السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لــحظـــة رعاك الله !!
في تصور البعض أنه لا يوجد من لا
يستسبغ العسل وإن وجد فإنه نادر
والحقيقة أن أغلب البشر لا يستسيغ العسل !
لا تعجب من ذلك وتعال لتحكم بنفسك فربما كنت أنت أحدهم !
.........................
عندما لا يُستساغ العسل !!
يأنف المريض من أمور عادة لا يأنف منها حال صحته وذلك لتقلب مزاجه وعجزه وقلة
تحمله ؛ وفي خضم ذلك تختل لديه ملكة الإحساس ببعض الأشياء من حوله فلا يهنأ
بلذيذ الطعام وحلو الشراب ، ولو كان المطعوم عسلاً ؛ فإنه يجد مرارة تجعله لا
يستسيغ له طعماً و ينفر منه اشمئزازاً .
ولا ريب أن العلة في جسده وجوفه
المريض لا في العسل .
وفي الجانب الآخر نجد مريض القلب
المتعلق بالشهوات والمنكرات ينفر من العبادة ويستثقل الطاعة و لا يتحمل سماع
القرآن رغم أن العبادة لذة وراحة واطمئنان والقرآن شفاء ورحمة إلا أنه لا
يستلذ بهذه القربات وينفر منها .
وبين المريضين تشابه أحبتي في الله
...
فكما أن العلة ليست في العسل بل هي في جوف مريض الجسد ، فالعلة ليست في
القرآن( وحاشا لله ) بل إن العلة في القلب البعيد عن الله وإلا فاقرأ قول
الله تعالى [[ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين
إلا خسارا ]]
وما هذا الخلل في الحكم على ثوابت الأمور إلا لمرض حل به جعله يجد العسل (
القرآن الذي هو وحي الرحمن ) علقماً ، والعلقم
( الأغاني التي هي صوت الشيطان )
عسلاً ، وكذلك
( الصلاة والهداية ومجالسة الصالحين )
يجدها علقماً ، وأما
( السخرية والغيبة والأنس بأصحاب
المنكر ) يجدها عسلاً .
فالله ما أنكس هذه القلوب التي جعلت من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً ومن
المعروف منكراً ومن المنكر معروفاً .
فلم لا يُستساغ العسل ؟! الهداية
أعني ؟!
إجابة عن هذا التساؤل أقول أحبتي
.. ما هذا الإعراض إلا نتيجة لمرض حل بالقلوب وغير فطرتها وإلا فالقلوب
السليمة لا تهنأ إلا بالله ولا تأنس إلا بذكره ،
قال تعالى
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
إِذَا ذُكِرَ اللّه وجلت قلوبهم وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }
ومن الأمراض التي طمست على القلوب وأعمت بصيرتها فأصبحت لا ترى معها نور
الهدى مرض النفاق والرياء والشك كما في هذه الآية
(( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً
)) فزادهم الله مرضاً يعني نفاقاً
ورياءً وشكاً والعياذ بالله .
ومن الأمراض كذلك مرض الشبهة ، قال الله تعالى
(( وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ
وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض مَا وَعَدَنَا اللَّه وَرَسُوله إِلَّا
غُرُورًا ))
قال الذي في قلبه مرض بما يجده في نفسه من الشبهة بأنه ما وعدهم الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم إلا غروراً .
ومن الأمراض مرض الشهوة ، قال الله تعالى
(( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوًْلاً معروفاً ))
(( فلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ))
يَعْنِي بِذَلِكَ تَرْقِيق الْكَلَام إِذَا خَاطَبتْنَ الرِّجَال وَلِهَذَا
قَالَ تَعَالَى :
" فَيَطْمَع الَّذِي فِي قَلْبه مَرَض
" وهو مرض الشهوة "
وَقُلْنَ قَوًْلاً مَعْرُوفًا " أي حَسَنًا جميلاً مَعْرُوفًا فِي الْخَيْر .
فهل أدركت الآن لم لا يُستساغ
العسل ؟!
فإن أردت العلاج فهاك هو بإذن الله
:
[
1- المعرفة بالله تعالى :
فمن عرف ربه حق المعرفة رق لبه ، ومن جهل ربه قسا قلبه ، وما وجدت قلباً
قاسياً إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل وأبعدهم عن المعرفة به ،
وكلما عظم الجهل بالله كلما كان العبد أكثر جرأة على حدوده ومحارمه ، وكلما
وجدت الشخص يديم التفكير في ملكوت الله ، ويتذكر نعم الله عليه التي لا تعد
ولا تحصى ، كلما وجدت في قلبه رقة .
2- تذكر الموت وما بعده :
من سؤال القبر وظلمته ووحشته وضيقه ، وأهوال الموت وسكراته ، ومشاهدة أحوال
المحتضرين وحضور الجنائز ، فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها ، ويوقفها من
رقدها ، وينبهها من غفلتها ، فتعود إلى ربها وترق ، ولهذا كان النبي صلى الله
عليه وسلم يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول :
(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت ،
فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولا ذكره في سعة إلا
ضيقها عليه )) (رواه البيهقي وحسنه
الألباني ) ويقول سعيد بن جبير رحمه الله : لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن
يفسد علي قلبي .
3- زيارة القبور ( للرجال )
والتفكر في حال أهلها :
وكيف صارت أجسادهم تحت التراب
وكيف كانوا يأكلون ويتمتعون ويلبسون مالذ وطاب فأصبحوا تراباً في قبورهم ،
وتركوا ما ملكوا من أموال وبنين ، ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم ، وأن مآله
هو مآلهم ، ومصيره هو مصيرهم ، فزيارة القبور عظة وعبرة ، وتذكير وتنبيه لأهل
الغفلة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
(( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا
فزوروها ؛ فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ، ولا تقولوا هُجراً
)) ( رواه الحاكم وصححه الألباني ) ،
ومن نظر إلى القبور وإلى أحوال أهلها انكسر قلبه ورق ، وذهب ما به من القسوة
، وأقبل على ربه إقبال صدق وإخبات .
4- النظر في آيات القرآن الكريم :
والتفكر في وعده ووعيده وأمر ونهيه ،
فما قرأ عبد القرآن وكان عند قراءته حاضر القلب مفكراً متأملاً إلا وجدت عينه
تدمع ، وقلب يخشع ، ونفسه تتوهج إيماناً من أعماقها تريد السير إلى ربها ،
وما قرأ عبد القرآن أو استمع إلى آياته إلا وجدته رقيقاً قد خفق قلبه واقشعر
جلده من خشية الله
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ
اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (23)
سورة الزمر.
5- تذكر الآخرة والتفكر في القيامة
وأهوالها :
والجنة وما أعد الله فيها
للطائعين من النعيم المقيم ، والنار وما أعد الله فيها للعاصين من العذاب
المقيم ، فإن ذلك يذهب النوم عن الجفون ، ويحرك الهمم الساكنة والعزائم
الفاترة ، فتقبل على ربها إقبال المنيب الصادق ، وعندها يرق القلب .
6- الإكثار من الذكر والاستغفار :
فإن للقلب قسوة لا يذيبها إلى ذكر
الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى ، وقد قال رجل
للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي . قال : أذِبه بالذكر . وهذا لأن
القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك
القسوة كما يذوب الرصاص في النار ن فما أذيبت قسوة القلب بمثل ذكر الله تعالى
. يقول ابن القيم رحمه الله : (( صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه
بشيئين بالاستغفار والذكر ...)).
7- زيارة الصالحين وصحبتهم
ومخالطتهم والقرب منهم :
فهم يأخذون بيدك إن ضعفت ،
ويذكرونك إذا نسيت ، ويرشدونك إذا جهلت ، إن افتقرت أغنوك ، وإن دعوا الله لم
ينسوك ، ورؤيتهم تذكر بالله وتعين على الطاعة ، قال تعالى
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا
تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا }( الكهف : 28)
ويقول جعفر بن سليمان : كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد
بن واسع .
8- مجاهدة النفس ومحاسبتها
ومعاتبتها :
وإذا لم يعرف حقيقة المرض فكيف
يتمكن من العلاج ؟! لهذا لا بد من تذكير النفس بضعفها وافتقارها إلى خالقها ،
وإيقاظها من غفلتها ، وتعريفها بنعم الله عليها ، ومراقبتها ومحاسبتها على كل
صغيرة وكبيرة حتى يسهل عليه قيادها والتحكم فيها . ] *
أخوكم تباع الأثر
....................................
* ما بين المعكوفتين
منقول من موضوع لماذا تقسوا قلوبنا – دار الوطن