(( ومع المحن تأتي المنح ))
د. وليد أحمد فتيحي
*
اكتب هذا المقال فجر يوم السبت الموافق
التاسع والعشرين من سبتمبر لعام 2001م أي بعد ثمانية عشر يوماً من الهجوم على
واشنطن ونيويورك في الحادي والعشرين من سبتمبر وقد كتبت في مثل هذا اليوم من
الأسبوع الماضي مقالاً يشرح الإقبال الكبير للشعب الأمريكي للتعرف على الإسلام
، وأكدت في مقالي بأن الدعوة إلى الله لم تتقهقر وتتراجع في أمريكا والعالم
أجمع خمسين عاماً كما كنا نحسب في الأيام الأولى من جريمة الحادي عشر من سبتمبر
وإنما نتقدم كل يوم بمثابة عام في تاريخ الدعوة إلى الله ونحن على ثقة بأن
الإسلام سينتشر في أمركيا والعالم أجمع خلال الأعوام القادمة أسرع مما كان ،
وسبب ذلك أن العالم أجمع يسأل ولأول مرة ( ما هو الإسلام ؟ ) .
ولا شك أن هناك ابتلاءات ومحن تعرض لها بعض المسلمين في أمريكا والعالم أجمع من
جراء التهم التي ألحقت بعرب ومسلمين ، ولكنا ندرك كذلك سنة الله التي لا تتبدل
ألا وهي أن مع المحن منحاً .
نعم .. إنها سنة الله في أنبيائه ورسله والدعاة في سبيله ( أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى
يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) ، ( ( أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم
فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ، ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم
ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن
تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) .
وبمثل هذه المحن والابتلاءات أصيب بعض إخواننا وأخواتنا في أمريكا ولكن إغداق
المنح يهون المحن .. ونحن نعايش بفضل الله ونكتب في تاريخ أمريكا صفحات مشرقة
من الدعوة إلى الله تستبشر بها القلوب ، ومن يرى بأم عينيه لا كمن يقرأ أو يسمع
.
وذكر المنح تعيد للأمة عزتها ونشاطها وثقتها وقوتها وعزيمتها أما الانفراد بذكر
المحن قد تبث في روح ضعاف الأمة الإحباط والانهزام والخوف والانكسار .. ولذلك
فإنني تعهدت أن أحمل على عاتقي مسؤولية أن أنقل لإخوتي وأخواتي في الشرق صوراً
من توالي المنح الربانية التي تلازم الابتلاء بل مشروطة به في سنة الله للدعاة
إلى سبيله .
وقد شاركتكم في الأسبوع الماضي بعض الأحداث منذ الحادي عشر من سبتمبر يوماً
بيوم ، وسأكمل اليوم معكم رحلتي في سرد بعض صور المنح الربانية علينا في أمريكا
عامة وفي مدينة بوسطن خاصة .
** توالت علينا الدعوات من الكنائس من مدينة بوسطن والمدن المجاورة لتقديم
محاضرات عن الإسلام في كنائسهم ، ونظراً لكثرة الطلبات فقد كونت لجنة من إخوة
وأخوات وبعضهم أمريكيون مسلمون لتطوير هذا البرنامج بصورة دائمة ( زيارات
أسبوعية للكنائس في مدينة بوسطن والمدن المجاورة ) .
** استمرت الصحف والقنوات التلفزيونية تتهافت علينا للمشاركة في برامج لشرح دين
الإسلام .
** ما زلنا نستقبل الطلبات من الجامعات والمدارس والمعاهد لزيارة المركز
الإسلامي للجمعية الإسلامية في بوسطن في موقعه الحالي بين جامعتي هارفارد و MIT
.
** بدأ المركز الإسلامي في الجمعية الإسلامية ببوسطن يوم الثلاثاء الماضي
الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر مقرراً دراسياً عن الإسلام (Islam 101
Course) يقوم عليه أحد الإخوة المتمرسين في الدعوة في أمريكا وأخت أمريكية قد
أسلمت في الجمعية الأمريكية منذ عدة سنوات وتزوجا قبل عام واحد ، وهما مثال حي
لنبض الإسلام في هذه البلاد في دماء الشباب المتعلم الأمريكي ، وقد سجل في
المقرر الدراسي ثمانون أمريكياً وأمريكية غير مسلمين منهم محامون وأطباء
وأساتذة جامعة وطلبة وجامعيون .
** إحدى الجامعات التي زارت المركز الإسلامي للجمعية الإسلامية في بوسطن هي
كلية التجارة بجامعة هارفرد (Harvard Business School) واكتظ المسجد بطلبة
الماجستير من جامعة هارفرد يتلقون معلوما ت عن الإسلام لا من الإعلام المغرض ،
وجاء وقت صلاة العشاء فصلى المسلمون وشاهد طلبة جامعة هارفرد المسلمين وهم
يؤدون صلاة العشاء ، واستمرت الزيارة إلى ما بعد العشاء وبالرغم من التزاماتهم
الدراسية إلا أنهم آثروا البقاء لوقت متأخر ، ونوقشت مواضيع كثيرة منها معنى
الجهاد الحقيقي في الإسلام وعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى والأنبياء سلام الله
عليهم أجمعين ، وقد شاهدنا بأم أعيننا أعيناً تدمع وجلوداً تتأثر ونبرات صوت
غير تلك التي دخلوا بها . ( وكل ذلك موثق لدينا بالصور والفيديو ) وكيف لا يكون
ذلك وقد بدأوا ولأول مرة رحلتهم في التعرف على الإسلام من أصحابه لا من أعدائه
وطالب مسؤول الطلبة بزيارة أخرى للمركز الإسلامي ..
** أما يوم الخميس فقد دعيت لمشاركة في برنامج تلفزيوني بعنوان : ( لماذا
يكرهنا الإرهابيون ) وأوضحت فيه أن الإسلام بخلاف ما يظهر الإعلام الغربي يحمل
لأهل الكتاب من اليهود والنصارى مشاعر تربطهم بأنبياء الله بل لا يكون المسلم
مسلماً إلا إذا ضمن لأهل الكتاب حق ممارسة دينهم بسلام ، وأكدنا في المقابلة أن
الإسلام هو الدين الذي يحمي الأديان السماوية ، وكيف لا يكون ذلك وقد أسمى
القرآن الكريم موسى كليم الله وعيسى كلمته وأثنى بكل خير على أمه مريم العذراء
وقد ذكرت أربعاً وثلاثين مرة في القرآن الكريم إعلاءً لشأنها ومكانتها عند الله
.
** أما يوم الجمعة الموافق الثامن والعشرين من سبتمبر فقد دعيت لشرح الإسلام
لطلبة ماجستير ( معلمين ومعلمات ) في إحدى الجامعات بالمدينة الطبية في بوسطن ،
وهم مدرسون ومدرسات سيكون لهم الأثر الكبير على أجيال متوالية من الطلبة .
وقد ذهبت برفقة أخت أمريكية مسلمة ( أسلمت قبل ثلاثة أعوام ) وزوجها العربي
المسلم ، وقد استمرت المحاضرة ساعتين شيقتين تفاعل الجميع فيها ، ومرة أخرى
عيوناً تدمع وعقولاً تتفتح وكأنها استيقظت لتوها ، وآذاناً كأنها تسمع لأول مرة
عن اٌسلام ( وقد يكون ذلك ) ودعينا مرة أخرى لإلقاء محاضرة على الجامعة كلها في
الأيام القادمة إن شاء الله .
واليوم أكتب إليكم وقد استنفرت جميع القوى والطاقات الكامنة للدعوة إلى الله ،
فإخوانكم وأخواتكم لا ينامون إلا قليلاً ، وهم عاملون كخلايا النحل دون توقف ،
وأصبح لدينا في الجمعية الإسلامية في بوسطن خلال الأعوام الخمسة الماضية .
وقد تلقينا يوم الجمعة الموافق الثامن والعشرين من سبتمبر دعوة من جامعة هارفرد
للمشاركة في ندوة عن الإسلام دعي لها ثمانية آلاف طالب وطالبة وأستاذ .. نعم
ثمانية آلاف من غير المسلمين سيستمعون إن شاء الله إلى إخوانكم وأخواتكم
المسلمين ليعرفوا عن الإسلام من أهله ومن أبناء جلدتهم ( أمريكيون مسلمون )
اعتنقوا الإسلام خلال الخمسة أعوام الماضية في المركز الإسلامي في بوسطن ،
وسيستمعون عن الإسلام من أطباء مسلمين من جامعة هارفرد .
إن ما ذكرت أعلاه اليوم وما ذكرت في مقالي السابق ما هو إلا أمثلة بسيطة مما
يحدث في مركز إسلامي واحد في مدينة واحدة في ولاية واحدة من ولايات أمريكا ،
وقد سمعنا وقرأنا عن مدن كثيرة أخرى تعايش ما نعايشه ( وإن كانت بوسطن قد حباها
الله بعوامل قد لا تتوفر لغيرها من المدن وتتلقى من المنح أكثر بكثير من المحن
) .
وإني لأتساءل حقاً أين فضائياتنا العربية ، علماً بأن معظم النشاطات التي ذكرت
( والتي لم تذكر ) موثقة لدينا بالصور والفيديو ونحن نتطلع لإرسالها للقنوات
الفضائية العربية حتى يرى إخواننا وأخواتنا في الشرق ما فتح الله لإخوانهم في
أمريكا .
( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ( وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله
فيه خيراً كثيراً ) .
** ملاحظة : ولعل ما في العنوان ( تشابه كلمتي المحن والمنح ) من صورة بديعة (
الجناس الناقص ) تحقق هدفها في إثارة الفكر ولانتباه نحو المضمون .
Email : WFITAIHI@POST.HARVARD.EDU
*
الدكتور وليد أحمد فتيحي : استشاري غدد صماء وسكر ورئيس برنامج في مركز جوزان
للسكر ، وعضو هيئة التدريس بكلية طب جامعة هارفرد – بوسطن بأمريكا .
عكاظ ، الثلاثاء 15 رجب 1422هـ 2 أكتوبر 2001م ، عدد 12820