدة

اليوم يمر تاريخ وداع أخي (أبو حبيبة)... محمد.. رحمه الله
وكان قد أوصاني أن أخلفه خيرا في بناته
حبيبة ومريم
ولكن حالت الحوائل بنوعيها... ما توقعته وما لم أتوقعه
وقد بلغت الصغرى العشر تقريبا
وتبدلت القلوب، فمنعنا منها من حسبناه أخوف عليها منا
وحسبنا الله ونعم الوكيل

وقد كان الحبيب من القلائل الحريصين على العقيدة قبل الشهادة،
فلا يلقي بنفسه في محرقة بلا وعي

وقد لقيته قبل وفاته بأربعين يوما تقريبا، وبات معي ليلته في مستشفى ما

وكان يحلم ..... لو عاد
أن يكمل رحلته في نشر نور التوحيد
وأن يفعل شيئا عظيما بليغا لإحياء الملة الحنيفية والسنة النبوية صلى الله على صاحبها وسلم

كوفاء لبعض ما تعاهدنا عليه أقص بدمي قصة شعرية
هي آخر مكالمة بين زوجين حبيبين... آخر رسالة من حبيب مفارق:
...

فتح باب للقدس، ولم يتردد الزوج الصادق، بل هاتف زوجته

..... هو أصلا بعيد، مغترب في سبيل الله
والتواصل بينهما عبر الوسائل الحديثة، كالرسائل القصيرة والمؤتمرات التكنولوجية

واليوم يهاتفها ليقول
سأكون أبعد.... لن أعود للوداع...
لا وقت ولا يصح...

تخيل عينيها في المكالمة الأخيرة قبل أن يخرج بنفسه للقدس ظانا ألا يعود..

أقام الحب بينهما جسـورا *** وخط حكاية وطوى قفارا
على بعد المسافة قد تلاقت *** عيون حبيبة عبرت بحارا
بعين محبها وكوت جراحا *** فصار لقاؤها ألما ونـارا
تذيب رفيقة قرأت مصيرا *** وبات صبيب أدمعها حوارا
قبيل سلامها صبرا احتسابا *** وبعد وداعها بكيا سرارا

الزوج :

بروض الحب أينعت الأقاحـي *** ومُونِق نرجس عبقا مثـارا
إذا مـا الحب أينع في حـلال *** يـفيض الود يا قمري ثمـارا
ملأنا الأرض ماشية تسمـى *** حماة حما وما حفظوا ذمـارا
يغـار لتلكـم النكبـات حـر *** يسيل الدمع منصهرا مـرارا
وما خير البقاء وقـد أهنـا *** أنشرب ما تنجس كالسكارى!
كـفـى بعراقنـا ألمـا عميقا *** وكل ديارنـا شربـت كـدارا
تركنا أرضهم وحياة بـؤس *** فمن عشق العلا هجر الديارا
وأعطينا البيـوت لراغبيهـا *** مفتحة الخزائـن والجـرارا
جفاء العلـم أوردنـا هلاكـا *** وبات حكيـم أمتنـا حمـارا
فأنزلنـا بأسفـل سافليـنـا *** وصار لهيب رايتنـا غبـارا
أيكتب بالدمـاء بنـو قـرود *** ويُعبث بالأثير هنـا دمـارا
وتخرج عاهرات بني فضاء *** لترقص بيننـا خلعـت إزارا
دعيني أنزع الحكم الهجينـة *** لأصنع بالدمـاء لنـا نهـارا

الزوجة:

تسائلك الدموع بلا اعتـراض *** أبعدك خلتها كشفت خمـارا!
أتتركني أدافـع ليـل شـوق *** وأحسب كم مضت سحبا كدارا
ألم تأخـذ بناصيتـي محبـا *** لنرفع سنـة ونضـىء دارا
ألن تتشابـك الدمعـات ليـلا *** تغرد حيـن نبتهـل انكسـارا

الزوج:

عـلمتـك خيـر طاهرة بأرضي *** وضـوء هداية كشف المسـارا
كـفاني أن رأيتك قبـل موتـي *** لأشـهد أن شهـدك لا يبـارى
فـإن كتب البقاء سجدت شكـرا *** وإن رزق الشهادة نلت ثـارا
أنـا ما اخترت أسـوأ ما تحبي *** وفـي الدرجات ألبسك السوارا
فإن صعدت إلى الدرجات روحي *** فـما فنى الحبيـب ولا توارى
فـسوف أقيم بالزهرات قصـرا *** وأوقد شمعه الذهـب انتظـارا
مـلائـكـة بزيجتـنـا تـهني *** وأهل كرامة سكنـوا جـوارا
ولـست أنا بآخر من يضحـي *** فتحت لوائنـا دفقـت غـزارا
فـكفى الدمع يـا بتـلات قلبـي *** يـنافس رمشك الورقـات نـارا
تطاعنني الحروف بها حـرارا *** فتلقمنـي جوارحهـا جـمـارا
بدت حسنـاء راضية وخجلى *** أمـا علمت رسائلـك القصـارا
بـأن حبيبـة البطـل المفـدى *** تـشاطـره الأمانـة والفخـارا
أوافـق أن أعيش لذي المعانـي *** فوعـد كتابنـا قـدر أشــارا
وطير جنانه الخضـرات حـق *** تحلـق فـي مخيلتـي منـارا
تـضاحكـك الشفـاه بـرقـة لا *** تفارق مهجتي وكـذا العـذارى

الزوج :

إذا تـرضـين بالحسنات أجرا *** ويـوم تـقـسـم النفحات دارا
أداعـب يـومها خصلات شعرٍ *** وقـد نـثرت على فنن نضارا
فـإن طـالت بك الطرقات يوما *** فأسوتك الرسول قضى اصطبارا
لـنـا سـرر مـذهـبة ونور *** فـمـا كتبت صحائفنا سكارى
لـنـا الأنـهار تقطر سلسبيلا *** ونـغـسـل بالزلال غدا مرارا

الزوجة

وداعا.. ساكن الخلجات نـورا *** سأحفظ موثقي وأصن قرارا

الزوج :

عشقتك قبل أن أزن القوافي *** فزاد لقاؤنـا أدبـي بحـارا
لقاء غرامنا سيصير ذكـرا *** فزوجك قد أحال دماه نـارا