وتشتكي إلى الله ..

صباح الضامن

في زمان تجدف فيه الأيدي إلى حيث الضفة الأخرى , حيث النجاة تضطرم في النفس شعلا كثيرة زيتها حروفنا
ولهيبها ضياء جمل قد تنتشر .
في هذا الزمان تكتب المهمات على صحاف كثيرة وتمزق مع العبث وترمى حيث لا موجود ولا مفقود بل هباء محاولات متضادة .
في هذا الزمان يكثر الظلم وتسبى العبارات وتوأد الطموحات .
وحيث أن المد مد طغيانه على الأرواح فلا منجاة إلا بسفينة تمخر العباب في النفس تحمل الإجابات .
وهيهات يا نفس أن تعرفي كل كتاب وما هو وكل زمان وما فيه وكل رؤى وما تفسيرها .
هيهات أن تتسلقي جبل التساؤلات كله وتعتلي قمم الفهم كلها وتكتبي حلا لنظريات وتطبيقات .
فأنت بكل أسف تظنين أنك تفهمين , وقد تعتبين على ذاتك وقد تقسين بملء الشجاعة وتسكبين في جعبتها جام أسفك اللاهب وقد وقد ..
ولكنك في كل مرة تفشلين فتضمين جناح الحزن ويذوب منك الهمم والاعتلاء ..
لأنك لماذا ؟
ظالمة !
الظلم يسري في الجسد ويختلط في الأجسام يختلط بذراتها بكل خلجة من خلجاتها , وهو داء دفين يصيب القلب وينكت فيه نكتة سوداء
ويتركه كحجر صوان تتكسر عليه كل محاولة لنقش بصمة فهم .
لا تشاؤم هنا بل هو مسك لعنان النفس الشاردة في تيه لتعي :
تعي أن النفس االحقة التي أودعها رب البرية في الفؤاد وفي الأعطاف وفي كل نبضة وشريان يدور به الدم المسبح
هذه النفس الصالحة تشتكي إلى الله من جور الانفصام
تشتكي إلى الله من عبث بالوقت
تشتكي إلى الله من سوء عبادة
تشتكي إلى الله من تقصير
تشتكي إلى الله من إقحام صنم الأنا في عمل بغي فيه وجه الله
وتشتكي من رمي لذات على أعتاب الكبر
وتشتكي من تبذير لكل مادة مكنت منها , من حبر وورق وتبر وسويعات جهد بلا هدف .
وتشتكي من تعظيم لعمل
فيا نفس ألا تعين أنك خلقت بحق وصلاح وفقدت مرساة سفينتك وجرفت خطواتك في مستنقع بعيد تخبطت فيه خطواتك . فظلمت روحك ..
فكيف تنجين من عقاب وأي كفارة ستأتين بها لتردي كل تلك المظالم
فيا نفس لا تجوري , لا تؤذي فقد عم ظلمك وأوديت بروحك شر المهالك
رأيت نفسك بمرآة ضخمة فما رآك الناس
وأصبت بداء دفين فما رحمك إلا من نفسك اشتكت إليه .
أيا نفس مدي يد المصالحة واستبقي بمرافعة خاضعة شكوى شقك الشاكي فالقاضي حكم عليك بتوبة
ردي للروح نقاءها , واستعملي سبيل الرشاد في أوراقك خطي خطوطك النقية فقد تسودت الصحاف وعم الظلام
فلا تظلمي .. نفسك لا تظلمي تظلم عليك الدنى بما رحبت
وانظري لحقيقة ذاتك فأنت لا شيء
من رأى نفسه قبل رؤيته للناس لم يره الناس