تعدد التوجيه الإعرابي
(كلمة آية بين الابتداء والخبر)

هاجر بنت عثمان بن عبدالله الجغيمان

 

{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [سورة يس: 41]

اختلف المعربون في كلمة (آية)، فأعربها بعضهم مبتدأً خبرُه المصدر المؤول (أنّا حملنا)، وأعربها آخرون خبرًا مقدَّمًا والمصدر المؤول (أنّا حملنا) مبتدأ مؤخر، وأرى أن تعرب مبتدأً لسببين:
الأول: "القول بالترتيب مقدم على القول بالتقديم والتأخير"([1])، ومسوغ الابتداء بالنكرة (آية) هو الوصف المخصِّص له بعده (لهم)([2]).
الثاني: السياق، حيث بدأت سورة (يس) بقسم الله تعالى بالقرآن على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من المرسلين الذين أرسلهم الله للإنذار والتبليغ والدعوة إلى الإيمان بالله وعبادته وحده، ثم بضرب المثل وهو قصة أصحاب القرية الذين كذبوا الرسل فأخمدهم الله بصيحة واحدة، ثم بعرض بعض الآيات والعلامات التي تتحدث عن وجود الله وأنه لا معبود بحق إلا هو سبحانه وهي:

- {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} (31) [سورة يس: 31]
- {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} (33) [سورة يس: 33]
- {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} (37) [سورة يس: 37]
- {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [سورة يس: 41]
- {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (71) [سورة يس: 71]
- {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (77) [سورة يس: 77]

فالسياق هنا يبين لنا أن (آية) هي المبتدأ، وأنها محل الاهتمام؛ لأن المعنى هو عرض الآيات والإخبار عنها وليس الإخبار عن كون الأرض آية والليل آية وحمل الذرية في الفلك آية! لذلك لابد من تطابق المعنى الإعرابي مع المعنى السياقي، وترادف معنى الجملة مع معنى النص، ومد النظر التدبري عند تعلم كتاب الله.



________________________________________
([1]) قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين الحربي:2/100
([2]) نحو: رجل من الكرام عندنا، انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك:1/204