اطبع هذه الصفحة


الدكتور وليام للرئيس : أدرك جندك

ماجد بن محمد الجهني

 
سنة الله تعالى قضت بأن البغي يصرع أهله ، وعلمتنا أن الظلم مرتعه وخيم ، وأن مابني على باطل فهو باطل ، وهذه القواعد الربانية التي يتفق على معرفتها والتسليم بصحتها كل العقلاء هي ماجعلتني دائماً أنظر إلى مايحدث في العراق وفي فلسطين نظرةً متفائلةً لاتعرف الانكسار أمام الحرب النفسية البشعة التي تقودها أمريكا ضد المسلمين وهي الحرب التي لاتقل ضراوةً وخسةً عن الحرب العسكرية إن لم تتفوق عليها في جوانب عدة.

لفد فرحت أمريكا فرحاً هستيرياً يوم سقطت بغداد وذلك نظراً لما يمثله سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية الغائبة من بعد روحي ونفسي في هذه الحرب المقدسة التي يحق لنا أن نسميها حرباً صليبيةً وإن رغمت أنوف لأن التسمية صدرت عن كاهن الصليب الأكبر الذي يرى أن الله تعالى ابتعثه ليقتلع الشر ويرسي قواعد الخير – تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- وقد تمثلت تلك الفرحة في ذلك المشهد الهوليودي الذي قام ببطولته الرئيس الأمريكي المخلوع قريباً بفعل المقاومة العراقية الباسلة حيث لبس سترة الطيران ونزل من طائرة مقاتلة على متن حاملة الطائرات الأمريكية ليعلن انتهاء عمليات القتال الرئيسة في العراق كاشفاً عن سن ماكر ضحوك لطالما تبسم على نزف جراحات المسلمين وحينها لم يدر في خلده أبداً أن شيئاً ما سيحدث في العراق كفيل بأن ينغص فرحته ويقلب يسمته عبوساً لازمه طوال الأشهر التي تلت بيانه الشهير ولم ينقذه من هذا العبوس مشهد القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي كان يجد فيه مبرراً ومسوغاً لاستمرار وجود قواته في العراق بعد انكشاف لعبة أسلحة الدمار الشامل ، وكان كلما أراد أن يشكك الناس في تلك المقاومة وجد في صدام حسين الطليق متنفساً يتهم من خلاله المقاومة بارتباطها بحزب البعث وبصدام نفسه ولكن لأن بوشاً يريد شيئاً ولا يكون في الكون إلا ما أراد الله عزوجل فقد وقع الأمريكان في شر أعمالهم وقبضوا على صدام وفعلوا مافعلوا لكي تسقط في النهاية ورقة التوت ومن ثم تستنفد جميع المبررات لوجودهم في العراق وهكذا ينكشف حال الظالم تماماً أمام من كان مخدوعاً بمبرراته وليظهر جلياً للجميع أن المواجهة في العراق أصبحت بين طرفين لاثالث لهما الطرف الأول هو طرف الظلم والحيف والجور والقهر والشر المحض الذي تمثله أمريكا وبريطانيا وإسرائيل و بالطبع جميع من لف لفهم ومكن لظلمهم وساندهم في باطلهم وزين لهم منكرهم وحرضهم على مزيدٍ من الظلم والطغيان ، والطرف الثاني هو الطرف المظلوم والمقهور والمغلوب والمسروق في وضح النهار وهو الشعب العراقي المسلم الذي هو جزء من هذه الأمة المقهورة ..

لقد ظنت أمريكا أن لها الحق في أن تتصرف في العالم كيفما شاءت وتناست هذه الدولة أن وزنها في ملك الله عزوجل لايتجاوز هباءةً تقول بها الريح هكذا ثم تمضي بها إلى مكان سحيق وهذا الظن ناتجٌ من نواتج الغطرسة التي تهلك صاحبها حتى وإن كان مسلماً فما بالكم بمن جمع مع الغطرسة كفراً وإلحاداً وفجوراً .

النمرود أهلكه الله ببعوضه فجعله تعالى نهباً للجنون ، وأمريكا أذلها الله عزوجل في العراق على يدي مجموعة من شعب مسحوقٍ منهوبٍ محاصرٍ سنوات طوال ، وهذه المجموعة فعلت بأمريكا أضعاف أضعاف ماكان يتوقعه الأمريكان من الجيش العراقي حيث وصل عدد قتلى الجيش الأمريكي على يدي المقاومة وفق الإحصاءات التي توردها مصادر القوات الأمريكية يومياً وهي مدونة ومرصودة في موقع المختصر مايزيد على الألف وخمسمائة وأربعين قتيلاً ناهيك عن الجرحى والمعوقين وماتم إعطابه من آليات فضلاً عن النزف الاقتصادي اليومي الذي فرضته هذه المقاومة على أمريكا إضافة إلى تعطيل الاستفادة من بترول آبار الشمال وفي مواقف متعدده هذا بخلاف مافقدته هي وإسرائيل من عملاء إما قتلاً وإما رعباً .

