مسلسل رمضاني .... ترند

د. نهى قاطرجي

 
بسم الله الرحمن الرحيم

يتسابق الممثلون والكتاب والمنتجون في كل عام وبمناسبة شهر رمضان المبارك على تقديم أفضل ما لديهم من أجل الدخول في سلم السباق الرمضاني، حيث يحرص كل منهم أن يكون مسلسله هو الأول و(الترند )في هذا السباق. وكأن رمضان أصبح لدى فئة كبيرة من الناس عنوانه المسلسلات ، فعوض أن يسأل الانسان عن عبادته في هذا الشهرـ يسأل عن مسلسلاته التي يتابعها وعن الممثل الأنجح في هذه الدورة الرمضانية.

وإذا كان هذا السباق تحت مسمى " مسلسلات رمضانية " إلا أن المحتوى يكون عادة بعيداَ كل البعد عن رمضان وما يمثله من طاعة وعبادة ، حيث أننا نجد ، على عكس المسمى ، قسم كبير من هذه المسلسلات همّها تشويه الإسلام وإظهار المسلمين بشكل سطحي أو بشكل ارهابي منفر، كل هذا تحت شعار محاكاة الواقع ونقله كما هو من دون رتوش .

هذا الأمر ذكرته منذ أكثر من عشرين عاماً في مقال تحت عنوان " تشويه الإسلام في المسلسلات والأفلام " ، وللأسف لا زالت الفكرة هي ذاتها بل وتطورت ، حيث أنها كانت في تلك الفترة محصورة بالمسلسلات المصرية، وأشهر من يمثل تلك المرحلة هو " عادل إمام " ، حيث يكاد لا يخلو مسلسل أو فيلم له من تشويه للدين واستهزاء بالمسلمين، إلا أننا بدـأنا نلمس هذ الأمر في المسلسلات العربية أوما يعرف بالمسلسلات المختلطة بين سوريا ولبنان .
ومن نماذج هذه المسلسلات الحديثة مسلسل "النار بالنار" ، ولقد تابعته كونه ينقل فكرة واقعية يعاني منها هذا البلد، ألا وهي العنصرية بين السوريين واللبنانيين، والمنتشرة بل والمتزايدة في هذه الأيام من قبل الشعب اللبناني والحكام في آن معاً ، وذلك تحت شعار أن السوريين قد استولوا على البلاد وينبغي أن يعودوا إلى بلادهم .

وبغض النظر عن بعض النماذج التي ينقلها هذا المسلسل ومن بينها المقامر والمتشرد والفقير وما إلى ذلك من نماذج منتشرة في ذلك الحي الذي يعيش فيه السوري مع اللبناني جنباً إلى جنب، إلا أن ما استوقفني كما استوقف قسم كبير من الناس بعض النماذج التي يحاول الكاتب والمخرج والمنتج تسليط الضوء عليها بشكل فاضح ومبرمج ، ومن هذه النماذج أذكر ما يلي :

1- نموذج المرأة المحجبة الفقيرة، والتي تصور على أنها ترتدي ثياباً رثة وتمشي بطريقة غريبة في محاولة لربط الحجاب بالمجتمع والبيئة الفقيرة ، ولكي تزيد الطين بلة يصور مشهد خلع المرأة الحجاب بشكل سطحي وسخيف، وكأـن المرأة المسلمة مستعدة لخلع الحجاب عند أي هدف تريد أن تحققه ... ويكفي أن تبكي قليلاً وتقبّل الحجاب ثم تضعه في حقيبتها حتى تنسلخ عن ماضيها و تعيش حياتها بشكل عادي وكأن شيئاً لم يكن .. بل انها يمكن ان تصبح مستعدة لكي تبيع نفسها وجسدها إذا اضطرت لذلك ... إن هذا التشويه المقصود للحجاب، ينبعث من تصور صانعي المسلسل حوله، ومن رغبة دفينة في نقل هذه الصورة إلى الفتيات والنساء حتى يشجعنهن على خلع الحجاب، وحتى تظهر المحجبة بشكل بشع قد ينفر الأخريات عن الالتزام به .

2- النموذج الثاني هي نموذج المسلم الملتزم الذي يتخفى بالدين لكي يحقق أهدافاً ارهابية ، يكفي أن يقول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ويمسك السبحة بين أصابعه، ويقول عبارة " شعب جاهل " حتى يصبح مسلماً ملتزماً، بينما هو في الوقت نفسه يتزوج الفتاة القاصر ويسيء معاملتها ويسيء التصرف مع الناس تحت حجة أنه يطبق الأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ...
إن هذه الصورة النمطية التي ينقلها صناع المسلسل عن المسلم الملتزم والتي تحمل في طياتها فكر تشويهي واضح للدين وللعلماء وللشباب الملتزم ، لا يمكن أن يكون عبثياً وإنما فيه رسالة واضحة للمسلمين وغير المسلمين حول كل شاب مسلم اختار أن يرخي لحيته ويخاطب الناس بخطاب أهل الجنة " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" .

3- النموذج الثالث هي لإمام الجامع الذي يطلب من امرأة تائبة إلى الله عز وجل أن تطلب من امرأة قوادة تدير مكاناً للقمار أن تدعو له، وكأن هذه المرأة البغي أفضل من الشيخ وأعلى مرتبة عند الله عز وجل منه، كل هذا في محاولة للدفاع عن المعاصي والمنكرات، وتحسين صورة من يقوم بها وتصويره على أنه ملاك إلا أن ظروفه ألزمته على اختيار هذا الطريق ...
هذه الصورة وصور أخرى كثيرة منها تصوير الجانب الصوفي من الدين على شكل رقصات أو دروشة أو أحلام يحكم من خلالها على شخصية المرء و ونبله بل وحتى كراماته ...
كل هذا يؤكد أن هذه النماذج الواردة في هذا المسلسل ما وردت اعتباطياً ولكنها مبرمجة بشكل كبير لتشويه الإسلام والمسلمين وتنفير الناس من كل ما يمت للإسلام بصلة .