صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وقفات تربوية مع قصة نبي الله موسى عليه السلام

سارة بنت محمد حسن


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد،
فهذه وقفات تربوية عطرة مع مقتطفات من قصة نبي الله موسى عليه السلام، وقد اخترنا هذه القصة نظرا لسردها في أكثر من موضع من كتاب الله مما يعني أهميتها التربوية الكبيرة.
فقد اعتنى القرآن الكريم بتربية الشخصية المسلمة من خلال التوجية الرباني بالأمر والنهي ، كما اعتنى بالتوجيه بالقصة كذلك، ومعلوم أن التوجيه بالقصة أسلوب تربوي يتبارى فيه الغرب اليوم ويعدونه أهم اكتشافاتهم التربوية! في حين أن الإسلام اعتنى بهذا الأسلوب منذ أربعة عشر قرنا من الزمان!
والتربية بالقصة من أهم الأساليب التربوية حيث يقف المربي والمتربي في صف واحدٍ يشاهدون السلوك السيء وينتقدون هذه السلوكيات دون ضغائن ولا مصادمات ، كذلك يستحسنون السلوكيات الطيبة دون أوامر صارمة وصوت مرتفع! فيتفكر المتربي ويستشعر بنفسه ما يريد المربي أن يوصله له، مما يجعله نابعا من داخله فيركن إليه قلبه ويسعد به.
ونجد أن أساليب الإسلام التربوية -الرائدة القائدة- تتحدى جميع الأساليب التربوية التقليدية بله المبتكرة ، فكان ولازال لها السبق والفضل قال تعالى :" فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)"
 ولكي نتمكن من استخراج العبر التربوية من قصة موسى عليه السلام، لابد أن نعني بأسلوب السرد القصصي بحيث تتحدث القصة عن نفسها ويتمكن المتربي بلا تعسف من استخراج الفوائد بسهولة ويسر.
لهذا فسأبدأ بسرد القصة وأحداثها مرتبة بحيث يستفيد القارئ أسلوبا قصصيا يسرد به القصة على أبنائه، وفي نفس الوقت يستشعر الفوائد التربوية المرادة.[1]
ثم نضيف فقرة بعنوان : نقاش ما بعد القصة، وفيه نضع فوائد لم يستوعبها السياق على صيغة نقاش بحيث يتمكن المربي من محاورة المتربين بذكاء وحنكة بما يكفل له أن تجري الفوائد على ألسنة المستمعين ويجني ثمرة ما قصّ عليهم.
أترككم مع القصة الشيقة:[2][3]
"في حقبة من حقب الزمان، على أرض بلاد عريقة اسمها مصر ، يشق أراضيها نهرٌ من أعذب الأنهار ماء فيُقَسّم صحاريها الجرداء إلى شرقية وغربية، ويلقي على جانبيه بإذن ربه طميا خصبا فيستقر أهلها في وديانه يزرعون ويأكلون من رزق ربهم الكريم، فهل يشكر الناس النعمة؟
تولى أمر هذه البلاد ملكا جبارا متكبرا يلقب بــ (فرعون) استكبر في الأرض ودعا الناس لعبادته باعتبار أنه هو الرب الخالق! وكيف يخلق البشرَ إنسانٌ مثلهم ؟ وكيف يخلق ويرزق من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟ وكيف يخلق وهو فقير ضعيف إن ابتلاه الله العظيم بمرض لأقعده عن الحراك ، ولئن قضى الله المتعال عليه الموت ليدفنن تحت التراب؟ فكيف يطلب مخلوق ضعيف من المخلوقات أن تعبده؟
هل تصح دعواه يا أولادي؟[4]
ومن هو الإله المستحق للعبادة؟[5]
وكان في هذه البلاد يسكن بنو إسرائيل الذين دخلوا مصر في عهد نبي الله يوسف عليه السلام، واستقروا فيها، ولما حكم فرعون هذه البلاد عاث فيها الفساد وعذب بني إسرائيل وجعلهم مسخرين يخدمونه في ذلة وصغار.
وفي أحد الأيام ، أخبر بعض العرافين هذا الفرعون المتكبر أنه يولد في بني إسرائيل غلاما يهلك على يديه هذا الفرعون المتكبر ..ثار الفرعون الظالم فبماذا أمر؟
أمر بقتل كل طفل يولد لبني إسرائيل!
وفي هذا الزمان المخيف شاء الله أن يولد نبيه موسى عليه السلام!
ولدته أمه وهي ترتجف خوفا ، ماذا تفعل لكي ينجو ولدها ، هل هناك شيئا أغلى على الأم من أولادها؟[6]
