عند تقليب صفحات العصور السالفة الغارقة في القدم أو الطافية حداثةً نجد أنَّ
لكل أمة - أيا كانت عقيدتها – نجد لها رموزا تفتخر بها وتقف باحترام أمام
آثارها ، وسنجد عجبا حين يكون بعض هاتيك الرموز شخصيات خيالية وأخرى من غير
البشر، أما الأكثر فهي أن تكون تلك الشخصية إنسانية أضافت قيمة لهذا العنصر
أو تلك الأمة أو ذلك الدين .
هؤلاء الرموز الذين تدبج أسماؤهم بدعوات صادقة وتراتيل قدسية أو سجدات تذل
بها الأعناق في بعض الأحيان ربما كانوا علماء ربانيين أو عباقرة مبدعين أو
أبطالا فاتحين أو ملوكا عادلين ؛ بمعنى أنَّ لهم عناوين بارزة في صفحات المجد
ونقوشا راسخة في تمثال الحضارة مما جعل أمما من الأرض تنسج وبإحكام شخصيات من
عالم اللاواقع لتجعلها شعارا لسؤددها وربما آلهة تنطرح على أعتابها ، ولا
تأخذ هذه الرموز مكانها فوق الفرقدين إلا بما تقدمه من عطاء يملأ النفوس
إجلالا وتعظيما ، كما أن تلك المكانة لا تتأتى إلا في زمن الشدائد والانحطاط
الحضاري ؛ عندها يكون النصر العسكري أو الاختراع العلمي أو الموقف الشجاع هو
ما يحفظ للأمة كرامتها ويزيل غبار الذل عن جبينها .
وبعيدا عن هموم الأمم الأخرى السابحة في وحل الخرافة والشهوة والتحريف أتأمل
هموم الأمة المسلمة ( أمة المليار مسلم ) والتي تعيش على هامش الحضارة
المعاصرة بغثائية مخجلة !! هذا الواقع المر الذي نراه في دماء يزكو بها الثرى
ودموع تحتضنها وجنات الأطفال وصرخات تتلاطم في أرحام العذارى ؛ بل ونراه حتى
في تفاصيل حياتنا اليومية من مراكب وملابس وأسلحة ندافع بها عن أنفسنا والتي
يمنينا بها عدونا ويعاقبنا بالحرمان منها كلما تلكأنا عن تنفيذ ما يطلب أو
السرور والإشادة بما يفعل ولو كان ذلك بتمرير سكين على صفحات أعناقنا !! هذا
الواقع المر جعل كثيرين يتعلقون بما تبقى من صدى الرموز الراحلة إلى أن يئست
من رجع الصدى وبدأت بالبحث وفق صياغة أملتها الأحداث الأخيرة وشراسة التحدي ،
وشيئا فشيئا بدأت تظهر ملامح ذلك الرمز – أيا كان – المهم أن يكون لسانه نارا
تتلظى على المنافقين ويده مرزبة تفلق هام الأعداء ... لا يقبل بالسلم .. يعشق
الحرب .. يتوسد القنابل ويتكئ على البندقية وهكذا .. بهذه المواصفات يكون
الرمز المنتظر !! ولا غرابة أن تجد من يسخر بالعلماء أو يسفه المفكرين وكأن
ذلك الهم المتقد لا يملكه غيره ،!
وذلك الفهم ( العميق)! للمرحلة لا يدركه سواه .
إننا حين نقرأ - بوعي - نجد أن المرحلة المعاصرة للأمة مشابهة لمراحل سابقة
غير أن التحدي يختلف والمواجهة تتنوع وتشابك الأحداث وتمازج المصالح يحير ذا
اللب مما يحتم تشكيل المواجهة من إيحاءات المرحلة المتنوعة ، أما حصر
المواجهة عسكريا فهذا يعني أننا سنخسر ميادين أخرى ذات تأثير لا ينكر
كالسياسة والإعلام والعلوم التجريبية والتقنية التي كشفت لنا بوضوح شناعة
الجريمة التي نرتكبها بحق أمتنا وديننا ؛ لأننا لم نعرف حتى الآن كيف نرفع
الذل عن أنفسنا وعن أجيالنا !! ولم نعرف حتى الآن كيف تكون المواجهة !! ولم
نعرف حتى الآن أن الجميع – بدون استثناء – يشترك في جريمة إخفاء الشمس عن
الوجود والانغماس في هذا الظلام المطبق !! ولم نعرف حتى الآن أنَّ كل الجهود
على كافة المستويات يجب أن تبذل مهما كان أثرها !!
وختاما :" إنَّ الإنسان يكون إنسانا بقدر ما يرتاع للفارق بين ما هو كائن ،
وبين ما يجب أن يكون " .
كتبه :
سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة