على الرغم من أن العوائق في وجه الإسلام كبيرةٌ جداً! لكنَّ (الله أكبر)..
وعلى الرغم من أن الجهود التي تبذلها "حمّالة الحطب " في الصد عن سبيل الله
هي ضخمة جدا ً! لكنها تغدو غثاء أمام كلمة الله ..
والبشائر بانتشار الإسلام كثيرة ، سأذكر
بعضاً منها :
أولاً :
الأمل بالله تعالى يقين بأنه سيحفظ دينه ، لأنه تكفّل بحفظ كتاب هذا الدين :
(( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))
(1). . وتكفّل بحفظ هذه الأمة من الاســتئصـال : (( لَن
يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى )) (2)..
هــذا هــو وعــد الله (( إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعاد))
(3) والمســلم لاييأس أبــداً ، فـقــد علّمه الإســلام
أن اليـأس ضرب من كـفــر : (( وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ
لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ))(4)
.
يقول أديب العربية والإسلام" مصطفى صادق الرافعي": " ليس لمصباح الطريق أن
يقول إن الطريق مظلم ، وإنما عليه أن يقول ها أنذا مضيء "(5).
ثانياً :
نحن أمة قد تشكّلت وجوداً وثقافة وحضارة من خلال القيم المعصومة في القرآن
والسنة والسيرة المطهرة ، وهذه القيم لا زالت مصونة بحفظ الله ، وتنتظر من
يؤمن بها ويتمثلها ويحملها ليعيد البعث الحضاري من جديد . . يقول د. محمد
إقبال :
عطايانــا ســـحائبٌ
مــرســلاتٌ *** ولكنْ مـا وجدْنـا السّائلينــا
وكل طريقنـــا هــديٌ و نـــــورٌ *** ولكنْ ما وجدنا السّالكيــنــا
ولو صدقوا وما في الأرض نهـرٌ *** لأجرينا السماء لهم عيونـا
وإن عجلة الحضارة لن تدور دون
عزمٍ أو أنين ، ولا بد لكل أمة من لحظةٍ عُليا عليها أن تقرّر فيها ، وأمتنا
لم تمت وإنما هي في سبات ولا بد للنائم أن يستيقظ يوماً .
إنّ الطيورَ وإن قصصتَ جناحَها
*** تسمو بفطرتها إلى الطيران ِ
يقول الإمام محمد عبده : " لا
تزال الشدائد تنزل بالمسلمين حتى يفيقوا ، وعند ذلك يجدون هذا الكتاب الكريم
في انتظارهم ، يعدُّ لهم وسائل النجاة ، ويؤيدهم بروح القدس ، فيكتشفون
أنفسهم ، ويشهدون ما كان قد كمن فيها من قوة، فيأخذ بعضهم بيد بعض ..
وهذا الكتاب المجيد ، لا بد له أن يعود ويرجع إلى موطنه الأول من قلوب
المسلمين ، وقد وعد الله بأن يتمَّ نورَه وبأن يظهره على الدين كله ، ولن
ينقضي العالم حتى يتم ذلك الوعد ، وليس بيننا وبين هذا الوعد إلا الزمان الذي
لا بد منه في تنبيه الغافل ، وتعليم الجاهل ، وتوضيح المنهج ، وتقويم الأعوج
، وهو ما تقتضيه السنة الإلهية في التدريج : " إنهم يروْنَه بعيداً ونراه
قريباً "(6).
ثالثاً :
استشفاف قيم التاريخ الإسلامي :
نحن أمة لم تنبت فوق ظهر الأرض من غير جذور ..
إنّ إسلام أسلافنا معنا ، وإن قلوبهم ما زالت تخفق في صدورنا ، وإن كان ثمة
شيء يدوّي في أعماقنا فلن يكون ذلك سوى الإسلام ، وإذا أمكن هزيمة الواقع فلن
يمكن بحال هزيمة التاريخ ، ومن تاريخنا المنتصر سنعرف - بإذن الله - كيف نصوغ
انتصار المستقبل .
وأنا لست أرمي من هذا الكلام إلى أن ننام على هدهدات التاريخ ، بل الذي أقصده
هو أن نسأل التاريخ ، ذلك الشيخ الصادق الوقور ، عن قصته مع الإسلام ، وأن
نسأل الحضارة هل عرفت أتقى وأنقى وأذكى من رجال الإسلام ؟
وإذا كنا الآن نعاني من أزمة نخبة ، فإنا لا نعاني أبداً من أزمة أمة ،
فأمتنا يسكن في أعماقها المخزون النفسي والروحي الكبير الذي لا يبرز إلا في
المحن ، وإن في الصمود الأعزل الكبير لرجال جنين في وجه الصهاينة المسلحين
أوضح مثل ، والأيدي المؤمنة المتوضئة ستحسن البناء لو أُتيح لها إلى العمل ،
والنور لا زال مشعاً في الجبين ، والخير ما زال كامناً في اليمين ، ولكنه
ككمون النور في الحجر ، إن قدحتَه أورى ، وإن تركته توارى .
