الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده
بمقدار ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، والصلاة والسلام على البشير النذير
محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :-
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، و إنا على فراقك
أيها الإمام لمحزونون .
لقد فجعنا كما فجع كل مسلم بمصاب شيخنا الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي ، فقد
فقدنا إماماً صادعاً بالحق لا يخاف لومة لائم ، كان ذلك الجبل لا تهزه الرياح
ولا ينال منه الأقزام ، كان يقول ما يعتقد ، كان يفتي بما يدين الله به لا
يحابي أحداً ولا يرجو شيئاً من أحد إلا من الله تعالى ، نحسبه كذلك ولا نزكيه
على الله تعالى .
كان لذلك العالم مواقف يطول المقام بذكر بعضها ، فلم تكن تغيّبه قضية عن أخرى
، ولم يشغله منكر عن آخر ، كان كشمس رحمه الله ، تضيء على كل قضية كما تضيء
الشمس على كل حي ، وهب وقته وجهده رحمه الله لهذه الأمة ، لم تحدده الأقاليم
والحدود ، كما أن فتواه تصدر لما يحصل في بلاده فإنها أيضاً تصدر بنفس القوة
ضد ما يحصل في بلاد المسلمين بل وفي كل أرجاء المعمورة ، فكما كان يفتي
بقضايا الأمة العظام ويستنكر كل ما يحصل لأبناء الأمة في كل مكان ، فقد كان
أيضاً يفتي بالمسائل الدقيقة التي لا يعرفها كثير من الناس .
وحق لكل من عرف الشيخ أن يقول عنه : ما غص أعداء الله ولا المنافقون في عصرنا
برجل كما غصوا بهذا العالم النحرير ، لقد أقض مضاجع أهل النفاق والعلمنة
والبدع ، ووقف سداً منيعاً أمام تغريبهم وفسادهم وإفسادهم ، لم يكل أو يمل من
مواجهتهم أو التنديد بهم ، علّم الأمة معنى الولاء والبراء ، و علّم الأمة
معنى العبودية لله والتحاكم إليه .
وإن أعظم ما تميز به رحمه الله و علّم الأمة عليه هو الصدع بالحق ضد كل من
خالف الحق ، لقد فتح رحمه الله الباب للجبناء بأن يدخلوا من حيث دخل ، لقد
عرّف للأمة منزلة العالم ، وكسر الطوق الذي يضرب حول العلماء ، فبين أن
العالم لا ينتهي دوره عند التدريس في المساجد فحسب ، بل إن العالم هو محور
الأمة التي تدور حوله ، فهو الذي يوجههم في شئون حياتهم كلها ، فالعالم هو
القائد في مجال العبادات والمعاملات ، وهو القائد في السياسة والاقتصاد ، وهو
القائد في الأمور الاجتماعية والأخلاقية وفي الجهاد ، إن دور العالم هو دور
الريادة والقيادة ، وإن أردنا أن نشير إلى رجل تميز في عصرنا بالشمولية في
الفتوى والاهتمام ، فإن أبا عبد الله رحمه الله هو أول المعنيين بهذا الوصف ،
لقد شق على من بعده بسيرته العطره وصدعه بالحق ، لقد أقام الحجة على الأمة
وعلى أهل العلم بأن الدين لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط ، بل الدين دين
حكم ودولة قبل كل شيء .
رحم الله ذلك الجبل الشامخ فلو أنا أردنا ذكر محاسنه وعلمه وفضله لما وسعنا
مجلد لذلك ، ولكننا نختم في ذكر صفة من صفاته الكثيرة والتي تميز بها الشيخ
على أقرانه وطلابه وشيوخه ، وتلك الصفة هي صفة جعفر رضي الله عنه ذي الجناحين
، فقد كان رضي الله عنه هو أول من سن هذه السنة ، فعندما خاض معركة مؤتة أقحم
فرسه في جموع الروم يبددهم بسيفه يمنة ويسره ، وعندما كلّ فرسه وتردد عن
الإقدام ، ترجل عن فرسه وعقره ، وأقدم على الكافرين راجلاً بسيفه يفرق جمعهم
حتى قتل رضي الله عنه .
وإن ما في الشيخ من صفة وإن كانت معنوية فإنها كانت شبيهة بفعل جعفر رضي الله
عنه ، فقد اقتحم الشيخ رحمه الله ميدان الجهاد وعقر جواده وقطع الصلة بكل ما
يفت في عضده ويثبطه عن نصرة الجهاد والمجاهدين ، فلم يكن يصغي لأي مثبط من
المحبوبات الثمانية التي عدها الله في سورة التوبة ، بل جعل الجهاد عليها
مقدماً ، ونافح وأفتى للمجاهدين في كل ميدان .
فقد ضرب الشيخ بسهم وافر في كل قضايا الأمة ، ولا يمكن أن تذكر قضية للأمة
إلا ولشيخ في نصرتها نصيب ، فمنذ شبابه والشيخ ينافح عن قضية فلسطين ، وعندما
غزا السوفييت أفغانستان تواصل مع المجاهدين بدعمه وتوجيهاته ، وفي زمن الفتنة
في أفغانستان لم يتخل الشيخ عن القضية فقد حرص وتحرى الصواب وقال ما يدين
الله به من غير تخذيل للأمة أو قدح في الجهاد و المجاهدين ، قامت الإمارة
الإسلامية فكان الشيخ أول من اتصل بها و ناصرها وشد من أزرها ودعمها حتى
مماته ، ثارت أحداث الجزائر فاهتم الشيخ بها مناصحاً وموجهاً ، وجاءت أحداث
البوسنة فكان في مقدمة من ناصر المسلمين ، وجاءت أحداث الشيشان الأولى فكان
من القلة القليلة الذين تواصلوا مع المجاهدين دعماً وتوجيهاً ، وجاءت حرب
الشيشان الثانية فكان أول من أفتى نصرة للمجاهدين وقد حث الأمة على نصرة
المجاهدين في الشيشان بكل الوسائل والسبل ، ولم يكن الشيخ لينسى كشمير أو
الفلبين أو أندونيسيا أو أرتريا فقد ضرب الشيخ في كل قضية من تلك القضايا
بسهم وافر شارك فيه رحمه الله .
وجاءت الحرب الصليبية الجديدة على أفغانستان فتشرف الشيخ بأن كان أول من خط
سوداء في بيضاء تنديداً بأعمال أمريكا الصليبية ، وبياناً للأمة بجواز ما حصل
في أمريكا رداً على ما فعلوا بالمسلمين في فلسطين ، وصمد الشيخ مواجهاً
للحملة الصليبية ، وبقي متفرداً على رأس هرم المدافعين عن المجاهدين
والمحاربين للصليبيين من العلماء ، ولقد كان مهتماً بمواجهة الحرب الصليبية
حتى آخر أيامه ، بل حتى آخر لحظات حياته رحمه الله رحمة واسعة ، ولقد نقل لنا
أن أخر ما تحدث به في حياته إنما كان حول انتصار المجاهدين في أفغانستان .
لقد رحل البطل و رحل الشيخ الجليل و رحل العلم الشامخ ، وإننا لنرجو والله له
الجنة ، ونحن أول من سيشهد له في الدنيا والآخرة أنه أدى ما عليه وبرء مما
حمل رحمه الله رحمة واسعة .
أما هو فلا يحزن على مثله إذا لقي الله ، فإننا نرجو أن يقدم على رب راضي غير
غضبان ، فقد أدى الأمانة وقال الذي يدين الله به ، وبرء من التقصير في العهد
الذي أخذه الله على أهل العلم بالصدع بالحق ، ولكن نحزن على الأمة التي فقدت
مثله ، ونحزن على اللواء الذي رفعه الشيخ وتميز به ، من سيحمله ويكون أهلاً
له كما حمله الشيخ وكان له أهلاً ؟ .
وختاماً فإن الإمارة الإسلامية وخاصة أمير المؤمنين الملا محمد عمر وفضيلة
الشيخ أسامه بن لادن وجميع المجاهدين يتقدمون للأمة بكل التعازي والمواساة
على فقيدها العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي ، ونسأل الله تعالى أن يأجرنا في
مصيبتنا ويخلفنا خيراً منها ، كما نسأله تعالى أن يرفع درجته في عليين ويسكنه
فسيح جناته ويجعله مع النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقاً .
كما نذكر الأمة بأن الشيخ قد أمضى حياته الدعوية في تعليم أبناء الأمة وفي
مواسات المسلمين والوقوف معهم في كل مكان ، وقد أشغله حال الأمة عن كثير من
العبادات والأعمال الصالحة التي كان يتوق إليها ولا يحجبه عن العمل بها إلا
حمله لهم الأمة والعمل لهذا الدين ، ولذا فإننا نوصي الأمة بأن لا يبخلوا على
الشيخ رحمه الله بإهداء الأعمال الصالحة له ، من صدقة وصيام ونسك وصلاة وحج
وعمرة ودعاء وسائر الأعمال الصالحة ، فإن الراجح من أقوال أهل العلم وهو رأي
شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى أن الأعمال الصالحة بجميع أنواعها تصل
إلى الميت ، فاجتهدوا رحمكم الله تعالى لإهداء كافة الأعمال للشيخ ، فهذا أقل
ما نجازي به علماءنا ونرد إليهم فضلهم على الأمة .
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين