شهر رجب بين المشروع والممنوع

د. عبدالحميد المحيمد abd_h_as@

اشتهر عند العرب أسماء عدة لشهر رجب؛ فسموه الأصم والفرد ومنصل الأسنة وغيرها من أسماء.
وكانوا يعظمونه ويمتنعون عن القتال فيه ويضربون الأمثلة فيه فيقولون: عش رجبا ترى عجبًا.
ولما كانت الأحكام الشرعية تستقى من الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح فلابد من بيان أحكام شهر رجبوفق هذه الرؤية الشرعية.

ما حكم التهنئة بدخول رجب؟
لم يرد دليل صحيح في ذلك، وما يتناقله بعض الناس حول ذلك فهو حديث موضوع.

هل لرجل مزية شرعية؟
رجب هو أحد الأشهر الحرم والتي ذكرها الله سبحانه وتعالى فقال:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُالْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ [التوبة : 36].
والأشهر الحرم تأتي متوالية ذو القعدة ذو الحجة المحرم ، أما رجب فيأتي منفردًا عنها ومتقدمًا عليها.
وسميت حرمًا لأن الظلم والمعاصي فيها أشد حرمة من غيرها ولتحريم الاقتتال فيها .

ما حكم صيام رجب كاملًا ؟
صيام رجب كاملًا ظنًا أنه من السنة الثابتة غير مشروع لعدم وجود دليل صحيح صريح في ذلك. وسيأتيعرض الأدلة ومناقشتها.

هل يجوز صيام بعض رجب؟
نعم لا حرج في صيام بعض الأيام فيه لأنه من الأشهر الحرم.

ما أدلة ذلك وما سبب هذا التفصيل ؟
الأحاديث في صيام رجب تقسم إلى قسمين:
ضعيفة ( وهي أحد عشر حديثًا ).
وموضوعة ( وهي واحد وعشرون حديثًا).
قال ابن حجر في كتابه " تبيين العجب بما ورد في فضل رجب":
لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيهحديث يصلح للحجة.
وقال ابن تيمية : وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة ؛ بل موضوعة ، لا يعتمد أهل العلم علىشيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات.[الفتاوىالكبرى : ٢/ ٤٧٨]
إذًا لا يوجد حديث صحيح في صوم رجب بخصوصه.

فهل من حديث عام يشهد بمشروعية صوم بعض رجب؟
استدل بعض أهل العلم بحديث النبي ﷺ : " صُمْ مِن الحُرُمِ واترُكْ صُمْ مِن الحُرُمِ واترُكْ فقالَ بأصابعِه الثَّلاثةِفضمَّها ثمَّ أرسلَها" . رواه أبو داود .
وبما أن رجب من الأشهر الحرم باتفاق فإنه يدخل في استحباب صومه .
قال ابن حجر بعد ذكر الحديث ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف- ما يدل على استحبابصيام بعض رجب لأنه أحد الأشهر الحرم .
إلا أن الحديث لا يخلو من مقالة ففي إسناده من لا يعرف.
وكذلك استدل الإمام الشوكاني بحديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهورما تصوم من شعبان، قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى ربالعالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" رواه النسائي وحسن إسناده العيني والألباني.
فالحديث يشير إلى اشتهار رجب عند الناس .
قال الشوكاني :" ظاهر قوله في حديث أسامة: " إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان" أنهيستحب صوم رجب…..، والظاهر الأول. المراد بالناس: الصحابة، فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثارالجاهلية، ولكن غايته التقرير لهم على صومه، وهو لا يفيد زيادة على الجواز" . [ نيل الأوطار: ٤/ ٢٩٢].
غير أن هذا الاستدلال لا ينهض للاحتجاج على استحباب الصوم أو ندبه بل هو يصور حالة قائمة أرادالنبي صلى الله عليه وسلم صرف الناس إلى ما هو أفضل منها وهو الاجتهاد في شعبان .
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصريحة مقدمة على غيرها من الأعراف والعادات.

ما حكم صلاة الرغائب في رجب ؟
صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب ؛ قال النووي رحمه الله [عن صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف منشعبان]:
وهما بدعتان مذمومتان منكرتان، وأشدهما ذمّاً الرغائب لما فِيهَا من التَّغْيِير لصفات الصَّلَاة، ولتخصيصليلة الجمعة ، والحديث الْمَروي فِيها باطل، شَدِيد الضعْف، أَو مَوْضُوع ". [خلاصة الأحكام ٢/ ٦١٦]

ما حكم تخصيص ليلة السابع والعشرين بالعبادة ؟
تخصيص ليلة السابع والعشرين من رجب بصيام أو قيام أو الجزم بأنها ليلة الإسراء والمعراج لأنها ليلةمختلف في تحديدها ولا خصوصية للعبادة فيها.

ما خلاصة القول في شهر رجب؟
خلاصة ذلك ماذكره النووي رحمه الله حيث قال: "ولم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب لعينه ؛ ولكن أصلالصوم مندوب إليه وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ،ورجب أحدها ، والله أعلم". [شرح النووي على مسلم: ٨/ ٣٩]
فاتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم واحذر الهوى والابتداع في الدين، وأصلح سريرتك وأخلص عملكوسل الله الثبات على الحق.

وصلى الله على محمد وآله وسلم.