إليك يا من تهافت في حبك الكثير ، وابتلى بغرامك جمع غفير ، صرعت ألبابهم ،
وخطفت قلوبهم حتى أصبح ليس فيها شيء سوى الهيام بك ، والبحث عن وصلك ،
والجري وراء ابتسامتك .
إليك يا معشوقة الملايين ابعث
رسالتي هذه
غريب أمرك ، وأشد غرابة أمر من يعشق
شمطاء ذهب جلُ عمرها ، وفوق ذلك لم يعرف عنها الوفاء . تغدر بمن أحبها وأفنى
عمره بحثاً عن ابتسامتها ، فتقلب له ظهر المجن حين يظن أنه قد استطاع
احتواءها .
نعم غريب بل عجيب أمر من يهواك وأنت التي أخبر عنك سيد البشر بأنك لا تساوي
عند الله جناح بعوضة .
ما أتفه تلك العقول ، وما أحط ذلك الطموح الذي يسعى للوصول إلى ما لا يساوي
جناح بعوضة .
أف لك . ألك كل هذا المكر ؟ ألك كل هذا السحر؟ ألك كل هذه الحيلة التي استطعت
بها خداع ملايين البشر .
ما أخطرك! لقد أسكرت ألبابا من غير كأس . نعم فعلت هذا ولا مجال للإنكار،
فالأدلة واضحة وهاك بعضاً منها
:
ذلك الأب الذي يسبح في واد وأبناؤه في
واد آخر . لا يعرف عنهم شيئا . يهيمون
في الأرض لا رقيب عليهم ولا موجه لهم . يفتقدون القدوة الصالحة في
البيت والترابط الأسري
، الذي يشد بعضه بعضا ، فيقعون في براثن الرذيلة ، ويسيرون في أزقة الانحراف
، يقودهم الشيطان إلى مصارع السوء والسبب هو أنكِ قد أسكرتِه فأصبح يسير في
دروبك هائماً دون هدى ، وإلا لما ترك فلذات كبده
*
أغلى ما يملك لدى الأنسان*
عرضه للضياع أو تريدين مثالاً آخر على مكرك ودهائك ؟
انظري الى حال ذلك التاجر
الذي عششت الأرقام في تلافيف عقله وسويداء قلبه ، كلما جمع أاشتد به
الطمع حتى نسي كل شيء عدا كم باع وكم كسب . إن وقف مصلياً خطط لصفقه ، وأخذ
يعد ميزانيتها ونسبة الأرباح فيها ، وإن دخل بيته فليس له سؤال عن الأبناء
وصلاتهم وماذا فعلوا في يومهم وإنما يعكف على الأوراق والسندات والمتابعة
بالهاتف لآخر المستجدات في عالم المال .
وتلك الزوجة
التي تسللت إلى قلبها عن طريق صرعات الموضة والمظاهر الكاذبة فأضاعت أطفالها
وضيعت الأمانة المسؤولة عنها ، بل أخذت تسير في دروب أبعدتها عن دينها وآدابه
.
نعم أف لك فأنت ملعونة على لسان سيد الخلق ، وأنت موصوفة باللهو واللعب في
كتاب رب العالمين . فأي خير ينتظر من لهو ولعب ، وأي خير يأتي ممن حذرنا
خالقها منها ؟ { فلا تغرنكم الحياة الدنيا}.
ما أغبى أولئك الذين يتنافسون عليها فيحملون فوق ظهورهم من حلالها وحرامها ما
لا طاقة لهم به ، ثم يتركون ما جمعوا وراء ظهورهم وليت الأمر يقف عند هذا بل
يحاسبون عليه في قبورهم ، أليس هذا قمة الغباء؟!
لقد أعرض عنك أولو الأحلام والنهى أصحاب العزائم القوية والبصيرة النافذة ،
والقلوب المضيئة ، فهاهو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول (( مالي وللدنيا
ما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )) .
أما أنت أيتها الدنيا فتقلباتك تكفي لكي يزهد فيك العقلاء ( من سره زمن ساءته
أزمان ) .
فيكفيك حقارة أنك خدعت كل محبيك :
قارون لم تشفع له كنوزه ، وفرعون لم يغن عنه جبروته ، وهامان لم ينجه
مكره ودهاؤه وحيلته ، وتلك القرى التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً
تبدل حالها إلى النقيض وما أكثر العبر { لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو
شهيد }.
المرجع والكاتب
د. أحمد علي المصباحي
قائمة بومعاذ الدعوية