مسلمو أراكان يستغيثون يا بلادي

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
@OmaimaAlJalahma
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام

مسلمو أراكان -بورما- يستغيثون فهم عزل ضعاف لا يملكون قوت يومهم، فكل تطلعاتهم تنحصر في أن ينعموا بسلام على أرضهم، وأن تعترف الحكومة الروهنجية بحقوقهم كمواطنين، وأن ينالوا الحماية الأمنية والرعاية الصحية والاجتماعية.


سيذكر التاريخ قول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله: "نحن مسؤولون عن الإسلام في العالم كله وعن عروبتنا، ويجب أن أتحمل مسؤولية كل المسلمين في العالم كله".

لن أتكلم ها هنا عن أفعال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أطال الله في عمره، وأدام عليه الصحة والعافية، فأفعاله تسبق أقواله منذ كان أميرا للرياض، ولن أتكلم عن الأمل الذي ازداد بفضل الله سبحانه في عهده الميمون، فهي حالة نفسية يعيشها المواطن السعودي ولا تحتاج لدليل.

أنا اليوم أقدم التماسا لملك يسير على نهج والده المؤسس الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وإخوانه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، رحمهم الله جميعا، وجزاهم عنا خيرا، فالمملكة العربية السعودية طوال عهدها وبفضل الله سبحانه تولي أمر المسلمين جل اهتمامها، وقد لا يعلم الكثيرون أنه وبحمد الله سبحانه يعيش في المملكة العربية السعودية حوالي 250 ألف أركاني، وتواجدهم بيننا بدأ
منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، رحمه الله، وهم ينالون الحقوق الأساسية كالمواطنين تماما، ومنحوا بطاقات سعودية للإقامة والعمل.

إن الإبادة التي تمارس بموافقة ودعم الحكومة الروهنجية على ما يزيد على مليون مسلم من أراكان -بورما- لم تتورع عن إصدار قرارات تدعم هذه العنصرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر.. التعداد السكاني الأخير اعتبر الروهنجيا المسلمين مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش، علما أن بورما تحتوي على آثار إسلامية قديمة، هذا ما تؤكده الوثائق البريطانية والألمانية، وقد كانوا إلى فترة غير بعيدة يعاملون كمواطنين بورميين، وكان لهم تواجد اجتماعي بارز إلى حد أنهم امتلكوا إذاعة وصحفا تتحدث باسمهم، إلا أن حالهم تغير بعد انقلاب الجيش على الحكومة الشرعية عام 1962، عندها بدأت تطبق عليهم ممارسات عنصرية على اختلاف أشكالها.

هل يعلم القارئ الفاضل أن مسلمي أراكان "بورما" إذا أرادوا الخروج من قراهم عليهم الحصول على تصاريح رسمية، وإذا أرادوا الزواج فلن يتمكنوا من ذلك دون تصاريح رسمية، كان من الطبيعي وحالهم هكذا أن يمنعوا من التعليم في المدارس الحكومية ومن الرعاية الصحية.. إلا إذا ركعوا للعلم البوذي، وقاموا بتغيير أسمائهم الإسلامية للأسماء البوذية.. أما الضرائب فتفرض عليهم بشكل عشوائي، مساجدهم وقراهم تحرق بحماية حكومية، كما أن القانون ينص على أن المسلم لا يحق له تقديم شكوى ضد بوذي اعتدى عليه وعلى أسرته، ولا يحق الرد على هذا الاعتداء باعتداء مماثل.

العجيب أن الإعلام العالمي الذي رصد المقابر الجماعية وغرق المئات من مسلمي أراكان هربا من الحكومة "الروهنجية" وعاين هتك أعراض نسائهم وسفك دمائهم وسلب أموالهم لم يتمكن من إيقاظ العالم من سباته الشتوي.. هل تصدقون أن ضابطا في الجيش البورمي اسمه "تون هلينغ زاو" حصل على زيادة في مرتبه الشهري بعد أن قتل ثلاثة من مسلمي الروهنجيا من مدينة "منغدو" وفقا لما نشرته صحيفة "روهنجيا بلوقر"، كما نقلت على لسان القاتل: "أنا الآن أحصل على 50,000 كيات زيادة على راتبي الشهري، ولدي خطة لقتل المئات"، هذا كله وأكثر لم يتمكن من إيقاظ ضمير العالم المتقدم الذي قرر ها هنا أنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.

لقد أعلنت مؤخرا كل من ماليزيا وإندونيسيا أنهما بحاجة لمساعدات دولية لرعاية المهاجرين من مسلمي أراكان -بورما- وفي هذا الِشأن صرح قائد القوات المسلحة الماليزية قائلا: "بالطبع ستكون مشكلة للدول الأعضاء في آسيان أينما يهبط هؤلاء الناس أو يقيمون بشكل مؤقت إذا لم تقدم بقية دول العالم يد العون، وإذا لم يكن المجتمع الدولي والمنظمات الدولية راغبين في المساعدة. نحن في ماليزيا -وهي دولة صغيرة- لا يمكن أن نتحمل عبء إيواء هؤلاء الناس". ومن هنا أعتقد أن دولتنا لديها الإمكانيات المعنوية قبل المادية لتسعف هؤلاء الذي فروا بدينهم وأعراضهم ومن إبادة متحققة على يد حكومة عنصرية.

قد يقال إن المملكة منشغلة بمحاربة وحوش يريدون إيقاع الأذى بها وبوحدتها الوطنية، فأقول لهم إن المملكة لم تكن يوما منشغلة عن مد يد العون لأخوتها في العالمين الإسلامي والعربي، والتاريخ القديم والحديث يشهد بذلك، وما يُنتظر منها لا يتوقف على الدعم المادي، بل على حراك سياسي عالمي نشط، فمسلمو أراكان -بورما- يستغيثون فهم عزل ضعاف لا يملكون قوت يومهم، بل لا أعتقد أنهم يطمحون للمقاومة، فكل تطلعاتهم تنحصر في أن ينعموا بسلام على أرضهم، وأن تعترف الحكومة الروهنجية بحقوقهم كمواطنين، وأن ينالوا الحماية الأمنية والرعاية الصحية والاجتماعية في بلادهم، وأن تتوقف الممارسات العنصرية عليهم، التي تهدف جملة وتفصيلا إلى إبادتهم إبادة عرقية.