هذا التدهور الرهيب الذي حصل للقوات الأمريكية وقوات الحلفاء في العراق صاحبه تدهور نفسي ورعب وهلع أقض مضاجع الجنود الأمريكان وجعلهم يعيشون كابوساً وقلقاً مستمراً اسمه الموت على يدي المقاومة العراقية وهذا ماحدا بكثير منهم إلى استخدام الحبوب المخدرة وتعاطي الحشيش بكثرة وبعضهم انتحر هروباً من الواقع المخيف الذي يعيشونه فضلاً عمن فر من العراق نجاةً بنفسه من جحيم العراق الدامي بعد أن تبين لهم أن المسألة ليست لعبةً وأن هذه الأمة عصيةً على الاستعباد والاستذلال والتدجين والتهجين.

لقد كتبت في عددٍ سابقٍ وفي هذه الجريدة مقالاً جعلت عنوانه (
الصنم يترنح ) يتحدث حول أمريكا ومعاناتها في العراق وفي حربها على العالم الإسلامي وها أنذا اليوم ومن خلال هذا المقال أبشر نفسي وأمتي بأن بوادر هزيمة أمريكا في العراق تجلت سريعاً وبشكل أسرع مما كنت أنخيله وهذا الكلام الذي أقوله ليس رجماً بالغيب ولا تخرصاً بل هو نابع من استقراء عميق لسنن الله جل وعلا في الكون والآفاق يصدق ذلك اعترافات القوم أنفسهم الذين أقروا بحجم الكارثة التي يعانون منها في العراق حيث يقول الدكتور وليام بولك مدير مؤسسة و. ب . كيري مانصه وأرجو أن تتأملوا في هذا الكلام جيداً ( ننازع كما فعلنا في حرب فيتنام ودون أن نحقق نجاحاً كبيراً تكبدنا خلال الأشهر منذ الغزو خسائر بشريةً أكبر من تلك التي تكبدناها في السنوات الثلاث الأولى من تدخلنا في فيتنام ) .

ويضيف متسائلاً : ( ما الذي يمكن أن نتوقعه ؟ مجيباً نفسه بنفسه :الهزيمة وهذا دواءٌ مرٌ ، دواءٌ لايبتلعه قائد سياسي بإرادته خاصةً في سنة انتخابات . إذاً وماهي البدائل ؟ البديل الأول : هو أن نؤخر الهزيمة فحسب ، سيكون ميلٌ قويٌ ومفهومٌ لدى إدارة بوش لأن تحاول إبطاء الحد المتصاعد ضدنا في العراق وستكون هناك مفاوضات ومراوغات وتشجيعٌ على الاختلافات . والبديل الثاني هو تصعيد مكانة مجلس حكم منتقى بدقة . وحول هذا البديل يقول إن العراقيين لايمكن أن يخدعوا بواجهة على أنها حكومة . وأما البديل الثالث الذي يراه فهو الخروج فعلياً من العراق وعدم فرض فساد داخل الاقتصاد العراقي وعدم الاستيلاء على النفط ونقل السلطة بطرق لها معناها ) أ.هـ وهذا التعليق أوردته جريدة الوطن السعودية .

عند التأمل في البدائل التي طرحها الدكتور وليام نجد أن معناها جميعاً يدور حول مفهومٍ واحد يحاول الأمريكيون أن يتجنبوه صراحة أو أن يقولوه هكذا كحقيقة مجردة دون لفٍ أو دوران وهذه الحقيقة ياسادة ياكرام هي أنهم مهزومون مهما حاولوا أن يؤخروا ذلك أو يكتموه وذلك لأن الخرق أكبر من الترقيع والحقيقة أوضح من أن تحجبها غرابيل البيت الأبيض ومساحيق البنتاغون وتعتيم الإعلام العالمي والعربي الذي أصبح في كثير من أحواله تابعاً وخاضعاً لما تمليه عليه الإدارة الأمريكية التي تتزايد انتهاكاتها للحريات ولحقوق الإنسان يوماً بعد يوم حتى أصبحت صاحبة أشد السجلات سواداً في هذه المسائل خصوصاً على مدى التاريخ .

الكلام السابق معناه أن الدكنور وليام يريد أن يوجه رسالةً لرئيسه يقول له فيها : يافخامة الرئيس انزل من برج غطرستك ، وتنازل عن قليل من فلسفتك وأدرك جندك في العراق فقد انتهشتهم أسود بغداد الضارية ولم ينفع مع هذا النزف كل ماقمتم بحفره من خنادق وقبور جماعية لمن قتل منهم فالحقائق روائحها فاحت والهزيمة في الآفاق لاحت ..

ختاماً لازلت أحبتي الكرام أتسائل بكل براءة مثل غيري وأقول : هل يطبق الرئيس نصيحة العقلاء من بني جلدته أم يظل مصغياً لتوجيهات اليمين المتطرف ؟ هذا سؤال لا أعرف إجابته لكن الإجابة التي أجزم بوقوعها صدقاً وحقاً أن حربهم على الإسلام والمسلمين خاسرة ونهايتها الهزيمة ولهذا يحق لي أن أرتجز بذلك البيت الشهير من الآن :

كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ .
 

صليل القلم
  • صليل القلم
  • مختارات
  • الصفحة الرئيسية