اطبع هذه الصفحة


مذاهب فكرية معاصرة .. بقلم : شمس الدين ابن القيّم رحمه الله

أبو عمر الكناني

 
إذا قرأت هذا المقال فكأنك تقرأ لمعاصر يتكلم عن مذاهب فكرية تقمصها بعض سفهائنا تحت مسميات براقة كالليبرالية والديموقراطية والعلمانية .. قال ابن القيم رحمه الله في سياق ذكر طبقات الناس يوم يوم القيامة * :
(الطبقة الخامسة عشرة) طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر، ومعاداة الله ورسله.

وهؤلاء المنافقين ، وهم في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا فالكفار } .

والمجاهرون بكفرهم أخف وهم فوقهم في دركات النار لأن الطائفتين اشتركتا في الكفر ومعاداة الله ورسله وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق .

وبليّة المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين، ولهذا قال تعالى في حقهم: {هم العدو فاحذرهم } ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر أي لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد هاهنا حصر العداوة فيهم ، وأنهم لا عدوّ للمسلمين سواهم ، بل هذا من إثبات الأولوية والأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهرا وموالاتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم بل هم أحق بالعداوة ممن باينهم في الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها .

(الليبراليين والعلمانيين أشدّ خطراً على الأمّة من الكفار الأصليين المجاهرين)

فإن ضرر هؤلاء المخالطين لهم المعاشرين لهم- وهم في الباطن على خلاف دينهم- أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم ، لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أياما ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر .

وهؤلاء معهم في الديار والمنازل صباحا ومساء ، يدلون العدو على عوراتهم ويتربصون بهم الدوائر ولا يمكنهم مناجزتهم فهم أحق بالعداوة من المباين المجاهر فلهذا قيل: {هم العدو فاحذرهم } لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوا من الكفار المجاهرين .

والمقصود هذه الطبقة أشقى الأشقياء ولهذا يُستهزَأ بهم في الآخرة، وتعطى نورا يتوسطون به على الصراط ثم يطفىء الله نورهم ويقال لهم: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا }ويضرب بينهم وبين المؤمنين {بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور }.

وهذا أشد ما يكون من الحسرة والبلاء أن يفتح النجاة والفلاح حتى إذا ظن أنه ناج وراء منازل السعداء اقتطع عنهم وضربت عليه الشقوة ونعوذ بالله من غضبه وعقابه .

(لماذا نكره ونبغض الليبراليين والعلمانيين المنتسبين للإسلام أشدّ من بغضنا للكفار ؟)

وإنما كانت هذه الطبقة في الدرك الأسفل لغلظ كفرهم، فإنهم خالطوا المسلمين وعاشروهم وباشروا من أعلام الرسالة وشواهد الإيمان لما لم يباشره البعداء ، ووصل إليهم من معرفته وصحته ما لم يصل إلى المنابذين بالعداوة فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم كانوا أغلظ كفرا وأخبث قلوبا وأشد عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين من البعداء عنهم، وإن كان البعداء متصدين لحرب المسلمين ولهذا قال تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } وقال تعالى فيهم: { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } ، وقال تعالى في الكفار: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون } فالكافر لم يعقل، والمنافق أبصر ثم عمى وعرف ثم تجاهل وأقر ثم أنكر وآمن ومن ثم كفر ومن كان هكذا كان أشد كفرا وأخبث قلبا وأعتى على الله ورسله، فاستحق الدرك الأسفل.

( لماذا انحرف بعض من كان على الإسلام ليكون ليبراليا أو علمانياً )

وفيه معنى آخر أيضا وهو أن الحامل لهم على النفاق طلب العز والجاه بين الطائفتين فيرضوا المؤمنين ليعزوهم ويرضوا الكفار ليعزوهم أيضا ومن ههنا دخل عليهم البلاء أرادوا العزتين من الطائفتين ولم يكن لهم غرض في الإيمان والإسلام ولا طاعة الله ورسوله بل كان ميلهم وصغوهم وجهتهم إلى الكفار فقوبلوا على ذلك بأعظم الذل وهو أن جعل مستقرهم في أسفل السافلين تحت الكفار فما اتصف به المنافقون من مخادعة الله ورسوله والذين آمنوا والاستهزاء بأهل الإيمان والكذب والتلاعب بالدين وإظهار أنهم من المؤمنين وأبطنوا قلوبهم على الكفر والشرك وعداوة الله ورسوله أمر اختصوا به عن الكفار فتغلظ كفرهم به فاستحقوا الدرك الأسفل من النار .

( هل يستحق المنافق الدرك الأسفل من النار ؟)

ولهذا لما ذكر تعالى أقسام الخلق في أول سورة البقرة فقسمهم إلى مؤمن ظاهرا وباطنا، وكافر ظاهرا وباطنا، ومؤمن في الظاهرة كافر في الباطن وهم المنافقون وذكر في حق المؤمنين ثلاث آيات، وفي حق الكفار آيتين فلما انتهى إلى ذكر المنافقين ذكر فيهم بضع عشرة آية ذمهم فيها غاية الذم وكشف عوراتهم وقبحهم وفضحهم، وأخبر أنهم هم السفهاء المفسدون في الأرض المخادعون المستهزئون المغبونون في اشترائهم الضلال بالهدى وأنهم صك بكم عمي فهم لا يرجعون، وأنهم مرضى القلوب وأن الله يزيدهم مرضا إلى مرضهم، فلم يدع ذمل ولا عيبا إلا ذمهم به وهذا يدل على شدة مقته سبحانه لهم، وبغضه إياهم، وعداوته لهم، وأنهم أبغض أعدائه إليه فظهرت حكمته الباهرة في تخصيص هذه الطبقة بالدرك الأسفل من النار نعوذ بالله من مثل حالهم ونسأله معافاته ورحمته .

( الليبراليون والعلمانيون موصوفون في القرآن )

ومن تأمل ما وصف الله به المنافقين في القرآن من صفات الذم ، علم أنهم أحق بالدرك الأسفل ، فإنه وصفهم :

1. بمخادعته ومخادعة عباده .

2. ووصف قلوبهم بالمرض وهو مرض الشبهات والشكوك .

3. ووصفهم بالإفساد في الأرض .

4. وبالاستهزاء بدينه وبعباده .

5. وبالطغيان .

6. واشتراء الضلالة بالهدى .

7. والصمم والبكم والعمى .

8. والحيرة .

9. والكسل عن عبادته .

10. والزنا .

11. وقلة ذكره .

12. والتردد والتذبذب بين المؤمنين والكفار فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .

13. والحلف باسمه تعالى كذبا وباطلا .

14. وبالكذب .

15. وبغاية الجبن .

16. وبعدم الفقه في الدين .

17. وبعدم العلم .

18. وبالبخل .

19. وبعدم الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالرب .

20. وبأنهم مضرة على المؤمنين ولا يحصل لهم بنصيحتهم إلا الشر من الخبال .

21. والإسراع بينهم بالشر وإلقاء الفتنة .

22. وكراهتهم لظهور أمر الله .

23. ومحو الحق .

24. وأنهم يحزنون بما يحصل للمؤمنين من الخير والنصر ويفرحون بما يحصل لهم من المحنة والابتلاء .

25. وأنهم يتربصون الدوائر بالمسلمين .

(موقف الليبرالي من الجمعيات الخيرية )

26. وبكراهتهم الإنفاق في مرضاة الله وسبيله .

27. وبعيب المؤمنين ورميهم بما ليس فيهم فيلمزون المتصدقين ويعيبون مزهدهم ويرمون بالرياء إرادة الثناء في الناس مكثرهم .

28. وأنهم عبيد الدنيا إن أعطوا منها رضوا وإن منعوا سخطوا .

29. وبأنهم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وينسبونه إلى ما برأه الله منه ويعيبونه بما هو من كماله وفضله .

30. وأنهم يقصدون إرضاء المخلوقين ولا يطلبون إرضاء رب العالمين .

31. وأنهم يسخرون من المؤمنين .

32. وأنهم يفرحون إذا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكرهون الجهاد في سبيل الله .

33. وأنهم يتحيلون على تعطيل فرائض الله عليهم بأنواع الحيل .

34. وأنهم يرضون بالتخلف عن طاعة الله ورسوله.

35. وأنهم مطبوع على قلوبهم .

36. وأنهم يتركون ما أوجب الله عليهم مع قدرتهم عليه .

37. وأنهم أحلف الناس بالله قد اتخذوا أيمانهم جنة تقيهم من إنكار المسلمين عليهم ، وهذا شأن المنافق أحلف الناس بالله كاذبا قد اتخذ يمينه جنة ووقاية يتقي بها إنكار المسلمين عليه .

38. ووصفهم بأنهم رجس- والرجس من كل جنس أخبثه وأقذره- فهم أخبث بني آدم وأقذرهم وأرذلهم . 39. وبأنهم فاسقون .

40. وبأنهم مضرة على أهل الإيمان يقصدون التفريق بينهم ويؤوون من حاربهم وحارب الله ورسوله .

41. وأنهم يتشبهون بهم ويضاهونهم في أعمالهم ليتوصلوا منها إلى الإضرار بهم وتفريق كلمتهم وهذا شأن المنافقين أبدا .

42. وبأنهم فتنوا أنفسهم بكفرهم بالله ورسوله وتربصوا بالمسلمين دوائر السوء وهذه عادتهم في كل زمان وارتابوا في الدين فلم يصدقوا به وغرتهم الأماني الباطلة وغرهم الشيطان .

43. وأنهم أحسن الناس أجساما تعجب الرائي أجسامهم والسامع منطقهم فإذا جاوزت أجسامهم وقولهم رأيت خشبا مسندة ، لا إيمان ولا فقه ولا علم ولا صدق بل خشب قد كسيت كسوة تروق الناظر وليسوا وراء ذلك شيئا .

44. وإذا عرض عليهم التوبة والاستغفار أبوها وزعموا أنهم لا حاجة لهم إليها، إما لأن ما عندهم من الزندقة والجهل المركب مغن عنها وعن الطاعات جملة كحال كثير من الزنادقة وإما احتقارا وازدراءا بمن يدعوهم إلى ذلك .

45. ووصفهم سبحانه بالاستهزاء به وبآياته وبرسوله .

46. وبأنهم مجرمون .

47. وبأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف .

48. ويقبضون أيديهم عن الإنفاق في مرضاته .

49. ونسيان ذكره .

50. وبأنهم يتولون الكفار ويدعون المؤمنين .

51. وبأن الشيطان قد استحوذ عليهم وغلب عليهم حتى أنساهم ذكر الله فلا يذكرونه إلا قليلا .

52. وأنهم حزب الشيطان .

53. وأنهم يوادّون من حاد الله ورسوله .

54. وبأنهم يتمنون ما يعنت المؤمنين ويشق عليهم .

55. وأن البغضاء تبدو لهم من أفواههم على فلتات ألسنتهم .

56. وبأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم .

57. ومن صفاتهم التي وصفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب في الحديث .

58. والخيانة في الأمانة .

59. والغدر عند العهود .

60. والفجور عند الخصام .

61. والخلف عند الوعد .

62. وتأخير الصلاة إلى آخر وقتها، ونقرها عجلة وإسراعا وترك حضورها جماعة وأن أثقل الصلوات عليهم الصبح والعشاء .

63. ومن صفاتهم التي وصفهم الله بها الشح على المؤمنين بالخير .

64. والجبن عند الخوف فإذا ذهب الخوف وجاء الأمن سلقوا المؤمنين بألسنة حداد فهم أحدّ الناس ألسنة عليهم كما قيل:

جهلا علينا وجبنا من وعدوكم لبئست الخلتان الجهل والجبن

(الطابور الخامس من الليبراليين والعلمانيين وأضرابهم)

65. وأنهم عند المخاوف تظهر كمائن صدورهم ومخبآتها وأما عند الأمن فيجب ستره فإذا لحق المسلمين خوف دبت عقارب قلوبهم وظهرت المخبآت وبدت الأسرار .

66. ومن صفاتهم أنهم أعذب الناس ألسنة وأمرّهم قلوباً وأعظم الناس خلفاً بين أعمالهم وأقوالهم . 67. ومن صفاتهم أنهم لا يجتمع فيهم حسن صمت وفقه في دين أبدا .

68. ومن صفاتهم أن أعمالهم تكذب أقوالهم وباطنهم يكذب ظاهرهم وسرائرهم تناقض علانيتهم .

( كيف وضع بعض الإسلاميين يدهم في يد هؤلاء ؟)

69. ومن صفاتهم أن المؤمن لا يثق بهم في شيء فإنهم قد أعدوا لكل أمر مخرجا منه بحق أو بباطل بصدق أو بكذب ولهذا سمي منافقا أخذا من نافقاء اليربوع وهو بيت يحفره ويجعل له أسرابا مختلفة فكلما طلب من سرب خرج من سرب آخر فلا يتمكن طالبه من حصره في سرب واحد قال الشاعر:

ويستخرج اليربوع من نافقائه ومن حجره بالشيخة اليتقصع

فأنت منه كقابض على الماء، ليس معك منه شيء .

70. ومن صفاتهم كثرة التلون وسرعة التقلب وعدم الثبات على حال واحد: بينما تراه على حال تعجبك من دين أو عبادة أو هدى صالح أو صدق إذا انقلب إلى ضد ذلك كأنه لم يعرف غيره، فهو أشد الناس تلونا وتقلبا وتنقلا جيفة بالليل قطرب بالنهار .

(الليبرالي لا يرضى بالتحاكم إلى المحاكم الشرعية )

71. ومن صفاتهم أنك إذا دعوتهم عند المنازعة للتحاكم إلى القرآن والسنة أبوا ذلك وأعرضوا عنه دعوك إلى التحاكم إلى طواغيتهم، قال تعالى: { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا }.

( الليبرالي يفلسف الأمور والقضايا الشرعية حسب هواه وهوى أسياده )

72. ومن صفاتهم: معارضة ما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعقول الرجال وآرائهم ثم تفديمها على ما جاء به فهم معرضون عنه معارضون له، زاعمون أن الهدى في أراء الرجال وعقولهم، دون ما جاء فلو أعرضوا عنه تعرضوا بغيره لكانوا منافقين فكيف إذا جمعوا مع ذلك معارضته وزعموا أنه لا يستفاد منه هدى .

( عادة الليبراليين اتهام المصلحين والدعاة بالدعوة للإرهاب ونشر ثقافة العنف )

73. ومن صفاتهم: كتمان الحق، والتلبيس على أهله ورميهم له بأدوائهم فيرمونهم- إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ودعوا إلى الله ورسوله بأنهم أهل فتن مفسدون في الأرض وقد علم الله ورسوله والمؤمنون بأنهم أهل الفتن المفسدون في الأرض ، وإذا دعاهم ورثة الرسول إلى كتاب الله وسنة رسوله خالصة غير مشوبة رموهم بالبدع والضلال . وإذا رأوا معهم حقا ألبسوه لباس الباطل وأخرجوه لضعفاء العقول في قالب شنيع لينفروهم عنه، وإذا كان معهم باطل ألبسوه لباس الحق وأخرجوه في قالبه ليقبل منهم .

وجملة أمرهم أنهم في المسلمين كالزغل في النقود يروج على أكثر الناس لعدم بصيرتهم بالنقد ويعرف حاله الناقد البصير من الناس وقليل ما هم .

(ضرر الليبرالي والعلماني )

وليس على الأديان أضر من هذا الضرب من الناس وإنما تفسد الأديان من قبلهم ولهذا جلا الله أمرهم في القرآن وأوضح أوصافهم وبين أحوالهم وكرر ذكرهم لشدة المؤنة على الأمة بهم وعظم البلية عليهم بوجودهم بين أظهرهم وفرط حاجتهم إلى معرفتهم والتحرز من مشابهتهم والإصغاء إليهم .


فكم قطعوا على السالكين إلى الله طرق الهدى وسلكوا بهم سبيل الردى وعدُوهم ومنّوهم ولكن وعدوهم الغرور ومنوهم الويل والثبور .

فكم لهم من قتيل ولكن في سبيل الشيطان ، وسليب ولكن للباس التقوى والإيمان ، وأسير لا يرجى له الخلاص ، وفار من الله لا إليه ، وهيهات ولات حين مناص .

( فِرّ من الليبرالي والعلماني فرارك من المجذوم )

صحبتهم توجب العار والشنار ، ومودتهم تحل غضب الجبار ، وتوجب دخول النار .

من علقت به كلاليب كلبهم ومخاليب رأيهم مزقت منه ثياب الدين والإيمان ، وقطعت له مقطعات من البلاء والخذلان ، فهو يسحَب من الحرمان والشقاوة أذيالا ، ويمشي على عقيبه القهقهرى إدبارا منه وهو يحسب ذلك إقبالا .

فهم والله قطاع الطريق ، فيا أيها الركب المسافرون إلى منازل السعداء حذار منهم حذار إذ هم الجزارون ألسنتهم شفار البلايا ، ومن البلية إنهم الأعداء حقا وليس لنا بدٌّ من مصاحبتهم ، وخلطتهم أعظم الدواء وليس بدّ من مخالطتهم .

قد جعلوا على أبواب جهنم دعاة إليها فبعدا للمستجيبين ، ونصبوا شباكهم حواليها على ما حقت به من الشهوات فويل للمغترّين ، نصبوا الشباك ومدوا الأشراك وأذن مؤذنهم: يا شياه الأنعام حي على الهلاك حي على التباب فاستبقوا يهرعون إليهم فأوردوهم حياض العذاب لا الموارد العِذاب ، وساموهم من الخسف والبلاءِ أعظم خطّة وقالوا ادخلوا باب الهوان صاغرين ولا تقولوا حطة، فليس بيوم حطة .

( لا عجب من تأثّر بعض الإسلاميين بهم)

فواعجبا لمن نجا من شراكهم لا من علق وأنى ينجو من غلبت عليه شقاوته ولها خلق فحقيق ، بأهل هذه الطبقة أن يحلوا بالمحل الذي أحلهم الله من دار الهوان ، وأن ينزلوا في أردأ منازل أهل العناد والكفران وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقوها على أنفسهم أن يكونوا منهم . فكان عمر بن الخطاب يقول: يا حذيفة ناشدتك الله هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم؟ فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدا يعني لا أفتح علي هذا الباب في تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يبرأ من النفاق غيرك ، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمانه جبرائيل وميكائيل.

طريق الهجرتين (432ـ438)


التعليقات بين الأقواس ليست من كلام ابن القيم بل منا للتوضيح .

 

مذاهب فكرية

  • كتب حول العلمانية
  • مقالات حول العلمانية
  • الليبرالية
  • الحداثة
  • منوعات
  • رجال تحت المجهر
  • الصفحة الرئيسية