الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
لكم قام رجال التربية وعلماؤها بالمناداة والمطالبة بشمولية التربية لجميع
جوانب الكيان الإنساني العقلية والروحية والجسدية والعاطفية ، وكم ناشدوا
المناهج التعليمية أن تبتعد عن المفهوم التقليدي القديم للمنهج الذي يحصر
التربية والتعليم في سد الحاجة العقلية فقط لدى الإنسان .
واعتبروا المدرسة خطوة متقدمة في سير تربية الطفل ، ومرحلة مكملة لنموه
التربوي ، وليست حلقة مغلقة منفصلة عنها .
ولذا
فإنه يجب على المدرسة أن تلبي في منهجها جميع احتياجات الطالب وأن تراعي فيه
جميع مراحل نموه الروحية والعقلية والبدنية والعاطفية ، لا أن تقصر دورها
ومناهجها على ملء عقول طلابها ذكورا وإناثا بوافر المعلومات .
ومن
هنا يظهر الخطأ التربوي في توحيد مقررات الجنسين الذكور والإناث بحجة القدرة
على الاستيعاب . إذ ليس المقصود حشو المعلومات واستيعابها بله تحقيق التكامل
التربوي والإعداد التربوي المتوازن في تلبية احتياجات الإنسان المختلفة .
والذكر والأنثى لا يستوون في نموهم الفطري جسديا وعاطفيا وروحيا وعقليا وخاصة
عند مرحلة البلوغ والتي توافق غالبا عندنا المرحلة الثانوية ، إذ أصبح مستقرا
علميا وواقعيا أن الأنثى أسرع نموا في ذلك من الذكر ، ولذا فمن باب أولى أن
تكون البنت قادرة على استيعاب ما يستوعبه الابن . الأمر الذي يوجب على
المدرسة أن تراعيه عند إعداد منهجها الحديث الذي تسعى به إلى إكساب كلا من
الجنسين المعلومات والخبرات والمهارات اللازمة المناسبة لتركيبه الموافقة
لوظيفته ودوره الفطري في الحياة . والتناسب بين التركيب والوظيفة سنة كونية
ليست في الإنسان فقط بل في جميع الكائنات .
فأي
ظلم للفتاة وهضم لحقوقها حينما نحبس تلبية حاجاتها ونؤخر تعليمها وتربيتها
ونهمل تسارع نموها حينما نفرض عليها منهج تعليم البنين وتربيتهم .
وأي
جريمة تربوية نرتكبها حينما لا يكون للبنات منهج تعليمي سوى نسخة مكررة لمنهج
تعليم البنين . كما هو واقع كثير من أنظمة التعليم في العالم .
إن
انوثة المرأة فطرة إلهية وضرورة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها ولا تطيب
الحياة ولا تستقيم بدونها قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ..} (الحجرات:13) فالأنوثة هي أحد شقي
الإنسانية وهي مكملة للذكورة في تحقيق أهداف الحياة الإنسانية وعمارة الكون
وصلاحه .. ولذا وجب تعهدها بالرعاية والتربية بما يناسب أنوثتها .
وقد جاءت الآيات القرآنية في تقرير هذه السنة الفطرية :
قال تعالى : {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى }
(لنجم:45)
{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى) (لنجم:21)
{ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (القيامة:39)
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل:3)
ولذا
فإن توحيد المناهج والمقررات يهدد هذه الفطرة الأنثوية لدى المرأة حيث أن ذلك
يبث الاسترجال في عقل المرأة على خط مضاد لخط أنوثتها المتميزة ، الأمر الذي
يعكس الازدواجية في الشخصية ، والشذوذ عن الوظيفة الطبيعية الفطرية إذ أن هذه
البرامج والمناهج برامج رجالية في الأصل فصلت حسب مقاييس الرجل واحتياجاته ،
وقصد بها إعانته على أداء وظائفه ، والمرأة تدفع إليها دفعا سواء أكانت
مناسبة لطبيعتها أو غير مناسبة ، وبالتالي تصاب المرأة بالاضطراب والحيرة ثم
النهاية إما اكتئاب أو انتحار .- كما يشهد لنا بذلك واقع المجتمعات التي وحدت
مناهجها ومقرراتها التعليمية – .
حتى
لقد قام بإنكار توحيد المقررات والمناهج بين البنين والبنات علماء ناصحون
مشفقون من تلك المجتمعات بله من دول الانفتاح وبلاد الحرية ، لما تبين لهم من
مساوئ تلك المساواة وذلك الدمج
" يقول جرنفيل ستانلي هول الأمريكي : إن اتحاد طرق التلقين لايستقيم مع
اختلاف القدرة على تحمل العناء الذهني وتوحيد المواد لا يتفق مع تباين درجات
قابليلة الجنس لشتى الفنون "
(انظر كتاب الأسرة تحت رعاية الإسلام / عطية صقر 2/ 206)
ويقول د الكسيس كاريل في كتابه المشهور ( الإنسان ذلك المجهول) : (..والحقيقة
أن المرأة تختلف اختلافا كبيرا عن الرجل فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع
جنسها ، والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها
العصبي ، فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للإنثناء شأنها شأن قوانين العالم
الكوكبي فليس في الإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلها ومن ثم فنحن مضطرون
إلى قبولها كماهي . فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعا لطبيعتهن دون أن
يحاولن تقليد الذكور ، لفإن دورهن في تقدم الحضارة ، أسمى من دور الرجال ،
فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة ".
نعم
إن للإناث وظائف في الحياة لا يقوم فيها إلا هن .
وإذا
كان من واجب التربية والتعليم إعداد كلا من الذكر والأنثى للقيام بوظيفته في
الحياة على الوجه الأكمل ، فلماذا نهمش وظيفة المرأة ونمسخ شخصيتها الفطرية
حينما نعدها كإعداد الرجل
و المرأة لها رسالة وعليها واجبات ولها أدوار يجب أن تؤديها في الحياة " فهي
نصف الإنسانية وشطرها الآخر .
ولكن
لعل التخبط والتشتت في هذا المجال عائد إلى عدم معرفة دور المرأة في الحياة
الذي يجب أن يقوم عليه أهداف تعليمها وتربيتها .
وهذا
إن عذر به من وكل أمر سياسة حياته إلى عقول البشر المختلفة، ونظريات الفلاسفة
المتناقضة ، والتجارب القاصرة ذات النتائج المشروطة . فإنه لا يعذر به من
جاءه من الله نور وكتاب مبين يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(المائدة:16)
والجهل بنظام الإسلام ومنهاجه في مجال تربية المرأة وإعدادها أساس ذلك كله .
فإذا مانظرنا في تشريعات الإسلام وتعاليمه وأوامره وتوجيهاته وجدنا ثم أهدافا
سامية ومقاصد عظيمة فيما يخص إعداد المرأة المسلمة وتربيتها على نحو يتطلب
تميز نظام تعليمها عن نظام تعليم الرجل ، وانفراد بحفظ شخصية المرأة واعتبار
مكانتها وعظيم دورها ومن ذلك :
أولا :
إعداد المراة المسلمة العارفة والقائمة بما أوجب الله تعالى وفرضه عليها من
عقائد وشرائع وأحكام في حق الله تعالى وحق نبيه صلى الله عليه وسلم وحقوق
النفس والآخرين من الوالدين أو الزوج والأبناء والأقربين وعموم المسلمين .
والشواهد على هذا كثيرة ومن ذلك قوله تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ
وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً } (الأحزاب:33)
ثانيا : إعداد المرأة المسلمة بما
يكفل بها القيام بأدوارها الفطرية الأساسية في الحياة ، ويساعدها على حسن
ممارستها لها , وهي دور الزوجية وإدارة البيت ، ودور الأمومة والتربية .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) وقال
صلى الله عليه وسلم ( وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا
وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) البخاري 844.
فأول وظيفة لها ودور تقوم به في ظل توجيهات الإسلام : الزوجية :
قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21)
ومما يؤكد لنا أن هذا الدور وأن هذه الوظيفة هي من الوظائف الأساسية للمرأة
هو الاهتمام الضخم بأمر الزواج في الإسلام ترغيبا فيه وتنظيما له وتفصيلا
لدقائق مسائلة وتوجيها للحفاظ على رابطته وحمايته وغير ذلك .
ولاشك أن هذا الدور يحتاج إلى العلم بأهداف الزواج وأحكامه ، والعلم بفنون
التعامل بين الزوجين ، ومهارات حل المشكلات الزوجية والأسرية وغيرها . والتي
تحتاج إلى أن تعنى بها مناهج التربية والتعليم .
وأما دور الأمومة:
فلقد اختص الله المرأة دون الرجل
بهذه المهمة العظيمة وكرمها ورفع منزلتها وأعلى شأنها بها
وبيانا لأهمية هذه الرسالة الإنسانية وعظم هذا الدور جاءت وصايا الكتاب
والسنة برعاية الأم والقيام بشأنها ورد بعض الجميل إليها ومن ذلك يقول تعالى
: { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً
عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (لقمان:14) إلى غيرها من الآيات والأحاديث الكثيرة في
ذلك .
وأيضا فالأم هي المحضن الأول للتربية والتعليم وهي البيئة الخصبة للجيل
الجديد فالقيام بدور الأمومة هو أداء لرسالة تربوية عظيمة في المجتمع يجب أن
تكون من كلفت بها قد أعدت لها إعدادا علميا وتربويا يتناسب مع قيمة هذه
المهمة ومكانتها وأثرها .
واستشهادا بالواقع نضرب مثلا لمجتمع اعتنى بإعداد الأم فكان أن ساد بين
المجتمعات في العالم المعاصر ذلك هو المجتمع الياباني ، تقول المؤلفة
الأمريكية (ميري هوايت) -التي كتبت خلاصة دراستها التي استغرقت عشرين عاما-
لأسرار تفوق المجتمع الياباني في كتابها "التربية والتحدي": (( يتفق
اليابانيون والمراقبون على أن التقدم الياباني في العصر الميجي ، والمعجزة
الاقتصادية التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية يرتبطان ارتباطاً وثيقاً
بالتركيز على التربية)) [1] ثم تبين من يقوم بها فتقول ((
وتلعب المرأة اليابانية دور القائد في محيط البيت مستخدمةً رغبتها في التضحية
وقدرتها على حسن الإدارة ))[2] . وتقول : (( فالأمهات
مكرسات أنفسهن تماماً لأطفالهن منذ بداية الحمل .. ويرين في إصرار أن مهمتهن
الأساسية هي تنشئة أطفال ناجحين ))[3] .
فهل نجد في مناهج تعليم البنات لدينا ما نضمن به إعداد الأم التي نريد ؟وهل
توحيد المقررات الدراسية للبنين والبنات يخرج لنا رجالا أم أمهات ؟ أم لا
هؤلاء ولا هؤلاء !
ثالثا : تعليم وإعداد بعض النساء
ما يحتاج إليه المجتمع من فروض الكفايات أو المصالح المرسلة . حسب طبيعة
العصر الذي يعيشه المجتمع وحسب التغيرات في الزمان والمكان والأحوال .
مثل : إعداد المعلمات والمديرات للقيام بعملية تعليم النساء والفتيات ، وكذلك
إعداد الطبيبات والممرضات بالتخصصات المحتاج إليها ، كذلك إعداد النساء
الداعيات للقيام بواجب الدعوة إلى الله ونشر العلم الشرعي في أوساط النساء ،
وتوعية بنات جنسها والقيام بواجب الحسبة في المجتمع النسائي .وغير ذلك مما
يجب أن يكون على نحو سالم من قذارة الاختلاط ، وقبح التبرج ، وضلالة التعميم
.
وعلى ضوء هذه الأهداف والأدوار يجب أن تسطر سياسة تعليم المرأة في بلاد
الإسلام وتوضع لها المقررات التي تحققها . والتي لايمكن أبدا أن تكون هي
نفسها مقررات تعليم البنين ، فإن للزوج دوره الذي يختلف عن دور الزوجة ،
وللأب دوره الذي يختلف عن دور الأم وللرجل دوره الذي يختلف عن الأنثى .
فهل بلغ بنا العجز ألا نستطيع التمييز بين هذا وذاك ! وهل عدمنا العلماء
المتخصصون المخلصون الناصحون لدينهم وأمتهم وبلادهم ؟!
وختاما :
فإن أمراً عظيما كتوحيد المقررات
الدراسية بين البنين والبنات وأمثاله ، يجب ألا يكون وفقا لأهواء عامة
المجتمع ، أو رغبات عدد من الكتاب ، أو اجتهاد مجتهد .. بل يجب أن يدرس من
قبل المختصين وبإسلوب البحث العلمي الموضوعي البعيد كل البعد عن الأهواء
والتضليل . وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون .. وأن نعتبر بتجارب السابقين
..وأن نضيء المصباح الذي في أيدينا ، ونسير على بصيرة من أمرنا ، ونقود به
غيرنا .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخوكم : محمد بن عبدالمحسن العبدالكريم
جامعة أم القرى – مكة المكرمة
053945679
----------------------
[1] - ص 139 .
[2] - ص 31.
[3] - ص 33 .