كثرت مآسي المسلمين وكثر الذبح والاضطهاد الذى يواجهه أبناء أمتنا في شتى
أنحاء العالم بشكل رهيب يتفطر له قلب كل مسلم غيور , ولا شك أن الحل الاساس
الجذري الذي سيوقف هذه المآسي المتكررة بإذن الله هــــــــــو إسراع الأمة –
أفراداً وجماعات - واجتهادها في العـــــودة إلى الله والدعـــــــوة اليه
لكـــــــــــــي يعود للأمة عزها ومجدها ومن ثم تستطيع أن تنتصر لأبنائها –
في أي مكان كانوا - على الأعداء وأن توقف وتمنع استمرار هذه الفواجع والمآسي
المؤلمة قال تعالى : { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } محمد:7]
ولكـــــــــــن السؤال هو : هل أدركت الأمة وأدرك أبناؤها ذلك تماماً, وهل
أوضح الدعاة إلى الله ذلك بشكل كافٍ, وهل أوصلــــوا
الرسالـــــــــــــــــة واضحة الى كل فرد مسلم , بل نقول إلى قلب كل مسلم
بأن هذا هو الحل الذي تقع مسؤولية تحقيقه على كــــل فرد في أمتنا !!؟؟… الذي
يبدو أن الموضوع لم يأخد حقه اللازم من الإدراك والإيضاح !.
وإنه يحــــــــــزُّ في النفس عــــدم إدراك أفراد الأمة واستشعـــــارهم
تمامـــــــــــاً لهذا الجانب وعدم المســــــــــــــــــــارعة إليه بقوة
...., فهم فيهم الخير والشهامة وقـــد يكون التذكير بهذا الجانب
وتَذَكّــــــــــره حـــــــافزاً للبعض للعودة إلى الله والالتزام الكامل
بأوامر الدين …غيـــــــــــرة على واقع الأمة(1)
وإخوانهم أكثر من تأثرهم بالوعظ المباشر العادي . ولنا شاهد في قصة إسلام
حمزة رضي الله عنه عندما تأثر لما رآه من أذية المشركين لرسول الله صلى الله
عليه وسلم .
وينبغــــــــي أن يشعر المسلمون أنهم مسؤولون عن استمرار مآسي الأمة من هذا
الجانب لأنهم بتقصيرهــــــم واستمرارهــــــــــــم في الذنوب وتركهم
الجـــــــــــدَّ في الدعـــــــــــــوة إلى الله والإصلاح يكونون
سببــــــاً في ضعف الأمة وبالتالـــــــي يكونون سببــــــــاً في عجزها عن
حماية أبنائها ووضع حل جذري لهذه المآسي وبالتالي يكونون بتقصيرهم من أسباب
استمرار مذابح المسلمين .
وتحتـاج أمتنا أن تتذكر عظمـــــــــــــــــــة ما يحدث من المذابح وغضب
الله جل جلاله من ذلك والذي يتبين من مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح الذي رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمر ( لزوال الدنيا أهـــــــون
على الله من قتل رجل مسلم ) { صحيح الجامع الصغير للألباني} وقول ابن عمر رضي
الله عنهماعندما نظر إلى الكعبــــــة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك, والمؤمن
أعظــــــــــــــم حرمة عند الله منك ) {صحيح الترمذي للألباني} . فيجب على
المسلمين الخوف والحذر مما يغضب الله إن لم يقومــــــــــــوا بمسؤولياتهم
تجاه ذلك .
وينبغي أيضا أن يتذكر المسلمون وأن يُذَكِّرهُم الدعاة بأن عدم استيقاظهم من
الغفلة وعدم المسارعة إلى التوبة والإصلاح -خاصـــة وسط هذه الظروف الشديدة
التي تعيشها الأمة وخاصة وهم يرون ما يحدث لإخوانهم!!- يجعلنا نخشى أن
يصيبنــــــــــــــــــــا مثل ما أصاب إخواننا , خاصــــــة أن الأعداء
حالياً متربصــــــون بأمتنا من كل جانب .
وما يحـــــز في النفس أكثر هو أن الكثير من الخطباء والمحاضرين
والكتـــــــاب والشعــــــــراء والدعاة عموماً لا يقومون في خطبهم
ودعائـــــهـم(2) وتوجيهاتهم عند الحديث عن مآسي المسلمين
بتذكير الأمة بهذا الجانب الهام بالشكل الواضـــــــــــح
والكافــــــــــــــي والمــــــــــؤثر الذي يُشعِـــــــــر كل
فـــــــــرد مسلم بمسؤوليته هـــــو في نفسه في تحقيق هذا الواجب, مع أن هذا
كما ذكر سابقا هو الحل الحقيقي الجذري للمآسي .
وبغض النظر عن أنه الحل الأهم فإنها فرصة مهمة للدعاة لتذكير المسلمين
بالعودة إلى الله من هذا الجانب وهذا من باب المفهوم التربوي *التربية
بالأحداث* ومن الخســــــــــارة ألا تستغل هذه الفرصة للتذكير بالهدف الأساس
الذي تطمح إليه الأمة وهو عودة المسلمين إلى الالتزام التام بدينهم والذي به
بإذن الله يتحقق للأمة نصرها وتمكينها في الأرض, ونجاتها وفوزها يوم القيامة.
وبعبارة أخرى نقول للدعاة بأنه يجب علينا ألا نعالـــــج
الأعــــــــــــــــــراض فقط وننســــــــى المرض الحقيقي للأمة وننسى
التركيز على الأولويــات والأساسيـــــــات حتى وإن كانت الأعراض شديدة وحادة
في بعض الأحيان(3) .
وإن أملنــــــــــــا كبير في أن إيصال هذه الحقيقة إلى قلوب المسلمين
بوضـــوح سيثير في نفوسهم الخير والنخــــــــوة وسيوقظ الكثير منهم من
غفلتهم بإذن الله , وقـــــد يجعل بعضهم – من تأثره لواقع أمته وواجبه
تجاهها- لا يستلذ ويرضى بزيادة في نومٍ أو لهوٍ مباحٍ فضــــــــــــلاً عن
استمراره في المعاصي والبعد عن الله .
د. مهدي قاضي
-------------------------------------------------
(1) تحمس المسلمون
للمقاطعــة الإقتصادية تحمساً كبيراً من تأثرهم وغيرتهـــم, ولو أن هؤلاء
الغيورين تذكَّـــروا وذُكِّــــــــــروا بتركيز قضية العودة والتوبة
ومقاطعـــــــــــــــة الذنـــوب!! وعلاقتها بعـز الأمة ونصرهـا لحصل توجه
طيب في الأمة نحو ذلك بإذن الله. والذنوب هي أســــاس كل البلايا والذل
والهوان والضعف والتخبط والتشتت الذي نعيشه.
(2)
أستغرب عندما أسمع العديد من الأحبة الغيورين يدعون في محننا المتكررة في
القنوت وغيره بالنصر للأمة وبالهزيمة لأعدائها بدون أن يدعون بوضوح عن إصلاح
الأمة لحالها مع الله, وذلك لكي تتذكر الأمة وتعمل للتوبة من الذنوب والعودة
إلى الله والتي هي أهم أسباب استجابة الدعاء. وحتى يكون ذلك حافزاً ومذكراً
لكل الأمة لتحقيق أسباب وشروط النصر الذي سيمكنها من إيقاف ذبح الأعداء
لأبنائها والانتصار لهم.
وإن مما يتعين على المسلمين عندما يدعون الله في محنهم أن يدعوه وهم مقبلين
بتوبة واستغفار وتذلل وخضوع وأوبة. ويتعيــــــــن على الأئمة أن يذكروا
المسلمين بذلك, ولعل بدء صلاة الاستسقاء بالتذكير بالتوبة وما يتعين على
الإمام من تذكير المسلمين بها خير شاهد على ذلك .
ومن يتأمل واقع أمتنا الحالي ودعاءها المتكرر طلباً للنصر, ويتأمل آداب
الدعاء وأسباب قبوله يدرك أن أحد أهم أسباب تأخر الاستجابة هو واقع أمتنا
المرير في البعد عن حقيقة دينها والتزام أوامره في كل الأمور.
(3)
مما يلاحظ في هذا الجانب أيضا؛ ما حصل بعد بعض الأزمات التي عاشتها أمتنا من
تركيز بعض الدعاة على الفتاوى والأحكام الخاصة بذلك الحدث أو التركيز علي كيد
الأعداء مع ضعـــــــــــف الاستفادة من الحدث لتذكير الأمة بوضوح وتركيز عن
دائهــــــا الأساس . ولا شك أننا نحتاج بشدة إلى الفتاوى التي تبين لنا
الحكم الشرعي في حدث معين وينبغي علينا توضيحها للأمة، ومن المهم أيضاً تبيين
مكر الأعداء وخطرهم, ولكن الأهــــــــــــــــــــــم علاج المرض الضخم
الكبير الذي نتجت عنه كل تخبطات الأمة وانحرافاتها وتفرقها وتشتت آرائها
وتوجهاتها وضعفها وذلها وتسلط الطغاة عليها وتمكن الأعداء منها ووضعها
المأساوي الذي تعيشه,....ألا وهو عدم استقامتها على الإسلام كاملا وعدم
عيشهـــــــــــــــا للدين حقيقةً لا خيالاً .
د. مهدي قاضي