هذا خلل آخر وقع فيه المسلمون وازدادوا بسبب ذلك تخبطا فوق تخبطهم.
من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى وضع أهدافا محددة للمسلم على هذه الأرض ,
وجعل للوصول إلى هذه الأهداف طرقا وأساليب متنوعة وسكت عن هذه الوسائل والطرق
وسكوته عنها هو من باب التوسعة فيها عن طريق التفكير والإبداع والتنوع وشرط
شروطا عامة لهذه الوسائل من أهمها :
- ألا تكون مخالفة للشرع
- أن تكون مناسبة ومتناسبة مع العصر
وأوضح مثال لذلك هو النبي عليه الصلاة السلام فالهدف الأساسي من دعوته هو
إنقاذ الناس من النار و أن يحيوا حياة طيبة ملؤها الحب والتسامح (هذا هو
الهدف)
لكنه عليه السلام كان يتبع طرقا عديدة ومتنوعة لاستجلاب الناس إلى هذا الهدف
وإقناعهم به واستعمل لذلك أساليب مختلفة
فمرة تراه يستقبل الوفود في بيته ويكرمهم كما فعل مع عدي بن حاتم الطائي
وتارة ينزل الناس منازلهم كما فعل مع أبي سفيان يوم فتح مكة
وتارة يفرش للوفود رداءه الشريف احتراما لهم كما فعل مع نصارى نجران
وتارة يعطي الأموال تأليفا للقلوب
وتارة وتارة وفي كل مرة وسيلة جديدة متناسبة مع الموقف ومع الأشخاص للوصول
إلى الهدف المحدد .
وما رفع الإسلام السيف في وجه أحد إلا بعد أن عرض عليه الحلول والوسائل
الإسلامية الثلاثة الإسلام أو الجزية أو الحرب فكان هدف الإسلام إخراج الناس
من الظلمات إلى النور فلم تكن الحرب هي الوسيلة الوحيدة بل كان هناك وسائل
أخرى للوصول إلى هذا الهدف
المسلمون وقعوا في مشكلة كبيرة هي أن الوسيلة التي هي الطريق التي توصل إلى
الهدف أصبحت هدفا بحد ذاتها وازداد تمسك الناس بها إلى درجة أنهم نسوا الهدف
الأساسي وأصبح هذا الهدف مهمشا وأصبح لدينا إرباكات كثيرة وكثيرة من هذه
المشاكل :
1- الاهتمام بالوسيلة أكثر من الهدف :
ومثالنا عليه الزواج فهل الزواج وسيلة أم هدف
بحد ذاته ؟
الإسلام اعتبر أن الزواج وسيلة لإنشاء أسرة صالحة و للاحتماء من نار الشهوة
الجنسية
أن تضل طريقها وللمحافظة على الجنس البشري
لكن المسلمين جعلوه هدفا بحد ذاته ونتيجة لذلك ظهرت عندنا مشاكل كثيرة
وكثيرة:
•
ارتفاع سن الزواج وصل في بلد مثل مصر إلى ستا وثلاثين عاما للذكور وثمان
وعشرين عاما للإناث
•
ارتفاع المهور بشكل فاحش
•
ارتفاع نسبة العزوبة والإعراض عن الزواج بسبب التكاليف الباهظة لهذا الأمر.
2- تحول الوسيلة إلى هدف :
وفي هذه الحالة ينسى الإنسان الهدف الأساسي
ويدافع عن الوسيلة ويبرهن على صحتها وينسى الهدف الذي وجدت من أجله هذه
الوسيلة.
والمثال على ذلك هو اجتماع الناس لسماع بعضا من أمور دينهم فهذا الاجتماع
الذي حصل هو اجتماع له هدف هو تعليم الناس أمور دينهم وتوضيح الصورة
الإسلامية أمامهم ( كأي مؤتمر يعقد ) لكننا نفاجئ بأناس اهتموا بهذا الشكل من
الاجتماع وصاروا يبرهنون على صحته وبدؤوا يهتمون بطقوسه وترتيباته ونسوا
الهدف الأساسي الذي وجد من أجله هذا الاجتماع ونتج عن ذلك تشرذمات مختلفة
ومتعددة .
3-عدم معرفة أن الأهداف المرحلية هي وسائل
لأهداف جديدة :
وهذا ما يحصل لكثير من الناس فما أن يحقق
هدفا معينا فتراه وكأنه حاز كل شيء
دون الانتقال إلى أهداف أخرى
وأوضح مثال على ذلك هو أن أغلب الذين ينهون حياتهم الجامعية هم أقل الناس
قراءة وذلك لأنهم اعتبروا أن الهدف هو الحصول على الشهادة الجامعية دون معرف
أن هذه الشهادة هي هدف لكنها وسيلة لمرحلة جديدة يتابع الإنسان بسببها علمه
وثقافته وقراءته
فنشأ بذلك جيل جديد من الأميين هم الذين يعلمون القراءة لكنهم لا يقرؤون
إن الخلط بين الوسائل والأهداف وعدم توضيحها بشكل جيد يجعلنا في جو أشبه
بالسراب يحسبه الظمآن ماءا وبذلك يتخبط الإنسان بين الوسيلة والهدف فلا يعرف
ماذا يقدم وماذا يؤخر وهذا ما أصيب به المسلمون عدم وضوح للأهداف وخلط بينها
وبين وسائلها
فنشأ ما نشأ من تخبط و تشرذم .
م. عبد اللطيف البريجاوي