((معركة الكبسة !))

نبيلة الوليدي

بسم الله الرحمن الرحيم

استيقظت فزعة كمن لدغتها أفعى,هرعت إلى غرف الأبناء وبدأت بنزع الأغطية عن وجوههم بعنف قائلة: استيقظوا سوف تتأخرون عن موعد المدرسة ,سيفوتكم "الباص"....
توجهت إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار فأحدثت جلبة كافية لإيقاظ سكان العمارة والعمارات المجاورة..
رفع سعيد الغطاء عن وجهه قائلا: زوجة رائعة لولا الجلبة التي تحدثها كل صباح..
الأبناء: أم رائعة لولا الرعب التي تبثه في قلوبنا كل صباح...
الجيران: جارة رائعة لولا إصرارها على إيقاظنا على معزوفة أواني المطبخ كل صباح..
إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

يوم الإجازة
بعد صلاة الفجر أصوات الغسالة والمكنسة الكهربائية تصم الآذان , ورائحة المنظفات والمبيضات تخنق الأنفاس ,وعاصفة الغبار والأتربة من أثر "التنفيض" تزكم الأنوف, وكل خزانات الملابس مفتحة أبوابها لإخراج ما يلزم غسله.ثم لابد من سحب غطاءات السرائر من تحتهم لغسلها أولا مع الملابس الفاتحة الألوان..
فتح سعيد عينيه ليراها واقفة أمامه وقد لفت شعرها بعصابة حمراء ,وشلالات من السائل البني تنحدر من صدغيها من أثر الحناء الذي طلت به شعرها,وقد غطت وجهها بقناع حماية أخضر_ذكّرته بالرجل الأخضر في أفلام الكرتون _ وقد شمرت "جلابيتها"بعبقرية مصممي الأزياء بتعرجات عجيبة صنعت حول خصرها انتفاخات متراكمة..قالت: ما هذا يا سعيد كان يجدر بك الاستيقاظ مبكرا لنمضي بعض الوقت معا..ثم ولت وهي تتمتم.طوال الأسبوع عمل ويوم الإجازة يمضيه في النوم..هذا ظلم!!
أغلق عينيه ودس رأسه تحت الوسادة: يا إلهي ما هذا الكابوس المرعب الذي يعاودني صباح كل جمعة؟!!

بعد الإفطار..
الصغار يلعبون ويشاغبون وسعيد جالس على الأريكة مقابل التلفاز وبيده "الريموت" يتابع برامج الأخبار والرياضة وهي لا تزال تذرع البيت جيئة وذهابا تلمّع التحف ,وتتناول كرسيا لتصعد فوقه لتلميع الثريات: يا له من يوم إجازة..شقاء لا ينقطع..اسكتوا يا أولاد..لا أدري لماذا لا يكون يوم الجمعة يوم دراسة؟!سعيد:أحضر لنا غداء جاهزا لا وقت لدي للطبخ..

على وجبة الغداء..
هذا المطعم الذي جلبت منه الطعام سيّئ..إنهم لا يجيدون طهو السمك..ألا تعرف مطعما غيره؟
حسنا..لا فرق المهم أني ارتحت من تحضير طعام الغداء..
سعيد مغتاظ لكنه يعرف منذ زمن أن زوجته لا تحفظ كلمة من مشتقات الشكر,فهو متوقف عن لومها ويائس من جدوى تنبيهها ..
قالت: سعيد :اذهب بعد العصر بالأولاد في نزهة ستأتي صديقاتي لزيارتي..لكن قبل ذلك أريد بعض الحلوى وبيتزا للضيافة..

بعد العصر..
كانت ترفل في أبهى حلة ورائحة البخور تعبق في البيت..دخل سعيد بكيس البيتزا والحلوى..وعندما هم بالجلوس بادرته:لا..لا تجلس سيأتين بين لحظة وأخرى ,قام متلكئا وهو يتنسم تلك الروائح الزكية ويتأمل جمالها الأخاذ وزينتها الفاتنة..

في المساء..
فتحت له وللأولاد الباب.. صعق سعيد من منظرها بالجلابية ذات التعرجات العجيبة وهي مشمرة ساعديها ممسكة بالمكنسة,منهمكة بتنظيف البيت الذي صار أشبه بملعب كرة قدم بعد مباراة ساخنة..أخذ نفسا عميقا محاولا استرجاع ذكرى تلك الروائح العطرة وتلك الزينة الفاتنة والحلة البهية.لكن دون جدوى فجذوة الغضب التي اشتعلت في داخله أحرقت كل أثر لها.
حدث نفسه. لماذا الغضب؟ شيء اعتدته منها..لماذا الألم؟ اهدأ..لا..لن أهدأ..أنا في غاية الانزعاج والغيظ..قال لها بعنف: أحضري العشاء أنا جائع..قالت:آووه إني متعبة للغاية..هناك بعض البيتزا والفطائر تكفي للعشاء..قال بغضب :لا أريد بيتزا ولا فطائر..أريد كبسة لحم..ماذا كبسة لحم الآن!
منذ الصباح وأنا واقفة على قدمي وغدا يوم عمل شاق ألا ترحم..ألا تفهم ؟...
واشتعل البيت صراخا وبدأت المعارك..في اليوم التالي هي في بيت أهلها..ألكل متعجب..كل هذه المعركة من أجل كبسة لحم!!
مشكلة كثير من النساء مع أزواجهن أنهم لا يعبرون عمّا يريدونه مباشرة..الرجال لا يحبون أن يتكلموا طويلا,ولا يحبون الخوض في التفاصيل التي تزعجهم ويترفعون عن مناقشتها رغم أنها تؤلمهم وتسبب لهم التعاسة..ثم لا يخجلون عندما ينفجرون غضبا لأسباب أقل وأتفه!!
إنهم لا يصبون غضبهم على ما يزعجهم على وجه التحديد لأنهم يعتقدون أن على الزوجة أن تعرف ذلك بنفسها. لكن الواقع أنها لن تعرف أن السلوكيات الصغيرة هذه تزعجك إلا إذا أعلمتها وبشيء من التفصيل والجدية والتكرار.فافعل ذلك .ثم لك الحق أن تغضب بعد ذلك إن لم تجد منها فهما وتجاوبا معك.

شعبان_1428