في ظلمة ليل حالك السواد , يتخبط السائرون , يهرعون إلى نقطة ضوء , يريدون
الخروج , يشتد الزحام عند العنق , تخبط وصراخ , أنفاس تتلاحق , قلوب بلغت
الحناجر , خوف ووجل , ظلام دامس .
بدأ الهمس يسري , تتضح معالم الهمس , الهمس بدأ يعلو .
ما هذا أين نحن ؟ أفي القبور نرقد ؟ أم في سراديب الحياة الموحش ؟ تتشابك
الأنفاس , تختلط الأصوات , تتضح بعض معالم الطريق .. تيه وتشرد .. ضياع وأمل
.. كأني أفقت من حلم .
كأني أفقت من كابوس مرعب , لا ادري ما سببه ؟ إلا اني اذكر اني نمت ليلة
البارحة على مضغ الوجع الذي داهم أمتي في كل جسدها ( انى وضعت يدي على أي جزء
ينتفض من الألم . أفقت وانا انظر البعيد من النافذة الممزقة الستائر لعلي أجد
بصيصا من أمل , لعلي أجد شيئا يسكن هذا الألم .
(2)
تمر الأمة بأخطر مرحلة من عمرها
منذ بزوع نجمها يوم شع ذلك النور من الغار وجلجلت الدنيا بصوت احمد وهو يصدع
بقول الحق تبارك وتعالى ( ياا يها المدثر, قم فأنذر , وربك فكبر ..الاية )
هذه المرحلة التي نعيشها من أعراضها : مذلة , هوان , فرقة , تخلف , تسلط
العدو , انهزام من الداخل , يأس وقنوط .
فيا ترى لماذا وصل المرض إلى هذه الدرجة من الانتشار في جسد هذه الأمة ؟ وهل
هناك بصيص من أمل في الأفق للشفاء ؟ أم ان المنية تتربص فيها في أي لحظة ؟؟
(3)
اليأس هو المنية التي تتربص بك
, فمرض اليأس اذا نبت في أي ارض فلا حياة لكل كائن حي عليها ..
(4)
العجيب أن الأمة تمتلك اخطر
علاج في صيدليتها ولم تستفد منه بعد لانها لم توجد ذلك الطبيب الماهر الشجاع
الذي يصفه لها بكل شجاعة . ما أكثر الأطباء ولكن أغمضوا أعينهم ودسوا رؤوسهم
في تراب الخوف وراحوا يصفون لها ما هب ودب من من الأعشاب والعقاقير التي زادت
في حجم جسمها فأصيبت بداء السمنة والتضخم فصار هذا الجسم مرتعا خصبا للطحالب
التي نبتت فيه فأصيب بالوهن .
اذا العلاج الذي لم يستخدم بعد هو الكنز الذي أهمل سنين طويلة , هو ذلك
البلسم الذي سيعيد لها شيليها وقوتها بحول ربها وقوته , تأمل هذا العلاج في
هذا المقطع في هذا النص القرآني (
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
) أليست الأمة متشرذمة ؟
فما هي نتيجة الاعتصام والاتحاد ؟ نحن بحاجة إلى بطل يعلق الجرس ويصرخ في وجه
الجميع ويقول لا . لا .. نريدها عودة إسلامية صافية إلى الذات إلى الداخل ,
تعاد الحقوق المسلوبة إلى أهلها يرفع الظلم عن المضطهدين يعرف كل دورة , تمنح
الفرصة للعقول المسلمة لممارسة حق التفكير والمساهمة في البناء واتخاذ القرار
في كل قضاياها المصيرية ـــ فالذكاء ليس ملكا لأحد ــــ تمنح الفرصة
لكل الأصوات ان تتحدث ان تشارك في صياغة حياتها , وفق منهج ( وأمرهم شورى
بينهم )
تلغى تلك الفوارق الطبقية المقيتة تماما , مثل ما وقف ذلك العبد الذي يباع
ويشترى بعد إسلامه مع ذلك السيد ندا إلى ند ثم تشابكت الأيدي فأخرجت لنا جيلا
أنار الأرض عدلا ومجدا ( أرايت بلالا يوم وقف بجوار عمر وعلي وصهيب وسلمان
فكانوا كجسد واحد . لماذا لا نكون في هذا الزمان جسد واحد ؟ الا يسعنا ما
وسعهم ؟ لماذا انتصروا في ذلك الزمان وسادوا ؟ الأمر أيسر مما تتصور فالجميع
يحمل المشعل , والجميع لهم قيمة , والكل يتحدث ويشارك في البناء وكل له قيمة
الأمر الذي جعل أمير المؤمنين ابن الخطاب يقول قولته ولا يخشى في الله لومة
لائم : لو كان ذلك العبد حيا لاستخلفته ( ما أعجبك أبا حفص ؟) .
اذا عناصر الإبداع متوفرة عند الجميع فأتيح لها الأرض الخصبة وأعطيت الأمان
ورفع المعنويات فأبدعت وتفوقت فوصل الإبداع إلى أقصى الأرض , مما حدى بذلك
الخليفة ان يداعب تلك السحابة وهي سائرة في الفضاء قائلا : أمطري انا شئت
فسيأتيني خراجك . فماذا يعني ذلك ؟ ما الذي جعل سلطان الأمة يبلغ هذا الاتساع
؟ هل كان هناك قوة خارجية أوصلت هذا الملك للأمة لهذا الحد ؟ أبدا , فأقدام
خيل البطل قتيبة بن مسلم مع بقية جند الله لازالت محفورة في سفوح تلك الجبال
وأوديتها , بينما كان العلم تشع أنواره من دار الخلافة ومن المدينة ومكة
وغيرها حتى صارت البلاد الإسلامية منارة يقصدها السالكون . اذا أيها السادة
الأمر ببساطة , هل يمكن ان نعيد نحن التاريخ مرة أخرى ؟؟ والله سبحانه وتعالى
قد وعد بالتمكين لكن بشرط ان ننصره
{ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }
ما معنى هذا ؟؟ والشرط الآخر هو إقامة ما نصت عليه آية التمكين (
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ
.. اكمل بالله عليك ..)
{ الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الأُمُور }
أخيرا هذا بلاغ .. الكل مسؤول
عن هذا التردي للأمة .. ولكل عليه مسؤلية حمل المشعل مرة أخرى ولا يعذر احد ,
فقط أفسحوا المجال للجميع للمساهمة فنقطة البداية تبدأ من الداخل . ولن يحك
هذا الجسد ويدافع عنه إلا أهله .
اللهم بلغت اللهم فاشهد .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وحبه أجمعين .
عبد الله
العياده