الحمد لله الرحيم الغفار ، حكم بالفناء على أهل هذه الدار ، والصلاة والسلام
على المصطفى المختار، وآله الأبرار ، وصحبه الأخيار ، ومن تبع هديهم وعلى
طريقهم سار؛ ما أظلم ليل وأضاء نهار . أما بعد :
فإن المستفصح لحقيقة الدنيا، والمـتأمل لحال الحياة مع أهلهـا، تنبلج له عن
أفراح خُلِطت بأتراح، وتتفسخ عن ترنُّم مُزج بنياح، فالسعد فيها لا يدوم، كما
أن القلب عن مصائبها لا يصوم ، فهي على الفجائع مبنية، وقُصاراها كدر أو
مَنية، إذاً هي وعاء حوادث ،وظَرْف كوارث، تتقلب فيها الأيام، وتتصرف منها
الأحوال، فأيامها تُحلي وتُمِر؛ وأقدراها تسوء وتَسُر، محن الحقيرة ضُروب،
ولسان العِبر بها خطيب، يتذوق فيها الحرُّ الأيامَ وصروفَها، ويتجرَّع
الأرزاء َوصنوفَها، ويشاهد الأنفسَ ومآلَها، ويلاحظ الأجسام واضْمِحْلالَها،
فيعتبر بعَواريَّ ما أسرع ارتجاعَها، ومنائحَ ما أقلَّ مقاديرَ إمتاعِها،
فالحازم من وطّن لأحداثها، وأيقَنَ بانتكاثها، إذ مَوهوبها إلى استلاب،
ومعمورها إلى خراب، كالآلِ والسَّراب، فهي ليست بِدارِ قرار، والعبد منها على
شفا جُرُفٍ هار، لأنها جسْرٌ على طريق، وعدوٌ ولكنها بثياب صَدِيق، فكم فيها
من ثنيَّة يخرج من خلالها على المرء النوائب؛ وكم حمىً للعبد ترتع فيه
المصائب، فرزاياها تتطرف وتَتَحيَّف، ومناياها تَستَدرج وتَتَخطَّف، إذ
الموتُ عُرْفٌ لا نُكْر، وعَوانٌ لا بِكْر.
وإن من أعظم المصائب المعاصرة، ما فُقِر به الباديةُ والحاضرة، تلك
الرَّزِيَّةُ الشاملة؛ والقاصمة النازلة ، هي وفاة الشيخ العلامة، وموتُ
المحقِّق الفهَّامة،( حمود بن عقلاء الشعيبي) فيا عُظم ما دَهَمَت به الأيام،
وفُجع فيه الإسلام، فالديانة لابسة الحِداد؛ مفجوعة الفؤاد، فواهاً لحُشاشَةِ
العِلْمِ أرصدها، الردى غوائلَه، ويا أسفاً على بقية الصدع جَرَّ عليها الدهر
كَلاكِلَه .
لقد طَرَقَتْ نائبةُ هذا الموت، وأصابت فاجعة هذا الكرب، قُطْبَ الآمال
ومَدارَها؛ وهاجمت سَناءَ الهِمَمِ ومنارَها، وكَسَرَتْ تاجَ الرِّياسةِ
وسِوارَها، ألا فَلْتَعْلَمِ المصيبة أنها نزلت على عمدة الإسلام، واستضافها
مُبَيِّنُ الحلالِ والحرام، وأَنْشَبَتْ أَظفارَها في نفس هاتِكِ حُجُبِ
الجهالة، وكاشف زَيْفِ الضَّلالَة، بحُجج رَواسخ، كالجبال الشَّوامِخ، لقد
صَدَعَ تجاه الحادث المُلِم، وشارك في الأمر المهم، فيَظهَرُ إِقدامُهُ إذا
كان في الإقدام خَطَر، ويَبْرُزُ وقوفُهُ إذا لجأَ الفُرسانُ إلى المَفَر،
بعد أن تأخر عن البيان الجمْع الغفير، بل نطق بالباطل الوِرْدُ الكثير .
لقد رَهَبَ الشركُ صَوْلَتَه، وخاف العدو جَوْلَتَه، وذَلَّ النفاقُ وطْأتَه،
فكان رحمه الله مُنقطع النَّظير، وكالىءَ هذا الدين، أنار يوم دَجَت الخُطوب،
وثار يوم عَنَّ الهَبوب، فوالهفاً على من هذه بعض صفاته مؤبدا،ً ويا أسفاً
عليه مُرَدَّدا،ً أسفاً على لُجَّة المواهب كيف سُجِّرَت، ولشمس المعارفِ كيف
كُوِّرَت، ويا لهفاً على هَضَبَة العلم والحلم كيف زُلْزِلَت؛ وحِدَّةِ
الذكاء وقوة الفهم كيف فُلِّلَت، ماذا خطفت يدُ الحُمام، وأَصَمَّت به سهام
الأيام، يا أيها الحُمام، أَيَّ سماءٍ للعُلا فَطَّرْت ؟! وأيَّ نجمٍ للمُنى
كَدَّرْت؟! وأَيَّ بحر من الأسى سَجَّرْت؟! وأَيَّ عين للبكاء فَجَّرْت ؟!
لقد كان شيخنا البقيَّةَ التي عند الخطوب يُؤنَسُ ببقائها، وعند الظلمة يُعشى
إلى أضوائها؛ ففجأة إختلسته المنيَّة ، وفَجَعَت به الدنيا الدنيَّة، فمن
شأنها أن تذهب بالأفاضل، ومن صفاتها التخييم على الأماثل، يا موتُ ! زيارتُك
للشيخ نازلة فاجئة، وقدومك حادثة فاجعة، جعلتَ الأيامَ تُصيبُ من الأمة
صَميما،ً وتسلُبها عِلْقاً كريما،ً وتَخْطَفُ أُنْساً عظيما؛ً ولكنَّك
الحُمامُ، والموتُ الزَّؤمُ، جعلنا الله منك على حذر، ووفقنا قبلك لخير العمل
وأصْوَبِ النَّظَر .
لقد وصلني خَبَرُ تجَََََََََََََََََََََََرُّعِ الإمامِ الحُمام،
وتَشَتُّتِ النِّظام، وانصداع شَمْلِ الكرام، فكأنما طَعَنَ ناعِيْهِ في
كَبِدي، وظَعَنَ باكِيْهِ بِذَخيرة خَلَدي، فَتَصَامَمْتُ عنه مستريحاً إلى
المُنى ،ثم عاجلتُه بالسؤال لعله يرتاب، فأوقَدَ لَوْعَتي ، وأَكَّدَ
رَوْعَتي ، في هذا النبأ الذي تسلَّط فشرَّد غَمضي، ونَعى بعضي إلى بعضي،
وأَطْبَقَ سمائي على أرضي، وكيف لا يُرفع عني الملام وهو خبر يَقُضُّ
المضاجع، ويُسيل المدامع، ذلك أنه فضيع خَطْبٍ وارد، وشَنيع رُزْءٍ وافد؛ فإن
حَزِن منه محزون فالعذر واضح، وإن صَبَرَ المُصابُ فالأجر راجح، لأنه صَبْرٌ
على خطْبٍ يَهُزُّ الجبال، ويَقطع الآمال، ويخلع الفؤاد، ويصدِّع الأكباد :
رعوا من المجد أكنافاً إلى أجل ***
حتى إذا أُكملت أظماؤهم وردوا
حثثنا الخطى وامتطينا المطايا، حتى
قدِمنا المسجد، وإذا الجموع من كل حَدَبٍ نَسَلوا؛ ومن كل صَوْبٍ نَزَلوا،
زُرافاتٍ ووحداناً، فاصطفُّوا للصلاة عليه، فتذكرت اصطفافَهم للسلام عليه،
صَوَّبت النظر إلى من حضر، فإذا الكل ينظر كالرَّقوب، وكأن المُقدَّم يوسفُ
والمصلين يعقوب، يتناظرون وقلوبهم من هَوْلِ ما حَلَّ تَقْشَعِر، ونفوسهم من
عِظم ما نزل بين الضلوع لا تَستقر، فالدمع على الخدين واكِف، والحُزن على
القلوب عاكف، للرُّزْءِ الهاجِم، والبلاء الشَّنيع الكالِم .
فيا لها حسرة ما أنكاها للنفوس الزكية، وجمرة ما أذكاها في القلوب الأبيَّة،
وروعة ما أَفَتَّها في قَوِىِّ الأعضاد، ولَوعة ما أحرَّها على غَضارف
الأكباد .
من ذا أعزي فيك من هذا الورى *** لم
يـلـقـني إلا بحـزنـك لاقِ
والناس محزونون فيك كأنمــا *** كان اتفـاقـهم على إصفــاقِ
وتخلَّل تلك الجموع الكثيرة، بعض
الوجوهِ الحقيرة، جاؤوا مستبشرين، لأن الأسدَ فارقَ العَرِين، ولم يعلم هؤلاء
الأنذال، أن الضِّرْغَمَ خَلَّفَ الأشبال، وسوف تَسْقيْهِم بحول الله كأسَ
الوَبال، وأن موتَ الشيخ رحمه الله بدايةُ صَولاتهم، وأنَّ انقطاعَ صوته
مُؤْذِنٌ بِرفع أصواتهم .
إذا ثبت الماء المَـعين بـحالـِهِ ***
فليس نَكيراً أن تَفيضَ الجداولُ
وفي الخَيس أشبالٌ تَرَشَّحُ للعِدا *** وأراؤك الحسنى مواضٍ فواضلُ
ومع أن الطغاة لوفاة الشيخ نَعموا،
ففي رؤيتهم للجموع رُغموا، ولْيَعلَم الشامتُ الحقود؛ والفرِح الكَنود، مع
أننا فقدنا حديقةَ عِلْمٍ صُوِّحَت، وصحيفة محاسن دَرَسَت وانمَحَت، إلا أن
هاجِمَ الكَرْب وإن كَلَحَ وَجَلَح، وواقِعَ الخطب وإن طَمَحَ وَجَمَح، لا
يَهزُّنا، فلا يَتَضَعْضَعُ منا لهول هذه الصدمة جَلَد، ولا يَتَرَوَّعُ
لِظُلْمَتها خَلَد .
فقد فارق الناس الأحبة قبلنا ***
وأعيا دواء الموت كل طبيب
وإننا نحمد الله، فإن كان سَلَبَ
بِعدله، فقد وَهَب بفضله، وإن كان أخذ فقد أعطى، وإن كان اخْتَرَمَ فقد
أبقى،ونحن أصلب عُوداً من أن تُكَسِّرنا المصائب، وأشد ركناً من أن تضعضعنا
النوائب، لأننا مستيقنون أن نُصرة هذا الدين، لم تُنَطْ برجال محددين .
وضَرْبٌ من هؤلاء الأسافل، قام باستعراض قُواه، بعد أن وارى الشيخَ مأواه،
فأولغ لسانه القذر، بعِرضِ شريف القَدر، ولا ندري لماذا لم ينزل يوم كان
الأسدُ يصول؟! ولم يظهر حينما كان الفارسُ في الميدان يجول؟! فهو بفعله
الخسيس كالفأرة يوم مات الأسد، تَقْفِزُ فوق ظَهْرِهِ، تُظهِر الشجاعة، وتُري
غيرَها المناعة، فأُفٍّ لهذا الغَبيِّ وما كَتَب، وتُفٍّ به وما كَسَب.
أرجع فأقول: وبعد انتهاء الصلاة التي تخللها النشيج، تَبِعَ القومُ الجنازةَ
كانصِرافِ الحَجيج؛ ولِكثرة من حَضَر ، من الناس من تذكر يوم الحج الأكبر،
ومنهم من سارع إلى وَهْلِهِ يومَ المحشر ، الكل قد أَشْهَرَ سلاح الدمع خلف
سَريْرِه، ولم يَمَلَّ من حُسْنِ الثناء وتكريره، لأن من خَواصِّ القلوب،
الأَسَفُ على المحبوب .
والشيخ رحمه الله مضى حينما لم يَبْق مَشرق ولا مغرب إلا وله فيه مادح،
وباسمه صادح؛ ثم مضوا به :
حتى أتوا جدثاً كأن ضريحه *** في قلب
كل موحــد محفور
وأنزلوه مُستصحباً أعماله إلى المنزل
المهجور، والمحل المحبور، فليَنُحْ على الإسلام نائح؛ وليُجِبْهُ من جانب
القبر صائح، وليَصْرَخ بالمجد ناعِيْه، بعد أن نَفَضَت التُّرْبَ يَدُ
مَواليه .
سبق الفناء فما يدوم بقاء *** تفنى
النجوم وتسقط البيضاء
لو يعلم التُّرْبُ ما ضَمَّ من كرم
ونائل، وحلم إذا خَفَّت الحلوم غيرِ زائل، لطاول السماء وعانق الجوزاء، لسعة
نفْسه، وذكاء قبْسه، ملأ الأفواهَ طِيْبُ ثَنائِه، ومَلَكَ القلوبَ بِشْرُ
لقائه، نرجوا أنه حديقة أُنْس، نُقلت إلى جنة قُدْس، والعجب أن الشيخ يوم
موته حَيِي ، فحياته عزة وفخر، وموته ثناء وذكر :
لم تمت أنت إنما مات من لم *** يُبْقِ
في المجد والمكارم ذكـراً
لستُ مُستسقياً لقبركَ غيثاً *** كيف يضما وقد تضمن بحراً
عمر الفتى ذكره لاطول مدته *** وموته موتـه لا موته الداني
وقف الجميع يعزون الأحياء بفراقه، ولو
استطاعوا لهنئوا الأموات باقترابه، والغريب حقاً والعجيب صدقا،ً غروب شمس في
الثرى وضياؤها في الآفاق، وأُفول قمر ونوره باق .
بنفسي ثرىً ضمنت في ساحة البلى ***
لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا
فلو أن عمري كان طوع مشيئتي *** وأسعدني المقدور قاسمتك العمــرا
ولو أن حيـاً كـان قـبراً لميـت *** لصيرت أحشائي لأعظمه قبـــرا
فإنا لله وإنا إليه راجعون، أخذاً
بوصاياه، وتسليماً لأقداره وقضاياه، وسقى الُله شيخَنَا الجليل من السلسبيل،
مثل ما كان يأوي إليه من المذهب الجميل، ونقله إلى رضوانه، وحفه بغفرانه،
وجزاه جزاء المحسنين، وأنزله دارَ المُقامَةِ في عِلِّيين .
أسترجع فأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليماً له فيما قضى، وقولاً يوجب
عنده الزُلفى مع الرضى .
وبعد الإنصراف من دفن من جَدى لفقده أنفُ المكارم، وصَدَعَ من شملها
المتلائم، ففكرت في الدنيا، وقد انحسر عنها زينها، وفَقَدَتْ بل فُقِئَتْ
عينها، فعَصُبَ لهذه الفكرة باللهاة الرِّيق، وحالفني السَّهَرُ ورادفني
التأزيق .
لقد قَرِحَت الجفون، وسال بالدم غربها الهَتون، فكتبت والدمع محدور، وقد
حُمَّ قضاء ونَفَذَ مقدور، ونَظَمْتُ القصيدة واللسان معقول، والفؤاد منقول،
لَعَلِّي أُخفف ما أطال ليلي، وأسهر عيني، وحال بين التماسك وبيني، مع أنني
أتقدم بالإعتذار، لأني أكتب والدمعَ يُنْشيء سحائبه، والحزن يُجَهِّزُ إلى
نفسي كتائبه، والصبر قد فُلَّتْ شَباته، وصُوِّح نباته، والقلب قد ضاقت
آفاقُه، واشْتَدَّ بنار الرَّزية احتراقُه .
هل للجَنان أحاسيس
فتُنْتَظمُ
أم للخواطر أحزان مؤقتة
أم للفراق يراق الدمع من حزن
هي المنايا تعالى من يُقَدِّرُها
كيف التَّجَلُّدُ واللأواء قد عظُمت
والأرض ثكلى ارتدَت ثوب الحِداد على
على إمام هدى عزَّت أماثله
وعالم عاش فينا خير منتصر
فذاك للدين والإسلام حامية
ياليت شعري من للكفر يَدمغه
ومن لأهل النفاق المُرِّ يُزْهِقُهم
ومن لأهل الضلال اليوم يحرقهم
تلك الردودُ رُجومٌ من كواكِبِهِ
يذود عن أثلة الإسلام ناحتَها
قاد المسيرة ليثاً في شجاعته
ذاك الذي كان صَدَّاعاً بلا خَوَرٍ
* *
يا شيخنا يا حمود الخير عشت لنا
بل كنت سيفاً على الكفران مشتهراً
أَطَرْتَ عنا غُبار الذل مُذ بَدَأَت
أحداث يوم صبيح الوجه نحسَبُه
إذ أصبح الكفر والطغيان منقعراً
من ضربة من سديد الرأي صوبها
لله دَرُّك من أُسد تُغير فدىً
لله دَرُّ هداةٍ طاب مَنهَلُهم
إذ سجَّلت عصبة الأبطال منقبة
أكان يقصِدها الطائي (1) في زمن
تلك المقالة في بيت أُصرفه
((رمى بِكِ اللهُ (برجيها )فهدَّمها
شُهْبُ السَّماء على الشيطان مُتْبَعَةٌ
كم قد أقامت لأمريكا مآتمَها
أتـاهُــمُ الـثـلاثـاءُ الـنَّـحسُ مُصـطـحبـاً
أقول للرُّوم بالأشعار مُرتجزاً
ذوقوا الذي طالما ذُقنا عَلاقِمَهُ
واسترقبوا من جيوش الحق مَلحمةً
تلك الجيوش التي اشتاقَت إلى نُزُلٍ
إن كبروا ارتَجَفَ الرُّومان وارتَعَدَت
من ذا يُقابلها من ذا يُقاتلها
كم مَرَّةٍ حَفِظَ التَّاريخُ عِزَّتَهم
فالقادسية واليرموك تَسْبِقُهُم
كم خَبَّأَت لجيوش الكفر من بطل
هذا (أُسامَةُ ) زءَّآرٌ بساحتهم
زئيره هَزَّ (أمريكا) بِرُمَّتِها
فذاك طاعون أمريكا وقاصِمُها
الله أكبر أمريكا الدُّنا خَرِبت!!
فلا الصناعة ذادت عن عمائِرِها
ولا الوِلاياتُ والهيئاتُ تجمعها
ثارت بثورتها الرَّعْنا وما عَلِمَت
وأنَّه ذِروة ُالإسلام يَبلُغُها
وأنه مَطْرَبُ الأبطال إن سمعوا
* *
ناشدتُكُم يا ذوي التقوى مُناشدةً
أترغبون بأن تؤتى محارِمُكُم
وأن نَرَ الكفر يَغشى الأرض أجمعَها
دَقَّ الصليبُ نواقيس الحروب لنا
واستنفروا كلَّ علجٍ من صَليبتهم
وأجلبوا رَجْلَهُم والخيلَ واجتهدوا
إن يظهروا فيكُمُ لا يرقبوا بِكُمُ
حلَّت كوارث في الإسلام مؤلمةٌ
(أبو البقاء) بكى من شأن (أندلسٍ)
من شأن طاهرة للعُهْرِ مُكرَهَةٍ
وحُزْنِ ثَكلى على الأحباب سامَرَها
ودمعِ طفلٍ على الأم الحنون بكى
وجمعِ شملٍ على الإسلام مُلْتَئِمٍ
وبلدةٍ يعتلي الناقوسُ مسجدَها
فالدِّين مُمتَهَنٌ والعِرْضُ مُنتَهَكٌ
يا مُسلِميَن هَلِ انْساخَتْ حَميَّتُكُم
يا ويحنا أُغْمِدَت أسياف عِزَّتنا
فهل لهم من بني الإسلام مُعتَصِمٌ
وهل لهم فارس في الحرب مَرْتَعُهُ
أين الرجال الأُلى خاضوا صبيحَتَها
أين الأُباةُ أُباةُ الضَّيمِ من رفضوا
لا أَبعَدَ اللهُ عن عيني قَساوِرَةً |
|
أم للسان بيان خطَّه
القلمُ
أم للفواجِعِ دمعٌ زادَه الألمُ
فالبَينُ للعين داء منه تَنْسَجِمُ
على الأحبة إذ للإِلْفِ تَخترِمُ
والكون يَغشاه مما حلَّنا ظُلَمُ
شمس الهدى وغَزاها الهم والوَكَمُ
فليس نرنوا سوى من للهدى كَتَموا
للدين يحمى الحِمى والكفر يضطرمُ
وذاك للكفر سيف صارم خَذِمُ
ويسحقُ الباطل الكادي ويَصْطَلِمُ
يرميهمُ بسهام العلم ما هجموا
بكل صاعقة عصماء تصطرِمُ
فهو السماء ومنه الشُّهْبُ والرُّجُمُ
بمعول العلم يُرديه فينخزمُ
وأرغم الكفر فيما خطَّه القلمُ
لا كالأُلى عظموا الطاغوت واحترموا
* *
طوداً من العز إذ بالعز نَتَّسِمُ
وليس للكفر من ذي البأس مُعتَصَمُ
أحداث سبتمر إذ ضجَّت الأممُ
عيداً إذ ا أُسبغت من ربنا النعمُ
وسامرت أهله بعد الندى النقمُ
صرح الطغاة فما زلَّت به قدمُ
على العدو فتسطوا ثم تنتقمُ
وِرْدَ الجهاد فكم من وِرْدِهِ رَقموا
تَظل في موجة التأريخ تلتطمُ
ماضٍ ليشكر ما أبداه معتصمُ
لعصبة الخير لا يُرضى لغيرهمُ
ولو رمى بِكِ كُلُّ الخلق ما هدموا))(2)
ثواقب من سماء الحق تقتحمُ
يبكي الصليب ودمع الكفر ينسجمُ
سودَ الليالي وفيها الموت والسَّقَمُ
للحق منتصرا بالله أَعتصمُ
و استرقبوا صيحةً من بعدها العَدَمُ
تُزلزل الأرض إن هَبُّوا وإن قدموا
عند الإله وبالإيمان تَتَّسِمُ
فُرْسُ الأَكاسرِ وانقادت لها الأُمَمُ
من ذا يُنازل من بالنصر قد وُسِموا
فما تحمَّلها رَقٌّ ولا قَلَمُ
ومؤتة وتبوك الخير تَقْتَدِمُ
صَلْبِ الشَّكيمَةِ قد هاجَت به الحِمَمُ
فهل تُنازل ليثَ الغابة الرَّخَمُ ؟؟؟
فأيقَنَت أنها حقَّاً سَتَنعَدِمُ
وذاك طوفانُها أو سيلُها العَرِمُ
من بعد ما غَرَّها التَّمكينُ والقِدَمُ
ولا السياسة تحميها ولا النُّظُمُ
ولا الجيوش ولا القوات واللَّغَمُ
أن الجهاد لأرباب الهُدى شَمَمُ
من الأنام فتىً جَدَّت بِهِ الهِمَمُ
صَهْلَ الخيول خيولٌ ما لها لُجُمُ
* *
بالله بارِئِكُم بالله رَبِّكُمُ
وأن نَرَ الدَّمَ في الأوطان يَنْسَجِمُ
ويستبيحَكُم الأعدا وينتقموا
وأجمعوا أمرَهم بالكيد واجترموا
واستنـزفوا حقدهم للدين واستهموا
وأوقدوا نارهم للحرب والتحموا
إلاًّ ولا ذمما لو تنفعُ الذِّمَمُ
بكى لها عَرَبُ الإسلام والعَجَمُ
حتى القصيدةُ تبكي وهي تُنْتَظَمُ
تقاد قهراً ونار الحزن تضطَرِمُ
دمع الليالي وفي أحشائها حِمَمُ
يَحولُ بينهما الطُّغيانُ والجُرُمُ
أمسى على( الكفر والتنصير) ينقسمُ
وفي محاريبِها الصُّلبانَ قد رَسَموا
والمالُ منتَهَبٌ والحقُّ مُهْتَضَمُ
أم حَلَّكُم وَهَنٌ أم فيكُمُ صَمَمُ
وسامنا الذُّلَّ عُرْبُ الكفر والعَجَمُ
بالله منتصِرٌ لله يَنْتَقِمُ
يبلوا البلاءَ إذا الأسيافُ تَلْتَحِمُ
يوم النِّزال إذ ما التَفَّتِ اللُّجُمُ
حُكْمَ الطغاة وللطغيان قد هَدَموا
تُحمى بهم حرمةُ الإسلامِ والقِيَمُ |
نسأل الله أن ينصر دينه
وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،، كتبــه
عبيّد آل رمال الشمري
Aabeed200@ayna.com
=====
(1) الطائي : هو أبو تمام
(2) اقتباسا من بيت أبي تمام وهو :
رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب