فضيلة الشيخ سلمان العودة حفظه الله ,, آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فضيلة الشيخ كثر الحديث والجدل حول العمليات الإستشهادية ,وأقيمت ندوات
وحوارات وكتبت مقالات وطبعت نشرات ..مابين مؤيد ومعارض ومتحمس ومندفع ومتحفظ
ومتردد...ولكلٍ آرائه وأنصاره .. وأصبحنا نرى ونسمع العجب..!! وفي هذه الأيام
صدرت أقوال من بعض أهل العلم كــان لها مــاكــــان من أثر .... فضيلة شيخنا
الكـــــريم نرجوا منكم وفقكم الله وأعانكم أن توضحوا لنا ما يلــــــــــي
:---
1ـــ الحكم في هذ المسألة على ضوء الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة رحمهم الله
تعالى
2ــــ حدود ومجال تنفيذها بمعنى هل تكون ضد الكفار في بلادهم فقط أو تكون
ضدهم خارج حدودهم في بلاد لهم نفوذ ومصلح فيها ؟
3ــــ هل تقام ضد الأهداف العسكرية فقط أو على كل مايؤثر على العدو ؟!
4ـــ هل تشمـــــل المدنيين أو الحربيين فقط ؟؟
5ــــ حد الإثخان فيها ..فإذا كان المقصود بهذه العملية رجل واحد ولكنه مهم
بالنسبة للعدو كأن يكون قائداً كبيراً مثلاًً أو بارجةً ...بخلاف لو كان
الهدف عدداً كبيراً من العامة أو الأشياء التي لاتشكل أهمية للعدو فما هو
المقياس في ذلك ؟
6ـــ هل يشترط إذن الوالدين فيها إذاكانت جائزة شرعاً ؟
7ـــ هل تجوز في بلاد المسلمين ضد غيرهم ؟
8ــــ هل يعتبر شهيداً من يقوم بها أم منتحراً ؟ وهل ندعوا له ونترحم عليه ؟
9ـــ ماهو الاسم الشرعي والصحيح لها ؟
10ـــ هل يصرف على تخطيطها والإعداد لها من الزكاة أم من بيت مال المسلمين ؟؟
أفتونا جزاكم الله خيـــــــــــــــــراً .
والســــــــــــلام علـــــــــيكم ورحمة الله ،،،،
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مسألة ما يسمى بـ ( العمليات الاستشهادية ) من المسائل الحديثة التى لا تكاد
تجد نصاً عليها في كتب الفقهاء المتقدمين ، وذلك لأنها من أنماط المقاومة
الحديثة التى طرأت بعد ظهور المتفجرات وتقدم تقنيتها .
وهي في الغالب جزء مما يسمى بـ "حرب العصابات" التى تقوم بها مجموعات فدائية
سريعة الحركة ، وقد برزت أهمية مثل هذا اللون من المقاومة في الحرب الأهلية
الأمريكية ، وفي الحرب العالمية الثانية وما بعدها ، وصارت جزءاً من نظام
الحروب الذي يدرس في المعاهد والأكاديميات الحربية .
وقد احتاج إليها المسلمون على وجه
الخصوص لأسباب عديدة :
أ.
منها ماجبلوا عليه من الفدائية والتضحية وحب الاستشهاد ، ورخص الحياة عليهم
إذا كانت ذليلة ، فالموت العزيز لديهم خير من الحياة الذليلة
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ .
ب.
ومنها مايتعرضون له في عدد من بلادهم من سطوة أعدائهم وجراءتهم عليهم نظراً
لتخلفهم العلمي والتقني والحضاري ، وتفوق أعدائهم في هذا المضمار ، فصارت بعض
البلاد الإسلامية كلأً مباحاً للمستعمرين والمحتلين ، وهذا مانشاهده في أرض
فلسطين المباركة ، وفي كشمير ، وفي أرض الشيشان ، ومن قبل في أفغانستان ،
إضافة إلى الجمهوريات الإسلامية التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي من قبل
.
ج.
ومنها ضيق الخيارات لديهم ، فإن من عوامل قوة الإنسان أن تعدم الخيارات لديه
أو تقل ، وبهذا تطيب له الحياة ، لأنه لا شئ لديه يخسره ، وهذا يمنحه طاقة
جديدة .
ولهذا كثر التساؤل عن مثل هذه العمليات التي يسميها بعضهم " بالعمليات
الاستشهادية " إيذاناً بمشروعيتها ، ويسميها آخرون بـ " العمليات الانتحارية
" إيذاناً بمنعها أو تقليداً لوسائل الإعلام .
وقد اختلف فيها الفقهاء المجتهدون منعاً أوإذناً بحسب ماظهر لهم من النظر
والترجيح .
وبمراجعة الحالات المشابهة في النصوص الشرعية ، و الوقائع التاريخية نجد
مايمكن الاستئناس به في أمر هذه المسألة :
1.
ففي مصنف ابن أبي شيبة عن محمد بن إسحاق ( وهو صدوق مدلس ) عن عاصم بن محمد
بن قتادة قال : قال معاذ بن عفراء : يا رسول الله ، مايضحك الرب من عبده ؟
قال : غمسه يده في العدو حاسراً . قال : فألقى درعاً كانت عليه ، فقاتل حتى
قتل .
وصححه ابن حزم في المحلى (7/294)
وذكره الطبري في تاريخه (2/33) عن عوف بن الحارث ، وهو ابن عفراء ، وهكذا في
سيرة ابن هشام (3/175).
2.
وقد روى ابن حزم في المحلى (نفسه) عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل
البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده
إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي
بيده ، ويقول : لا توبة لي .
قال : ولم ينكر أبوأيوب الأنصاري ، ولا أبوموسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده
على العسكر الجرار ، ويثبت حتى يقتل .
3.
وقصة أبي أيوب في القسطنطينية معروفة مشهورة ، وفيها أن رجلاً من المسلمين
حمل على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس ، وقالوا : سبحان الله يلقي
بيديه إلى التهلكة ؟ فقام أبو أيوب . فقال : أيها الناس إنكم تتأولون هذه
الآية هذا التأويل إنما نزلت فينا معشر الأنصار ، لما أعز الله الإسلام وكثر
ناصروه فقال بعضنا لبعض سراً ، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن
أموالنا ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا
فأصلحنا ماضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الآية …إلى أخر
الحديث .
وهو في سنن الترمذي (2898) وقال : حسن صحيح غريب .
ورواه أبو داود (2151).
4.
كما روى أهل السير ، وابن المبارك في كتاب الجهاد (1/134) قصة البراء بن مالك
وإلقاءه نفسه بين المرتدين من بني حنيفة .
وفي بعض المصادر كالسير (1/196) وغيرها أنه أمر أصحابه أن يحملوه على ترسٍ
على أسنة رماحهم ، ويلقوه في الحديقة ، فاقتحم إليهم ، وشد عليهم ، وقاتل حتى
افتتح باب الحديقة ، وجرح يومئذٍ بضعةً وثمانين جرحا ، وأقام عليه خالد بن
الوليد يومئذٍ شخصاً يداوي جراحه .
ونحو هذا في ثقات ابن حبان ( 2/175 ) و تاريخ الطبري (2/281) و غيرهما .
وقريب منه قصة البراء رضي الله عنه بتستر .
5.
وروى أحمد عن أبي إسحاق ، قلت للبراء : الرجل يحمل على المشركين ، أهو ممن
ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال: لا. لأن الله عز وجل بعث رسول الله صلى عليه
وسلم فقال : ]فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك[ إنما ذاك في النفقة .
6.
وقد جاء في صحيح مسلم رحمه الله من حديث صهيب الطويل المعروف ، قول الغلام ـ
الذي عجزوا عن قتله ـ للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك ، قال: وماهو
؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي
، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل: بسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك
إذا فعلت ذلك قتلتني … الحديث ، وفيه أن الملك فعل ما أمره به ، فمات الغلام
، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ..
الحديث .
والحديث في المسند(22805) وغيره .
فهذا الغلام قد أرشد الملكَ إلى الطريقة التي يتحقق بها قتله ، ثم نفذها
الملكُ ، وتحقق بها ما رمى إليه الغلام من المصلحة العظيمة العامة من إيمان
الناس كلهم بالله بعدما بلغهم خبره ، وما أجرى الله له من الكرامة .
7.
وفي حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ( الذين يلقون في الصف الأول
فلا يلفتون وجوهم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة ،
ويضحك إليهم ربك ، إن ربك إذا ضحك إلى قومٍ فلا حساب عليهم).
رواه ابن أبي شيبة (4/569) و الطبراني ، وأبو يعلى ، وابن المبارك في الجهاد
، وأبو نعيم في الحلية ، وغيرهم .
وقال المنذري : رواته ثقات .
8.
كما روى ابن أبي شيبة عن مدرك بن عوف الأحمسي قال : كنت عند عمر رضي الله عنه
فقال….وفيه : يا أمير المؤمنين ، ورجل شرى نفسه ، فقال مدرك بن عوف : ذاك
والله خالي يا أمير المؤمنين ، زعم الناس أنه ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر
: كذب أولئك ، ولكنه ممن اشترى الآخرة بالدنيا.
9.
وقال محمد بن الحسن الشيباني في السير
(1/163)
أما من حمل على العدو فهو يسعى في إعزاز الدين ، ويتعرض للشهادة التي يستفيد
بها الحياة الأبدية ، فكيف يكون ملقياً نفسه إلى التهلكة ؟ ثم قال : لابأس
بأن يحمل الرجل وحده ، وإن ظن أنه يقتل ، إذا كان يرى أنه يصنع شيئاً ، فيقتل
أو يجرح أويهزم ، فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم أحد ، ومدحهم على ذلك ، وقيل لأبي هريرة : ألم ترى أن سعد بن
هشام لما التقى الصفان حمل فقاتل حتى قتل ، وألقى بيده إلى التهلكة ، فقال :
كلا ، ولكنه تأوّل آيةً في كتاب الله ]ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة
الله[
فأما إن كان يعلم أنه لا ينكي فيهم ، فإنه لا يحلُّ له أن يحملَ عليهم ، لأنه
لا يحصل بحملته شيء مما يرجع إلى إعزاز الدين ، ولكنه يقتل فقط ، وقد قال
تعالى : ]ولا تقتلوا أنفسكم ...[
فإذا كان لا ينكي لا يكون مفيداً فيما هو المقصود ، فلا يسعه الإقدام عليه .
10.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو أن
الجمهور صرحوا بأنه إذا كان لفرط شجاعته ، وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يـجرئ
المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن .
ومتى كان مجرد تـهورٍ فممنوع ، لا سـيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين . (
انظر: سبل السلام 2/473 )
11.
وقيده في حاشية الدسوقي (2/208) بأمرين :
أ- أن يكون قصده إعلاء كلمة الله .
ب-وأن يظن تأثيره فيهم .
12.
وذكر ابن العربي (1/166) أن الصحيح جواز
إقدام الرجل الواحد على الجمع الكثير من الكفار : لأن فيه أربعة وجوه :
الأول : طلب الشهادة .
الثاني : وجود النكاية .
الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
الرابع : ضـعف نفوس الأعداء ، ليروا أن هذا صنع واحد منهم ، فما ظنك بالجميع
؟
13.
وقال ابن تيمية كما في الانصاف (4/116) : يسن الانغماس في العدو لمصلحة
المسلمين ، وإلا نهي عنه ، وهو من التهلكة .
ويلحظ في غالب هذه النصوص و الأخبار أنها في رجل أو رجال انطلقوا من جماعة
المسلمين وعسكرهم صوب العدو .
ولكن في بعضها كما في قصة الغلام المؤمن ، ماليس كذلك .
والذى يترجح من مجموعها ـ و الله أعلم
ـ أنه يجوز القيام بعملية من هذا النوع المسؤول عنه بشروط تستخرج من كلام
الفقهاء ، ومن أهمها :
1)
أن يكون ذلك لإعلاء كلمة الله .
2)
أن يغلب على الظن ، أو يجزم ، أن في ذلك نكاية بالعدو ، بقتل أو جرح أو هزيمة
أوتجريءٍ للمسلمين عليهم أوإضعاف نفوسهم حين يرون أن هذا فعل واحد فكيف
بالجماعة .
وهذا التقدير لا يمكن أن يوكل لآحاد الناس وأفرادهم ، خصوصاً في مثل أحوال
الناس اليوم ، بل لابد أن يكون صادراً عن أهل الخبرة والدراية والمعرفة
بالأحوال العسكرية والسياسية من أهل الاسلام وحماته وأوليائه .
3)
أن يكون هذا ضد كفار أعلنوا الحرب على المسلمين ، فإن الكفار أنواع ، منهم
المحاربون ، ومنهم المسالمون ، ومنهم المستأمنون ، ومنهم الذميون ، ومنهم
المعاهدون ، وليس الكفر مبيحاً لقتلهم بإطلاق بل ورد في الحديث الصحيح كما في
البخاري (2930) عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من
قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما )
ورواه النسائي وأحمد وابن ماجه وغيرهم .
والأصل إجراء عقود المسلمين على الصحة وعدم التأويل فيها ، وهذا يفضي إلى
الفوضى والفساد العريض .
4)
أن يكون هذا في بلادهم ، أوفي بلادٍ دخلوها وتملكوها وحكموها ، وأراد
المسلمون مقاومتهم وطردهم منها ، فاليهود في فلسطين ، والروس في الشيشان ممن
يمكن تنفيذ هذه العمليات ضدهم بشروطها المذكورة .
5)
أن تكون بإذن الأبوين ، لأنه إذا اشترط إذن الأبوين في الجهاد بعامته ،
فإذنهما في هذا من باب أولى ، والأظهر أنه إذا استأذن والديه للجهاد فأذنا له
، فهذا يكفي ، ولا يشترط الإذن الخاص والله أعلم .
ومن يقوم بهذه العمليات وفق الشروط المعتبرة شرعاً فهو بإذن الله شهيد إذا
صحت نيته ، إنما الأعمال بالنيات ، يدعى له ويترحم عليه .
ويجوز الصرف على هذه العمليات من بيت المال ، أومن الزكاة لأنها من سبيل الله
، أو من غيرها .
أما حد الإثخان فهو خاضع لتقدير أهل الشأن والخبرة كما ذكرنا ، بحيث يتحقق
العلم ، أو يغلب على الظن أنها ستوجع فيهم قتلاً أو جرحاً ، أو تحدث فيهم
ضرراً بليغاً ، أو تنشر فيهم رعباً ، أوتحملهم على الرحيل إلى ديارهم ، دون
أن يكون لها مردود سيء أكثر من ذلك مثل الانتقام من الأبرياء ، أو تهديم
المدن والقرى ، أو الانجرار إلى حرب شاملة لايقوى عليها المسلمون ، ولم
يستعدوا لها، وما أشبه هذا مما يملك النظر فيه من آتاه الله الفهم وبعد النظر
وقوة الإدراك .
والاجتهاد في هذا الباب وارد وهو عرضة للخطأ والصواب ، ولكن يتقي المسلمون
ربهم مااستطاعوا والله أعلم .
كتبه / سلمان بن فهد
العودة