حنين !

نورة عبدالعزيز الرشيد

 
حنينٌ جارف انتابها ، إلى الوالده ،وقهوة الصباح ، الأهل والأصحاب ،...ولكن ،هناك حنينٌ أقوى، وأقوى ، يراودها ، لديها بعض الأعمال .لابد ،أن تنجزها !
.دخلت المطبخ لتجهز وجبة الغداء !
..أخرجتْ ،اللحم المتجمد ،وبعض الخضار ،ولكن مازال الحنينُ يعبثُ في قلبها!
صوت كلماته يتردد في إذنيها ،يرافقها في كل مكان في المطبخ ،في غرفة نومها تنام على صوته !
أعطت العاملة توجيهاتها ،بشأن وجبة اليوم لن تطيقُ صبرًا
.الحنينُ يعبثُ في قلبها بقوة !
دلفت ،إلى قاعة الإستقبال، جلست على الآريكة الحمراء ،تحيطُ بها حديقة غناء، من نباتات الظل،ينسابُ إلى سمعها صوت خرير الماء المُنسكب ،من نافورة تصب على النباتات الخضراء !
أمامها منضدة من الزجاج، يعبق شذى النعناع ،من كوب الشاي الأخضر القابع فوقها ،
على تلك المنضدة ، مجموعة من الكتب ، إنها كتب الحياة ،ومصدر السعادة ، بل هي من أغلى الكنوز لديها !كلما تأملتها أشرق قلبها بنور الإيمان، فهي العلاج من الهموم !فأين من يشتكون من الهم والضيق ولديهم أغلى الكنوز متى يشعرون بها ؟!
متى ؟!
تذكرت تلك المعلمة، التي تشتكي من طول الوقت فترة العصر ،رغم أنها موظفة وأم ورغم ذلك تشتكي من الضيق والملل!
سبحان الله !
عندما تُشغل ذاتك ،بالتوافه ،والفضول ،وأعراض الآخرين ،والآحاديث الفارغة ،وتنسى الذكر وتلاوة القرآن كيف ستشعر بالسعادة ؟!
حتمًا ستشعر بشيء ناقص ،ولن ترتوي أبدًا !
وستشعر بالضيق .!
قال سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. )...سورة طه...
أمسكتْ أحد هذه المصاحف، المتعددة لديها، بدأت تُقلب صفحاته، فشعرت أنها في نعمة عظيمة حُرم منها البعض، والبعض الآخر ، يتمنى أن يُقلب صفحات المصحف !
.أما البعض ففي غفلة في متاهات الحياة ونسي المصحف حتى علاه الغبار، بدأت تتلمس ردائه المخملي الأحمر الذي يلفه آه.. ما أطيبه ،وما ألذ العيش معه !
شعرتْ بأنها تود أن تضمه إلى صدرها في حنان وشوق يغمرقلبها !
قال أحد الصالحين( أحسست بغم لا يعلمه إلا الله ،وبهمّ مقيم فأخذت المصحف وبقيت أتلو فزال عني والله فجأة هذا الغم و أبدلني الله سرورا و حبورا مكان ذلك الكدر )
بدأت تتلوا ،وتتلوا، حتى شعرت بروحها تحلق وتسموا وهي تتذوق لذة الطاعة ،فقلبها فيه فقرٌ شديد لا يسده إلا الغنى بحب الله ،وفيه وحشة لا تزول بالإنس بالله ،همست لنفسها ما الذي أبعدني عنه؟!!
مضى الوقت سريعًا ولم تشعر !
كانت تحس كأنها في بُستان أخضر ممتلئ ـ بالزهور وهي تتنقل من زهرة إلى زهرة !
تشعر بذاتها لا ترتوي وهي ترتشف من ،شذاه !
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ( لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم )
كانت تشعر كثيرًا بتأنيب الضمير، لم تنشغل بالتوافه عن هذا الكنز الثمين !
لما كبر خالد بن الوليد أخذ المصحف وبكى ،وقال( شغلنا عنك الجهاد )
ونحنُ، ماذا شغلنا غير حُطام الدنيا !
حتى أتى رفيق دربها،وهي بعد ،لم تشبع ! ولا تود أن تنهض لتعد له وجبة الغداء !
فمن يكون في معية الله، فأنه في آنس دائم ،من شدة سعادته ،لا يحب أن يفقد هذا الشعور !
فالإنس، بالقوي القدير، هو الذي يبقي، على سعادة القلوب !