ماذا تفعل إذن؟
جاءها وحي من الله أن ترضع موسى عليه السلام ثم تضعه في صندوق صغير وتلقيه في النهر الذي تحدثنا عنه من قبل (نهر النيل)، كيف تفعل هذا بولدها ؟ تلقيه في النهر وهو رضيع مسكين ؟ تلقيه في النهر والنهر معروف بتياراته السريعة القوية ؟؟ تلقيه في النهر وقد كان آنذاك يعيش فيه التماسيح القوية الشرسة؟
لكن هذا هو حال المؤمن إذا خالطت بشاشة الإيمان قلبه ، فسكن لربه واطمأن له ، وعلم أن في أمر الله كل الخير وكل النجاة وأن الله الذي بيده كل شيء لا يضيع من والاه وأطاعه أبدا فإن في الطاعة النجاة وفي المعصية الهلاك وإن بدا غير ذلك لمن لم يعرف قدر مولاه.
 فامتثلت أم موسى لأمر ربها ووحيه ، ووضعت رضيعها ومهجة قلبها في الصندوق بعد أن أرضعته، وسار الصندوق بأمر الله وحده تحركه التيارات بأمر الله في خضوع إلى أن وصل إلى ..إلى أين يا أولادي؟
إلى قصر فرعون عدو الله وعدو موسى نبي الله ، قال تعالى :" فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ"
كيف يكون عدو موسى وهو رضيع صغير ؟ ألم يرد فرعون قتله ؟ فهو عدوه أيضا.
ما أن رآه فرعون الظالم حتى هم بقتله ولكن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون وزوجته فلم يستطع أن يأمر هذا الأمر الظالم.
والقلوب بيد الرحمن ، فمن شاء الله جعل له القبول في الأرض ومن شاء ألقى بغضه في قلوب الخلق، فلو عرف المؤمن هذا ووعاه قلبه ، امتثل أمر الله وابتغى رضاه لا يخشى في الله لوم اللائمين ولا يطلب رضا الناس بسخط الله
أين تربى موسى؟ في قصر عدو الله !! فسبحان الله اللطيف الخبير !
ادعى فرعون أنه إله وأنه هو الخالق ، فجعل الله عز وجل سبب هلاكه ينشأ ويأكل ويشرب في بيته !
فلو كان فرعون خالقا ومستحقا للعبادة كيف يجهل هذا ؟ هكذا يمكر ربنا بالماكرين ويستهزئ بالمشركين المتكبرين.
نعود لأم موسى التي ظلت في بيتها بعد أن امتثلت أمر ربها ، يرتجف قلبها ويتشوق لضم ولدها، فقالت لأخته: تتبعي الصندوق وأخبريني أين حط رحاله[7] ، فامتثلت الابنة أمر أمها وتتبعت أثر أخيها الحبيب فوجدته بين يدي فرعون وجنوده ، فما كادت تشعر بالخوف حتى استحال خوفها عَجَبًا من هذا الترحاب والمحبة التي ألقيت على قلوب هؤلاء الرجال القساة تجاة موسى عليه السلام.
 وهكذا صار موسى نزيلا في القصر الفرعوني!
وكانت الفتاة تعمل في القصر، فظلت تتابع الأحداث بذكاء لا تتدخل كي لا ينكشف الأمر، فوجدتهم (يا للعجب) يجتهدون في البحث عن مرضعة يطعمون بها الطفل الصغير الذي لو ترك بين أحضان أمه لقتلوه بقسوة!
فسبحان الذي قلّب قلوب القساة فجعلها حانية رحيمة! إن الله لطيف لما يشاء
وثم قامت الأخت بذكاء بطرح اقتراحا بأن تدلهم على مرضعة يتربى عندها ، فمن تظنون هذه المرضعة؟
إنها أم موسى عليه السلام.
يا الله !
هذه المرأة صبرت وامتثلت لأمر الله فأعاد الله إليها ولدها بأمر فرعون! كانت خائفة فأبدلها الله طمأنينة، كانت مشتاقة لنظرة لولدها فأعاده الله إلى أحضانها، كانت فقيرة مسكينة سترضع ولدها بلا مقابل فأعاد الله لها ولدها تستمتع بإرضاعه وتحصل على مقابل مادي فهي مرضعة في قصر الفرعون.
فسبحان الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وهكذا درج موسى في بيت أمه فعرف من هو وكيف لطف الله به ، ويحصل على مميزات لا يحصل عليها طفل مثله. وكذا كانت أول محنة في حياة موسى عليه السلام ونبدأ بعدها الحديث عن مرحلة انتقالية أخرى وهي مرحلة شبابه فما الذي حدث في هذه الفترة؟؟..

يتـــبع[8]
منقاشة ما بعد القصة:

- يمكن للمربي أن يطرح أسئلة متعلقة بسياق القصة  بحيث يتأكد أن السياق علق في ذهن المتربي ثم بعد أن يكرر الطفل الفقرة يسأله وما الذي استفدناه من هذه الفقرة؟
- يمكن لمربي أن يسأل عن الشخصيات الواردة في القصة ويطلب من الطفل التحدث عنها وماذا استفاد منها (سلبا وإيجابا) ففرعون الذي ادعى الألوهية لابد أن يكون له نصيب من البغض والنقد السلبي.
- يركز المربي على موقف ادعاء فرعون للألوهية فيذكر أن التوحيد أول شكر لنعم الله علينا (يمكن صياغته كسؤال : ما هو أول واجب على العبيد لشكر نعمة الله عليهم ؟ ) فكيف يخلقنا ونعبد غيره ، وكيف يرزقنا ونشكر غيره...الخ
يطرح المربي قيمة أخلاقية أو أكثر(بحسب الحاجة والتقبل)
- مثل الصدق وضدها: الكذب ، ويتحدث عن كون الصدق طاعة وقربى لله تعالى وأننا أحيانا نخشى العقاب فنضطر للكذب ، ويربط بين آثار هذه الطاعة وبين موقف أم موسى لما امتثلت لأمر الله ، وكيف أن امتثال الأمر ولو كان مؤلما في بدايته لكن آخره سعادة في الدنيا والآخرة. ويمكن أن يترك للطلاب مساحة للتحدث بأنفسهم وربط هذه القيمة بموقف أم موسى.
- ومثل (قيمة العدل) وضدها الظلم فيتناول المربي علاقة الأطفال بأصدقائهم وكيف أن الإنسان قد يجامل أصدقائه فينصرهم في ظلمهم بغير حق ويساعدهم على التمادي في الظلم ، خوفا من أن يفقد صداقتهم ومحبتهم ، ولكن القلوب بين يدي الله تعالى فتقديم أمر الله أولى من تقديم حظوظ البشر.
ينبغي أن يتم هذا الطرح في هيئة نقاش ويسمح للأطفال بضرب الأمثلة وحكاية المواقف ، مع توجيه يسير ولو في صورة أسئلة متتالية.
- يطرح المربي مهارة عقلية مستنبطة من القصة ويطلب من المتربين الإشارة لها فيقول مثلا : ولدينا في القصة موقف ذكي لأحد الأشخاص فمن هو ؟ (أخت موسى عليه السلام) وما هو موقفها الذي ظهر فيه ذكائها؟ ثم يبدأ الأطفال في سرد مواقف ظنوا فيها أنهم تصرفوا بذكاء أو يمكن للمربي أن يطرح موقف مشكلة ويطلب من الأطفال اقتراح بعض الحلول الذكية.

تتمة :

يستغرق هذا الجزء من القصة إضافة للنقاش حوالي نصف ساعة ، والفائدة التي تعود من استخدام هذا الأسلوب متميزة جدا لأن من فوائد القصة أنها تغرس في اللاوعي كل المبادئ التي يريد المربي إيصالها بحيث تصير سجية للطفل ، كما يربط بين القيمة والحدث في القصة مما يجعل القيمة ماثلة أما ناظريه دائما.
فلو قصّ المربون القصص القرآني والقصص في الحديث النبوي بهذا الأسلوب لاختلفت نفسيات أولادنا وعقلياتهم ، فهكذا تتم غرس القيم الأخلاقية ، وتنمو المهارات العقلية وتظهر مهارات النقد والدقة والعمق عند الأطفال فيكون الحد الأدنى في مستوى الطلاب أعلى من المتوسط إن شاء الله.

---------------------------------
[1] سأضع الفوائد على هيئة كلمات متناثرة هنا وهناك في سياق القصة بلون مختلف وربما أضع تعليقا في الهامش.
[2] هذا السرد للأطفال ما بين 8- 12 عاما
[3] ونتمنى من المربي أن يستخدم مؤثرات صوته بمهارة فيرتفع صوته تارة وينخفض تارة ، ويتحمس ويحنو ويقطب ويضحك ، ولا يكون أسلوب الإلقاء رتيبا مملا بطبقة صوتية واحدة وجمود في ملامح الوجه.
[4] الهدف الأول من أي قصة من قصص القرآن غرس التوحيد بأنواعه في نفوس المسلم
[5] الذي خلقهم ورزقهم وله الملك هو المستحق للعبادة : الله عز وجل
[6] فائدة على الهامش خارج القصة مناسبة لتظهر الأم محبتها لأولادها بأسلوب غير مباشر وتمد جسور التواصل بينها وبينهم
[7] من الجيد استخدام ألفاظ فصيحة مع الأطفال في هذه السن لكي يدرج الولد على تعلم لغتة بطريقة عملية ويمكن للمربي أن يشرح معنى الكلمة ببساطة بحيث يستغل القصة في إثراء اللغة عند الطفل.
[8] هذا من أهم عناصر التشويق : لا تسرد القصة دفعة واحدة ، بحيث تتعلق قلوب الأطفال لمعرفة السياق التالي خصوصا لو استمتعوا باللقاء الأول.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سارة بنت محمد
  • الأسرة
  • وسائل دعوية
  • درر وفوائد وفرائد
  • تربية الطفل المسلم
  • قضايا معاصرة
  • عقيدة
  • رقائق
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط