لا يعير الإنسان في الغالب اهتماماً لبعض المصطلحات العسكرية التي يسمعها
بشكل دائم ويومي تقريباً ، ولا يحاول أن يبحث عن معاني هذه المصطلحات الغريبة
إلا بعد أن تصله التقارير والأبحاث التي تشير إلى المعاني الحقيقة لهذه
المصطلحات، والتي تظهر واضحة في النتائج التدميرية التي تتركها هذه المواد
على الإنسان والبيئة بشكل عام .
ومن ابرز هذه التقارير تلك التي أخذت بالظهور في العقد الأخير ، إثر استخدام
هذا النوع الجديد من الأسلحة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ، وذلك ابان
حرب الخليج الأولى والثانية ، وحرب البلقان وحرب افغانستان وذلك ابتداء من
عام 1991 إلى وقتنا الحالي .
ومن هذه الأسلحة العسكرية التي كشفت مخاطرها إثر هذه الحروب ، أسلحة تتضمن
مواد اليورانيوم والبلوتونيوم والجمرة الخبيثة وغير ذلك من المواد التي تدخل
في إطار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي أثبتت فعاليتها الكبرى في
التدمير والقتل، والتي قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها باستخدامها كبديل عن
أسلحة التدمير التقليدية.
يطلق على اليورانيوم الذي يستحدم في الحروب اسم اليورانيوم المستنفذ أو
اليورانيوم المنضب ، وهو عبارة عن مادة ذات طاقة إشعاع ذري خطير ،" يتم
تخزينها عادة في حاويات مقفلة تماما وذلك لمنع وصولها للبيئة، ولكنها أيضا
تستعمل في الإستخدمات التجارية والحربية " .
ويعد اليورانيوم المستنفذ - الذي ينخدع باسمه كثير من الناس ويعتقدون انه
رديف للشيء الذي انتهى فعاليته - أحد " مشتقات اليورانيوم الطبيعي ، يعبأ به
نوع من القنابل التي تطلق من المدافع ، ويتميز بقدرته على إذابة المواد
الصلبة الخرسانية والمدرعة لذلك باتت معظم القنابل تحتوي على هذه المادة
الخطرة جداً ، التي ما أن تصطدم بالهدف حتى تحترق ذاتياً ، وفي ثنايا هذا
ينبعث اليورانيوم في جزئيات متناهية الصغر إلى تراب الغلاف الجوي، وفي تراب
الغلاف الجوي يخبز نفسه في عجينة الجزئيات الميكروسكوبية التي تعلق إلى الأبد
بتراب الغلاف الجوي".
ولقد اكد الخبير العسكري اللواء المتقاعد صبري العشري في مقابلة له مع صحيفة
الزمان اللندنية : " أن 60% من القذائف الأمريكية المستخدمة الآن ضد العراق
تحتوي علي مواد مشعة على رأسها اليوارنيوم المنضب والبلوتينيوم المشع سواء في
صواريخ كروز أو مضادات الدروع أوالقنابل التدميرية".
ومن هذه القنابل " قنبلة" BIG BLEO " المسماة أم القنابل والتي تتمتع بقدرة
تدميرية تعادل نصف القنبلة الذرية التي ألقاها الامريكون على هيروشيما
اليابانية عام 1945" .
هذا ولقد أثبتت الدراسات التي أجريت على البلدان التي استخدمت عليها هذه
المادة خطرها الكبير على البيئة والإنسان ، وتكمن هذه المخاطر فيما يلي :
1-
تلوث المناخ بتلك المواد السامة وانتقال هذا التلوث عبر الرياح إلى مناطق
أخرى ، وهذا ما اكد عليه أحد المقاتلين القدامى في مقابلة تلفزيونية مع قناة
الجزيرة ضمن برنامج " بلا حدود " إذ قال : " إن استخدام الولايات المتحدة
لليورانيوم في حربها الدائرة على العراق قد يجعل ثلاثون بالمئة من الشعب
العراقي البالغ عشرون مليوناً يتعرضون للأصابة او الإعاقة او الموت ، إضافة
إلى ان آثار اليورانيوم قد يبقى في الجو _ إذا لم يتم تطهيره_ حوالي 4 بلايين
من السنين ، وهذا يعني اعتبار أراضي العراق والأراضي المجاورة لها أراض ميتة
لا تصلح للحياة .
هذا وقد أكد البروفسور الألماني " سيغ بارهورس غونتر " الذي كان اول من اكتشف
استخدام الأميركيين لهذا النوع من القذائف عام 1991 ، إلى ضرورة عزل المنطقة
العراقية والكويتية والسعودية نتيجة القصف الذي استخدمت فيه قذائف اليورانيوم
المستنفذ وقد أكد على ضرورة هذا العزل من أجل " إجراء تجارب على كل الأجسام
الموجودة فيها لمعرفة الآثار التي خلفتها الحرب سواء على البشر او الأرض أو
المياه الجوفية أو النباتات وحتى الحيوانات ".
2-
تعريض حياة البشر لمخاطر الموت أو التشويه او الإعاقة وذلك عبر استخدام الدول
المعتدية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لتلك المواد المشعة ، ومن
الملاحظ ان هذه المخاطر لا تطال فقط المدنيين الأبرياء الذين تشن عليهم
الحروب ، ولكنها تطال أيضاً الجنود والعسكريون الذين يقومون بإطلاق هذه
المواد معرضين بذلك حياتهم للخطر حماية لتلك الدول وقوانينها الظالمة ، الأمر
الذي يؤكد على الوحشية التي تتصف بها تلك الدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان
فيما تقوم هي بايذائه وحرمانه من حقه في حياة سليمة من الأمراض والعاهات .
ويعبر جيم مور" 36 عاما " – أحد الجنود المصابين في حرب الخليج الأولى (والذي
يعاني من اضطرابات في التنفس والتهاب المفاصل وطفح جلدي على الجسم إضافة إلى
خلل في الصبغيات ناجمة على حد قوله عن اليورانيوم المنضب ) عن موقفه الرافض
لاستخدام تلك المواد والذي كان على جهل تام بمخاطرها : " في 1991 لم نكن نعلم
اي شيء عن مخاطر اليورانيوم المنضب. لكننا اليوم نعلم ولم يعد هناك وجود لاي
عذر ". ( البيان الامارتية )
وقد أكدت الدراسات التي أجراها
علماء الفيزياء والأطباء على الجنود المشاركين في حرب الخليج الأولى : إن "اليورانيوم
الذي استنشقه أو ابتلعه الجنود خلال حرب الخليج الثانية هو السبب أو العامل
المساعد في أعراض الأمراض التي يشكو منها أكثر من 130000 جندي اميركي او
أوروبي من 697000 شاركوا في الحرب ، فقد اشتكوا من مشاكل في الجهاز التنفسي
إلى مشاكل صحية عديدة وفقدان الذاكرة والصداع والتعب المستمر والحمى وانخافض
ضغط الدم " .
هذا فيما يتعلق بالجنود الذين استنشقوا غبار اليورانيوم اما الجنود الذين
جرحوا بشظايا اليورانيوم المنضب فقد اثبتت الفحوصات التي أجريت عليهم وجود "
ارتفاع حاد في تواجد اليورانيوم في البول وزيادة في إنتاج بعض الهرمونات التي
تسبب مشاكل للجهاز العصبي. وهذه التجارب أجريت بعد الضجة التي حدثت في أوربا
بخصوص إصابة بعض الجنود الذين خدموا في البلقان بسرطان الدم وغيرها من أعراض
الأمراض حيث عللوا أسباب الإصابة باستخدامهم ذخائر اليورانيوم المنضب
وتداولهم لها بطرق عديدة ".
هذا وإذا كان بعض الجنود الذين من المفترض انهم يستخدمون الأقنعة والأجهزة
الواقية من أجل المحافظة على سلامتهم ، فكيف هو الحال بالنسبة للمدنيين الذي
تنصب عليهم قذائف اليورانيوم كالحمم ، فتتركهم إما قتلى وإما معاقين مرضى
يظهر عليهم أو على أبنائهم آثار المرض ، وقد تساءل أحد الجنود الإيطاليين
والذي تلقى علاجا مكثفا بعد إصابته باللوكيميا في احد البرامج التلفزيونية
ضمن الحملة المكثفة التي صاحبت هذا الموضوع عن حالهم عندما قال : " بعض
الجنود الذين شاركوا في هذه الحروب تعرضوا لإصابات سرطانية لكن ماذا عن
المدنيين في هذه الدول؟".
وقد ذكر البروفسور الألماني "سيغ بارهورس غونتر" بالأرقام عدد الإصابات بين
المدنيين فقال : "إن ما لا يقل عن نصف مليون شخص في المنطقة مصاب بالأمراض
الناجمة عن هذه القذائف سواء علموا بذلك ام لم يعلموا "
هذا وقد رصدت إثر حرب الخليج عام 1991 العديد من الإصابات ولعل أبرزها إصابات
السرطان وخاصة سرطان الدم بين الأطفال العراقيين بعد الحرب ، إضافة إلى حالات
فقدان الأجنة قبل الولادة ، وقالت وزارة الصحة العراقية آنذاك أن " حالات
الإصابة بالسرطان ازدادت من 6555 عام 1989 إلى 10931 حالة " .
وفي محاولة لتفصيل أهم هذه الآثار التي تظهر على الإنسان يعدد البروفسور
الالماني"سيغ بارهورس غونتر" الآثار التالية:
"
أولا :
انهيار جهاز المناعة بالكامل والتسبب
في انتقال العدوى بسرعة كبيرة ولا سيما لدى الأطفال.
ثانيا:
الإصابة بأمراض القرحة الجلدية
والقرحة الدموية والحمى التي تشبه الحمى القلاعية التي تصيب الحيوانات وتسبب
انهيار جهاز المناعة وسرطانات مختلفة وليس سرطان الدم فقط وان الإشعاعات حتى
الصغيرة منها قد تكون سببا لأمراض غير عادية تصيب الإنسان والحيوان.
ثالثا: الإصابة بأمراض شبيهة بالإيدز وتملك أعراضا شبيهة به. وقد أكد العلماء
الأمريكان أنفسهم ان الإصابة بتلك الأمراض قد حدثت للجنود الأمريكيين بعد
الحرب مباشرة وبعد عودتهم بفترة قصيرة.
رابعا:
التسبب في فشل وظائف الكبد والكلى
وهذا يؤدي إلى الإصابة بأمراض عديدة تكون في محصلتها أخطر من كل الأمراض التي
عرفناها حتى الآن وذلك بسبب التعرض للإشعاع والإصابة ايضا بالأمراض
السرطانية.
خامسا:
التسبب بأمراض اللوكيميا والسرطانات الأخرى ومنها سرطان النخاع والعظام.
سادسا:
التشوة الجيني الذي يؤدي لمواليد مشوهين للإنسان والحيوانات والنبات.
وقال غونتر ان لدية تقارير حول ما حدث في إقليم كوسوفا عندما استخدمت مثل هذه
القذائف حيث تؤكد التقارير انه في المناطق التي قصفت باليورانيوم ولدت ابقار
وضفادع برأسين مثلما ولدت اغنام بثمانية أرجل بسبب الإشعاعات الناجمة عن
إطلاق القذائف المخضبة باليورانيوم ".
وفي الختام نشير إلى أن خطر استخدام هذه المادة لا تقتصر على فترة الحرب فقط
، فقد ذكر " البروفسور غونتر " حادثة إصابة أطفال العراق بعد الحرب ، فقال :
"بعد عام واحد من نهاية الحرب كنت في مدينة البصرة - جنوب العراق - حيث علمت
أن بعض الأطفال الذين كانوا يلعبون بالطلقات الفارغة المخصبة باليورانيوم قد
ماتوا باللوكيميا وهو الأمر الذي أثار بداخلي الشكوك."
وأضاف أنه عندما عاد إلى ألمانيا أرسل الطلقات التي كانت بحوزته إلى ثلاث
جامعات ألمانية والى البروفيسور فيلبس أشهر العلماء الألمان بهذا المجال حيث
أظهرت الاختبارات ان الطلقات مشبعة بالراديوم وأنها تبث أشعتي "بيتا وجاما"،
وأن الخطر القائم من ذلك هو على أقل تقدير الإصابة بعدة أنواع من السرطان.
فهل نستطيع بعد هذا الاستعراض للمخاطر الصحية التي تنتظر الشعب العراقي أن
ندعي أن ما يدار على أرضه هي حرب من أجل حصوله على حريته ، وأي حرية لدى شعب
في ان يختار بين الموت أو الإصابة بالأمراض القاتلة ...
د. نهى قاطرجي
المراجع :
- الجزيرة . نت ، أمين شحاتة :
اليورانيوم المستنفذ من حرب الخليج إلى أفغانستان.
- جريدة الرياض ، الاحد 19 شوال 1421 العدد 11892 السنة 37 .
- مفكرة الإسلام .
- Araburanium.com