الأسرة المسلمة هي المعقل الأول, الذي ينشأ فيه الطفل, في جو التربية
الإسلامية ونعني بهذه الأسرة التي التقى ركناها على تحقيق الهدف الذي شرع من
أجله تكوين الأسرة, فلو تأملنا بعض آيات القرآن الكريم, وأحاديث الرسول صلى
الله عليه وسلم في هذا الموضوع لوجدنا أن أهم أهداف تكوين الأسرة هي إقامة
حدود الله أي تحقيق شرع الله ومرضاته في كل شؤون الزوجين وعلاقاتهما الزوجية
وهذا معناه إقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله, أي على
تحقيق الهدف الأسمى للتربية الإسلامية, وبهذا ينشأ الطفل ويترعرع في بيت أقيم
على تقوى من الله ورغبة في إقامة حدود الله, وتحكيم شريعته, فيتعلم, بل
يقتدي, بذلك من غير كبير جهد أو عناء, إذ يمتص عادات أبويه بالتقليد, ويقتنع
بعقيدتهما الإسلامية حتى يصبح واعيا , وإذا اجتمع الزوجان على أساس من الرحمة
والاطمئنان النفسي المتبادل فحينئذ يتربى الناشىء في جو سعيد يهبه الثقة
والاطمئنان والعطف والمودة, بعيدا عن القلق وعن العقد والأمراض النفسية التي
تضعف شخصيته, والحق سبحانه وتعالى يقول:( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )[الروم: 21] وعلى الأبوين تقع
مسؤولية تربية الأبناء, ووقايتهم من الخسران والشر والنار, التي تنتظر كل
إنسان لا يؤمن بالله, أو يتبع غير سبيل المؤمنين, فقال تعالى:( يأيها الذين
آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) [التحريم: 6], وجاء
لفظ ؛أهليكم« بالجمع ليشمل الزوجة والولد, وهذه المسؤولية تزداد أهمية في
أيامنا هذه لأن بعض عناصر الحياة الاجتماعية, خارج الأسرة والمسجد, ليست في
كل الأحيان موافقة لهدف التربية الإسلامية, كالقنوات الفضائية, وبعض المجلات
الخليعة, والقصص الماجنة التي تتسرب إلى أيدي الأطفال, فإذا لم يكن الأبوان
يقظين حذرين, لم يستطيعا انقاذ أبنائهما من اجتيال الشياطين, شياطين الإنس
والجن, والرحمة بالأولاد من أهم الغرائز التي فطر عليها الإنسان, بل الحيوان
وجعلها الله أساسا من أسس الحياة النفسية والاجتماعية والطبيعية لكثير من
الكائنات الحية, وتتحمل الأسرة وقوامها الأبوان, مسؤولية رحمة الأبناء
ومحبتهم والعطف عليهم, لأن هذا من أهم أسس نشأتهم ومقومات نموهم النفسي
والاجتماعي, نموا قويما سويا , فإذا لم تتحقق المحبة للأبناء بالشكل الكافي
المتزن, نشأ الطفل منحرفا في مجتمعه, لا يحسن التآلف مع الآخرين, ولا يستطيع
التعاون أو تقديم الخدمات والتضحيات, وقد يكبر فلا يستطيع أن يكون عضوا
متكيفا مع مجتمعه أو أبا رحيما أو زوجا متزنا حسن المعشر, ولا جارا مستقيما
لا يؤذي جيرانه, أو زميلا محبا لزملائه في العمل, ولذلك ضرب لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى في محبة الأطفال ورحمتهم والصبر على مداعبتهم,
وهذه بعض الأدلة من حياته صلى الله عليه وسلم: فقد روى البخاري في صحيحه
بسنده إلى أنه قال: حدثنا أبو قتادة قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه
وسلم, وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه, فصلى فإذا ركع وضعها, وإذا رفع رفعها,
وروى أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن
بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا , فقال الأقرع : ؛ إن لي عشرة من
الولد ما قبلت منهم أحدا « فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
؛من لا يرحم لا ي رحم« وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: ؛جاء أعرابي إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ؛تقبلون الصبيان? فما نقبلهم« فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: ؛أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك?« وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأخذ أسامة بن زيد فيقعده على فخذه ويقعد الحسن على فخذه
الأخرى ثم يضمها ثم يقول: ؛اللهم ارحمهما فإني أرحمهما« وتدل هذه الأحاديث
على تعنيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل أبوين لا يقبلان أولادهما ولا
ينحنيان عليهم ولا يعطفان, وقد اتهمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتزاع
الرحمة من قلوبهما, كما هددهما بألا يرحمهما الله يوم القيامة وذلك في قوله
عليه السلام ؛من لا يرحم لا ي رحم« كما تدل الأحاديث النبوية أيضا على أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين الذكور والإناث, فقد رأينا في
رواية أبي قتادة كيف حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت الحارث وهو
في الصلاة يرفعها على عاتقه إذا وقف ويضعها إذا ركع, وإذا عرفنا أن هذه
الحادثة من رواية أسامة بن زيد بن حارثة يتكلم عن نفسه, أدركنا أنه كان مميزا
, حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعده على فخذه, ولم يفرق بذلك بين
ابن تبناه ؛أسامة بن زيد« وبين حفيده من صلبه ؛الحسن بن علي«, وهذا يشمل
الأيتام, والذين مرضت أمهاتهم, أو غاب آباؤهم في الجهاد أو السفر.., ويدل ذلك
على أن العطف على الأطفال لا يقتصر على الرض ع بل يشمل من هو أكبر من ذلك,
لأن حاجتهم إلى العطف لا تقتصر على سن معينة من طفولتهم, بل تشمل معظم مراحل
الطفولة, وقد جاءت التجارب العلمية مؤيدة لهذا المبدأ التربوي النبوي, فقد
ثبت أن الطفل الرضيع لا ينمو على الغذاء فحسب, بل على عطف الأم الذي لا يقل
أهمية عن الغذاء, بل هو أهم منه في تربية شخصية الناشيء, فقوام الأسرة هو
الحب المتبادل, حتى إذا شب الطفل, استطاع نقل هذا الحب معه إلى خارج البيت
إلى المجتمع الإسلامي فيتراحم المسلمون, ويتحاب أفراد المجتمع وبذلك يستقيم
أمر المجتمع.
(*) أستاذ
المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود