منظر الدمار في زلزال بام الإيرانية هو منظر الكوارث التي تأتي بدون توقُّع
ولا نذر مسبقة، ورأينا -ورأى الناس- الدمار على معالم شُيِّدت منذ آلاف
السنين، فإذا هي نثار من الأحجار، ورأينا الموت في آلاف اللفائف البشرية التي
ردمت في قبور جماعية، ورأينا الفاجعة في عيون دامعة ونظرات زائغة على وجوه
الناجين، ينظرون إلى بيوتهم التي كانت مسكنهم ومأواهم، فإذا هي قبور
أقاربهم!.
مشهد مريع ودمار مفجع ومآسٍ وأسى ترويها الوجوه الحزينة الشاحبة، كل ذلك
نتيجة هزَّة أرضية استمرت عشر ثوان، لتعقب هذا الدمار كله.
إن المؤمن ينظر من وراء كل حركة في الكون إلى
قدر الله الذي قدره، وتدبيره في خلقه، ولا يقف بصر بصيرته أمام الحوادث
والكوارث دون أن يقول: قدَّر الله وما شاء فعل، هذا خلق الله وهذا قدره،
وبهذه النظرة الإيمانية كان –صلى الله عليه وسلم- يعيش مع الكون موصولاً
بخالقه، وينظر إلى الخالق في خلقه وإلى القدير في قدره، فإذا نزل الغيث حسر
ثوبهُ ليتلقى آثار رحمة الله، وإذا كسفت الشمس خرج فزعاً يخشى أن يكون هذا
التغير الفلكي نذير عذاب على أمته. وهكذا ينظر المؤمن إلى هذه الحوادث
والكوارث، على أنها شواهد القوة والعظمة الإلهية، وشهادة الضعف والعجز
البشري، ومحدودية القوة لدى الإنسان الذي عجز عن مجرد توقع هذه الكوارث فضلاً
عن دفعها.
ينظر المؤمن إلى مشاهد الزلزال بدمارها
ومآسيها نتيجة هزة أرضية لم تستمر أكثر من عشر ثوان، فيتذكر عظيم النعمة التي
تمتَّع بها طويلاً، والتي لا نعرف قدرها إلا بمشاهد فقدها. كم قرأنا الآيات
وسمعناها (أمن جعل الأرض قراراً)، (والأرض فرشناها فنعم الماهدون)، (وألقى في
الأرض رواسي أن تميد بكم) ولا ندرك من عميق معناها وعظيم منة الله بها ما
ندركه ونحن ننظر آثار أن تميد الأرض ثواني معدودة، (هذا خلق الله فأروني ماذا
خلق الذين من دونه). ولئن كان هذا آثار حركة يسيرة في زاوية من الأرض، فيكف
لو أن الراجفة رجفت بالأرض من أقطارها وهزتها من كل أنحاءها فأي قرار بعد
لأهلها، وأي عمار سيكون على ظهرها، بل كيف لو اضطربت الحركة في نظام الفلك
بمجراته وشموسه وكواكبه؟ بل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) كيف لو اضطربت وظائف
أجسادنا عن نظامها الذي حفظها الله به؟ فكم في أجسادنا من ساكن لو تحرك أو
متحرك لو سكن لاضطرب نظام هذا الجسم وانهار بناؤه، إنها نعم الله التي نتمتع
بها طويلاً ولا نعرف قدرها إلا عند فقدها (وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها).
نرى مشاهد الزلزال، فنرى مشهداً من مشاهد
القيامة فهذه الزلازل أمام أعيننا قيامة صغرى تذكرنا بالزلازال الكوني
الأعظم، إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان ما
لها، إذا رجت الأرض رجاً، وبست الجبال بساً، فكانت هباء منبثا، إذا حملت
الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، فهي يومئذ واهية.
نرى هذه المشاهد تقع هنا وهناك من حولنا،
ويصرفها الله عنا، وليس ذاك لأنا أبناء الله وأحباؤه، ولكنه مزيد إنعام من
الله وفضل، يستوجب ذكرُه مزيد شكر للمنعم جل وعز، واعتراف بتقصيرنا في جناب
الله الذي هذا فضله وهذه نعمته، ونحن في قبضته وتحت تصرفه لنقول: نبوء بنعمتك
علينا ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واكشف عنا وعن
المسلمين البأساء والضراء، وأهدنا وإياهم إليك سواء السبيل.