يقول الدكتور محمد إقبال : "هناك من غادر الركب لأن الحادي لم يملك الكلام
الذي يسحر به القلوب ! يا حادي الركب : لا تيأس منهم إن كنت حكيماً ، تنقص
المسافرين العزيمة ولكن لا تنقصهم الرغبة في الوصول" .
وظَنّــي يقــينٌ بــأنَّ
بــــلادي *** ستُنبتُ بين الطحالبِ نخـلا
ومن بين شوكٍ وصخرٍ ستنبتُ *** أرضي خزامى وورداً وفُــلا ّ
ففي كل زنـــدٍ مضـــاءٌ تجلّى *** وفي كل عين ٍ ضيــاءٌ أطـلاّ
قريباً ســـيقفو الرعيـلُ الرعيلَ *** فنمســـحُ جهلاً ونغسلُ ذُلاّ(7)
ويقول د.محمد إقبال : " افتح
عينيك كالنرجس أيها الزهر النائم ، فقد أغار على أرضنا الأعداء ..
لقد أصبح بحرك أيها المسلم هادئاً ساكناً كالصحراء . عجباً لهذا البحر الذي
لا يهيج ! انهض أيها المسلم ، أنت للسُّنن حارس وأمين ، أنت لهذا الكون يسار
ويمين ، اشرب كأساً فائضة اليقين ، الغياث من الإفرنج الذين خلبوا العقول
وخدعونا مرة بالرقة والدلال .. ومرة بالقيود والأغلال .
أيها المسلم اضرب خيمتك حيث شئت ، ولتكن خيمتك قائمة على عُمُدك وأطنابك ،
ولا تنسَ أن استعارة الأطناب من الأجانب حرام "(8).
لقد استطاعت أمتنا بفضل الله أن تسجل في نصف قرن قفزة فوق القرون انتقلت بها
من القرون الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين ، وفي قابل الأيام ندعو الله أن
يعينها على قفزة أخرى إلى المستقبل .. هذا هو وعد الله الذي لن يتحقق حتى
يقول كل مسلم : أشرقي يا شمس الإسلام من هنا … من عندي أنا .
إن المسلم اليوم أمام خيارين اثنين : إما أن يسعى إلى تغيير نفسه ليتغير
العالم ؛ وإما أن يغيّر اسمه ..
يا لُبينى أوقــــدي طـــال
المـدى *** أوقـــدي علّ على النــار هُــدى
أوقـدي يا (لُبنُ) قد حـــار الدليـلْ *** أوقــدي النــار لأبنـــاء
الســبيلْ
شَــرّدي هــذا الظــلام الجاثمـــا *** أرشــدي هــذا الفــراشَ الهائـما
ليلُ هذا الركب في البيداء عسعسْ *** أقبلـــي يا (لُبنُ) بالنور المقدسْ
هلـَّــت الأنـــوار والبشــرى علينا *** أَرشـدي فيها الحيارى يا (لبينى)
أرشــدي كلَّ الحيارى في الدروبْ *** بالشــذا والنور في وجه الحبيبْ(9)
يا أيتها الدعوة :
مُرّي بترنيمك السماوي
على أسوار هذه الأرض المحرومة من النور .. لعلّ هذا الناس يصحو من سباته
الطويل ، ويقبس إشراقة من هذا الحُداء الجديد ..
وأحرقي أيتها الدعوة بنارك حطب النظام العالمي الجديد ، وهشيم المُجّان
الواقفين في طريقك العتيد ..
* * *
-------------------------
(*)
من كتاب- ربحت محمداً ولم أخسر المسيح .
(1) قرآن كريم ، سورة الحجر (9) .
(2) قرآن كريم ، سورة آل عمران (111) .
(3) قرآن كريم ، سورة آل عمران (9) .
(4) قرآن كريم ، سورة يوسف (87) .
(5) (وحي القلم) مصطفى صادق الرافعي .
(6) (الإسلام والمسيحية مع العلم والمدنية) الإمام محمد
عبده (134-139) .
(7) ديوان (عطر السماء) د.عبد المعطي الدالاتي ص (111 ).
(8) (روائع إقبال) أبو الحسن الندوي (91 – 169) .
(9) الأبيات الثلاثة الأولى من قصيدة رمزية للدكتور عبد
الوهاب عزام ، والأخيرة للمؤلف .