لاتجعلوها متسوّلة

نبيلة الوليدي

بسم الله الرحمن الرحيم

هل حقا مايقال عن مجتمعاتنا المحافظة أنها مجتمعات ذكورية؟
وهل حقا أن المرأة في هذه المجتمعات قد تحولت إلى متسولة على أبواب الرجل؟...
غطّت وجهها بكفيها وذرفت دموعا غزيرة مشحونة بألم عميق تنطق به كلمات تنفذ بصعوبة بين ركام غصص مؤلمة نشبت في حلقها ومدّت أذرعها كأخطبوط ملئ قلبها بالسواد ..قالت: لم أتصور أن وعوده كانت أكاذيب دغدغ بها حلما حلّق في خيالي ولم أجرؤ على السعي لنيله حتى أبدى لي استعداده لفعل ذلك من أجلي فأيقظ في أعماقي الأمل النائم منذ زمن فبنيت على وعوده آمالا عريضة وهو الآن يفجعني بلا مبالاة..ظننته
أكثر أخوتي صدقا والتزاما بما يعد,إلا أنّي _ صدمت فيه كما صدمت فيهم_ من قبل..كم احتجتهم فخذلوني ..أمضيت ليلي باكية أناجي ربي :إلهي خلقتني بضعفي وأحوجتني إليهم وأغنيتهم عني ووليتهم أمري فسخّرهم لي أو أغنني عنهم بماشئت.
وأخرى تقول: في لحظة غضب وحنق وقد سئمت وقوفي متسوّلة أمامه
قررت الخروج لأحصل على ما أحتاجه بنفسي..ولقيتها في الطريق..وقد علا صوتها وهي تشادّ سائق الحافلة الذي بالغ في طلب أجرة توصيلها
وشحنة مؤن جلبتها معها من السوق .سلّمت عليها, وخزتني خشونة يديها
,رفعت بصري إلى وجهها .أين تلك الملامح الجذّابة التي طالما سحرت أعين الناظر إليها ,أين دعج العينين الذي طالما حسدتها عليه الأخوات وبياض بشرتها, ونظارتها. ورقتها؟؟؟
لقد وئدت في معترك الحاجات اليومية الذي رماها فيه ذاك الزوج الكسول اللامبالي الرابض في المنزل ببلادة لانهائية...
عدت أدراجي فزعة من مظهرها وطويت حاجتي ورفعت إلى الله مظلمتي وما كان ربي نسيّا ...
وثالثة تقول : مازلت أئن تحت وطأة حاجاتي التي لا تقضى إلا عن طريقه وعلى يديه , عندما يتذكر إحداها بعد نسيان طويل وإهمال كبير عليّ حينها أن أمتلئ امتنانا له !
ياللسخرية !
عليّ الامتنان وشكره لنسيانه لي أمدا طويلا!
من حقه إخراجي من ذاكرته عندما يريد دون حسيب أو رقيب وليس لي حقُّ في معاتبته ..له أن ينسحب ليفعل ما يشاء وقتما شاء دون مراعاة حالتي وعليّ أن أفتح له ذراعيّ وأتلقاه بابتسامة عريضة عندما يعود!!
يتذمر من التصاقي به واتكالي عليه وإن فكرت في شيء من الاستقلال
عدّها ثورة وانحلالا !!
ورابعة تقول : هل أنا بحاجة لإنشاء مدرسة لأعلّمه فيها كيف يحبّني
بالطريقة التي ترضيني , سأدفع كلما أملك من أجل ذلك.لكن هل سيقبل
بالجلوس على أحد مقاعدها؟ هل سيهتمّ؟ ذلك الإنسان الأهم في حياتي,ذلك الرقم الصعب الذي تدور حوله معادلة عمري المعقّدة ؟
أراه مستحقا لأصبّ عليه كل شعوري بالكراهية إلا أنّي أجدني عاجزة عن كرهه !
ولست أدري كيف استطاع أن يكون معي بهذه القسوة واللامبالاة ..إنه لا يبدي اهتماما كافيا بشؤوني..إنه يشعرني بالعجز والعوز الدائم..
وبمزيد من الألم والحيرة تقول خامسة: هل عليّ إنكار ذاتي ووأد آمالي وكسر أقلامي وحرق أوراقي وطمس جزء من عقلي وقتل قطعة من وجداني كي نتعايش بسلام؟
أم أفعل كما فعلن الكثيرات من قبلي أشق خماري وأخوض غمار معارك خاسرة وأعلنها حربا عبثيّة على المجتمع الذكوري؟.
"المجتمع الذكوري" كلمة حق يراد بها باطل .غير أن الكثيرات يكتوين بواقعهن المحرق يوميا..
فماذا لو بذل الرجل مزيدا من الاهتمام عطفا على المرأة وتذكر قول النبي"صلى الله عليه وسلم" :"أحرّج عليكم حق الضعيفين المرأة واليتيم, وقوله:" خياركم خيارهم لنسائهم" .
ربما لايدرك كثير من الرجال كم تتألم المرأة عندما تحتاج أن تسأل الرجل ,خاصة أنها تقدّم له الخدمات اليومية دونما سؤال منه وتتساءل في صمت وحزن: لماذا عليّ دوما أن أسأل وألحّ بالسؤال لأحصل على ما أحتاج؟!
أيها الرجل :
هاأنت ذا ترى الأبواب تفتح للشعارات المسمومة المخرّبة لعقول النساء.
وأنت دون أن تشعر صرت عونا للشيطان على المرأة.
كم ستصبح حياتهن أجمل لو بذل الرجال الوسع في تسهيل معاملاتهن وقضاء حوائجهن وتذليل الصعاب للآمال المشروعة لكل ذات همّة عالية
منهن ,وكم سيكون أجرهم عند الله عظيما ، فالله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه.
إن بذل جهد يسير في فسحة وسلام وحب خيرٌوأسهل من إخماد نيران أرى وميض شررها تحت رماد السخط وكظم الغيظ والاستياء ووأد الأحلام في قلوب حزينة ونفوس مكتئبة تتشوق لغد أجمل تلوح به من قريب أياد شيطانية , وإذا انفك القيد بفعل الهوى ستعم البلوى وينفرط العقد على أهل الحل والعقد.
فلنتق معا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة.