•
أيها المريض المسلم .
•
يا من رقدت غير مختار على السرير
الأبيض .
•
يا من فقدت لذة الصحة وحُرمت طعم العافية .
السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فإن من أعظم نعم الله سبحانه على عباده أن متَّعهم بالعافية ورزقهم الصحة
والسلامة ؛ فهي كالتاج على رؤوسهم لا يراه إلا المرضى الذين يرقدون على
الأسرة البيضاء يئنون ويتوجعون ، ويتألمون آناء الليل وأطراف النهار وهم تحت
رحمة الله جل وعلا ، ثم عناية الأطباء والممرضين لا يملكون لأنفسهم حيلة ،
ولا يجدون مهرباً مما هم فيه إلا بفضل الله ورحمته .
من هنا فقد رأيتُ من واجبي أن أكتب هذه الرسالة لإخواني المرضى مواسياً لهم
ومشاركاً ، فعسى أن يكون بين أسطرها تخفيفاً لآلامهم وأوجاعهم ، وتذكيراً لنا
جميعاً بفضل الله ورحمته . وفيها أقول مستعيناً بالله :
•
يا من تعلم ُ أن ما أصابك ليس
إلا بقدر الله ، أحسن الظن بالله سبحانه وتعالى حتى يهون عليك ما أنت فيه من
مرض ؛ فإن الله لطيف بعباده . وتذكَّر قول الحق في الحديث القدسي : (( أنا
عند حسن ظن عبدي بي إن خيراً فخير وإن شراً فشر )) رواه أحمد والطبراني وابن
حبان .
واعلم أنك متى أحسنت الظن بالله سبحانه شعرت بالرضى ، وهان عليك مرضك لأنك
على يقين تام بأن الله لا يُقَدِّر إلا الخير ، ثم أن من قَدَّر عليك المرض
ليس إلا أرحم الراحمين الذي هو أرحم بخلقه من الأم بولدها .
•
يا من ابتليت في صحتك وعافيتك ، احمد الله تعالى أنَّ ما أصابك من مرض أو
ابتلاء لم يكن في دينك ؛ فإن المصيبة في الدين هي الخُسران المبين . واحذر –
عافاك الله – من التسخط وإظهار الجزع وعدم الرضا بالقدر فإن ذلك مما لا يليق
بالمسلم ولا يجوز له بحالٍ من الأحوال. يقول أحد علماء السلف الصالح : (( ما
أصابتني مصيبة إلا حمدت الله عليها لأربع : أن لم يجعلها في ديني ، وأن رزقني
الصبر عليها ، وأن لم يجعلها أكبر منها ، وأن رزقني الاسترجاع عندها )) .
•
يا من تطمع في رحمة الله تعالى وفضله ، لا تنس أن المرض كفارة – بإذن الله –
للذنوب والخطايا . فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( ما يصيب المسلم من نصبٍ (
تعب ) ولا وصب ( مرض ) ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفَّر
الله عنه من خطاياه )) . رواه البخاري ومسلم .
فاستبشر – أخي المريض المسلم – خيراً بلطف المولى عز وجل ورحمته ، واعلم –
شفاك الله – أن مصيبتك أهون من مصيبة غيرك ؛ وأن هناك من هو أشدُّ منك ألماً
وأكثرُ وجعاً . قال الشاعر:
في كل بيتٍ محنةٌ وبليةٌ *** ولعل بيتك إن شكرت أقلها
•
يا من أخاطت بك الآلام والأوجاع ، احتسب ما تشتكيه من مرض عند الله تعالى
فلعل ذلك مُقَدَّرٌ منه سبحانه لرفع منزلتك في الدار الآخرة متى صبرت واحتسبت
.
قال صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يُصب منه )) رواه البخاري
.
ولأن ذلك قد يكون ابتلاءً من الله سبحانه ، فالمؤمن مبتلى لقوله تعالى {
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [
البقرة : 155 ]. ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن عظم
الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم )) رواه الترمذي
والطياسي والبيهقي .
فعليك – أخي المريض – أن تصبر وأن تحتسب الأجر على ما أصابك ، وأن ترضى به
امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من رَضِيَ فله الرضا ، ومن سَخِطَ
فعليه السخط )) رواه الترمذي وحسنه .
قال الشاعر :
إذا أجرى القضاءُ عليك خطباً *** فطب نفساً بما فعل القضاءُ
فكلُّ شديدة ٍ ولها انفراج *** وكُلُّ بلية ٍ ولها انقضاء ُ
وعُذ بالله يكفيك كُلَّ شرٍّ *** فإن الله يفعل ُ مـا يشاءُ
•
يا من تنشُد الصحة وتبحث عن العافية لا شك أنك تبحث عن أي علاج يمكن أن يعالج
مرضك ويشفيك مما تجده من آلام وأوجاع ؛ وهذا أمر مشروع ومأمور به شريطة أن لا
يكون حراماً أو غير جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى خلق
الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام )) رواه الطبراني .
فإذا كان العلاج مما أباحته الشريعة فهو أمر جائز شرعاً ؛ أما إذا كان غير
ذلك مما فيه سحر أو كهانة أو شعوذة ونحو ذلك مما حَرَّم َ الله تعالى فلا
يجوز أبداً لما فيه من الكذب والخداع والتدليس والاحتيال والشر والفساد وأكل
أموال الناس بالباطل ، إضافة إلى كونه أمر يقدح في عقيدة الإنسان – والعياذ
بالله – فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما
يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد )) . رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة –
رضي الله عنه - .
•
يا من فقدت طعم العافية ، لا تُكثر من الشكوى والأنين فقد كان السلف الصالح
يكرهون ذلك لما فيه من الضعف وعدم الصبر . وعليك بكثرة الذكر تسبيحاً و
تحميداً وتكبيراً وتهليلاً ، واحرص – شفاك الله – على لزوم الاستغفار واللجوء
إلى الله سبحانه فإن في ذلك فرجاً ومخرجاً للعبد مما هو فيه من ألم وهم ووجع
لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق
مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب )) . رواه أحمد وأبو داود
وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس – رضي الله عنهما ـ .
وأكثر – أخي المريض المسلم – من الدعاء الصادق والإلحاح في الطلب فإن الله جل
في علاه يحب من عبده سؤاله ، ومتى عَلِمَ منه الصدق والإخلاص أجابه وحقق
رجاءه ورفع عنه ما يشتكيه بعزته وقدرته سبحانه .
•
يا من كَثُرت همومك وزادت أوجاعك ، إياك والوقوع فيما يسوله الشيطان لبعض
المرضى الذين يظنون أن السبيل إلى نسيان آلامهم والتخفيف من أوجاعهم والترويح
عن أنفسهم لا يكون إلا بسماع الموسيقا والغناء والمحرَّم أو الانشغال بمتابعة
المسلسلات الهابطة ومشاهدة الأفلام الساقطة التي هي في حقيقة الأمر مرض خطير
وداء عظيم . وعليك –بارك الله فيك – أن تحرص على قراءة القرآن الكريم وتلاوته
والإكثار من ذلك إضافة إلى مطالعة الكتب النافعة والانشغال بقراءتها ؛ فإن لم
تستطع فهناك الأشرطة الإسلامية وما تشتمل عليه من تلاواتٍ مباركة ومحاضراتٍ
نافعة وخُطب عظيمة ودروسٍ مفيدة تُشغل ُ بها وقتك وتنسى بها ألمك إضافة إلى
ما في استماعك لها من الفائدة والأجر بإذن الله .
•
يا من صبرت على ما أصابك واحتسبته عند الله تعالى ، اعلم أن مرضك خيرٌ لك –
بإذن الله – لما فيه من أعظيم الأجر وجزيل الثواب ، فعن صهيب رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير
. وليس لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته
ضراء صبر فكان خيراً له )) رواه مسلم .
وليس هذا فحسب بل إن من كرم الله سبحانه عليك أن يُجري لك الأجر والثواب على
أعمال لم تعملها ولكنك كنت تحافظ عليها قبل مرضك . قال صلى الله عليه وسلم :
(( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمله
صحيحاً مقيماً )) . رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -.
•
يا من مسَّك الله بضرٍّ لا يكشفه إلا هو سبحانه ؛ إياك أن تيأس أو تقنط من
رحمة الله سبحانه فإن ذلك مخالف لهدي الإسلام ، واحذر من تمني الموت متى اشتد
عليك المرض أو طالت مدته فإن ذلك لا يجوز . قال صلى الله عليه وسلم : (( لا
يتمنين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً ، فليقل : اللهم
أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي )) . رواه
أحمد والشيخان عن أنس – رضي الله عنه - .
ولا تحسب – عافاك الله – أن في الموت راحة من الألم وسلامة من الوجع ، فقد
يكون المرض سبباً في زيادة الحسنات ومضاعفة الأجر وأنت لا تدري . قال صلى
الله عليه وسلم : (( لا يتمنى أحدكم الموت ؛ إما مُحسناً فلعله يزداد ، وإما
مُسيئاً فلعله يستعتب ُ )) . رواه أحمد والبخاري والنسائي عن أبي هريرة – رضي
الله عنه - .
•
يا من منعك المرض من الذهاب إلى بيوت الله في الأرض ، الحذر الحذر من ترك
الصلاة خلال فترة المرض أو التهاون في أدائها في أوقاتها ؛ لأن ذلك ذنب عظيم
وأمر جسيم ، فترك الصلاة عمداً كفر – والعياذ بالله – كما أفتى بذلك علماء
الإسلام ، كما أن التهاون في أدائها ذنب كبير يكون الإنسان منه على خطر عظيم
. فعليك – ثبتنا الله وإياك – بالمحافظة على أداء الصلوات في وقتها قائماً أو
قاعداً أو مضطجعاً أو مستلقياً أو على قدر استطاعتك .
وليس هذا فحسب بل عليك أن تُذكِّر من هم حولك من المرضى بعظم شأن الصلاة
وأهمية المحافظة عليها لا سيما وأن المرضى أحوج ما يكونون إلى ذلك في حال
مرضهم .
••
وختاماً :
أسأل الله العظيم أن يمنَّ علينا وعليك بالعافية ، وأن يمنحنا صحة الأبدان
وسلامتها من الأمراض الباطنة والظاهرة ، وأن يجعلنا جميعاً ممن إذا أنعم
عليهم شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا أذنبوا استغفروا . كما أسأله سبحانه
أن يعافي كل مبتلى ، وأن يشفي كل مريض ، وأن يرحم كل ميت من أموات المسلمين
إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد ٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
كثيراً ...
كتبه
صالح بن علي أبو عرَّاد الشهري