اطبع هذه الصفحة


زوار السفارات .. ساهموا في سقوط ( الدولة العثمانية ) .. !

سليمان بن صالح الخراشي

 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

لازلنا نذكر تصريح الأمير نايف – وفقه الله – عن زوار السفارات ، والمتعاونين مع السفارات الأجنبية ضد دينهم وبلادهم ، وتهديده بقطع ألسنتهم .

ولايُستغرب هذا التهديد الحازم ؛ لأن العقلاء يعلمون أن هذا المتصل بأعداء الإسلام ، المنسق معهم ، المتعاون ضد بلاده ، هو من " الطابور الخامس " المنافق ، الممهد لما هو أعظم من ذلك ؛ ولو وصل الحال إلى تسهيل الاحتلال ؛ في سبيل دنيًا يصيبها ، أو شهوة يُحصلها ، وقد رأينا أمثال هؤلاء في العراق .

وقد أحببتُ – لبيان خطر زوار السفارات على بلاد المسلمين – أن أنقل شيئًا من مساهمتهم مع الأعداء في إسقاط الدولة العثمانية ؛ لعل في هذا معتبرًا لنا – حكومة وشعبًا – أن نحذرهم ، وننبذهم ، ولا نُقربهم ، أو نوكل لهم أمرًا مهمًا من أمور البلاد والعباد .

يقول الأستاذ عبدالمنعم الهاشمي في كتابه " الخلافة العثمانية " ( 550-569) : ( إذا تحدثنا عن الإصلاحات الدستورية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني فإننا سنتحدث عن طرفي مسألة الدستور، وهما: السلطان عبدالحميد الثاني ، ومدحت باشا، وقد تحدث السلطان عبدالحميد الثاني عن مدحت باشا كثيراً في مذكراته، ويبدو من حديثه العداء الذي استشرى بين الرجلين. يقول عبدالحميد عنه : إنه كان لا يفهم من الديمقراطية إلا معنى تقليد الغرب. ويقول: "مدحت باشا غير فوائد الحكم المشروطي ( الديمقراطي ) وذلك أنه لم يدرس أسباب هذه الديمقراطية ولا تأثيراتها الأخرى، أمراض ( السلفات ) لا تصلح لكل مرض كما لا تصلح لكل بنية، وأظن أن أصول الديمقراطية لا تصلح لكل شعب ولكل بنية قومية، كنت أظن أن الديمقراطية غير مفيدة، أما الآن فإني مقتنع بضررها". وقد بدأت محاولات مدحت باشا في إعلان ما سمي بالدستور أثناء خلافة السلطان عبدالعزيز وفشلت، ولكنه حاول إعادة الكرة في عهد السلطان مراد ولم يتمكن أيضاً.
وفي عهد السلطان عبدالحميد تولى الصدارة تحت ضغط الدول الأوروبية وخاصة الإنكليز ليُفسح لهم المجال في نشر الأفكار الغربية، فقد تمهدت السبل أمامه حسبما تهيأ له، فعقد مؤتمراً لسفراء الدول الكبرى في العاصمة بناءً على اقتراح من إنكلترا، ثم جرى بعده ضغط دولي بغية القيام بالإصلاحات، فشكل مدحت باشا مؤلفة من ستة عشر موظفاً متديناً وعشرة من العلماء وقائدين كبيرين من الجيش لوضع مشروع الدستور ، الذي استوحي من الدستور البلجيكي تحت اسم قانون أساسي ، وذلك في سنة 1294هـ، فأصبح الدستور البلجيكي المعدل دستوراً للدولة الإسلامية بعد أن كان الإسلام هو دستور الدولة ! ..

يقول السلطان عبدالحميد في مذكراته: "لم يكن مدحت باشا قد درس أي قانون أساسي في أي دولة من الدول عندما اقترح عليّ إعلان القانون الأساسي، ولم يكن له في هذا الموضوع فكر متأصل، كان ( أوديان أفندي الأرمني ) هو أستاذ مدحت باشا الفكري " .

إن بين السلطان عبدالحميد الثاني ومدحت باشا مواجهة، ولكن المواجهة صنعتها رعونة مدحت باشا وعدم فهمه للأمور كما كان السلطان عبدالحميد الثاني يفهم، وكان كل همه التغيير إلى اتجاه الغرب، فقد انبهر بالغرب وسياسته ، ونسي أنهم يريدون مصالحهم أولاً وقبل كل شيء، ونستطيع أن نستخلص ذلك من رواية السلطان عبدالحميد الثاني التي تنطق بالصدق وحسن المنطق وسلامة الرؤيا، يقول السلطان في مذكراته:

"عند إعادة قراءة ما كتبته عن مدحت باشا، وجدت أني مررت على إحدى النقاط مرّ الكرام، ترددت كثيراً عندما فكرت في تركها، ولكن ليس من شيء أخفيه عن الله وعن التاريخ مهما اختبأ الشيء، ومهما تسترنا عليه، فلا بد أن يظهر يوماً بكل تفرعاته.

الإنكليز أعدائي يرشون قائد جيشي :

كنت أعلم أن السرعسكر عوني باشا قد أخذ من الإنكليز أموالاً، إن رجلاً من رجال الدولة يأخذ مالاً من دولة أخرى لا بد وأن يكون قد قدّم لها خدمات، يعني هذا أيضاً أن خلع المرحوم عمي السلطان عبدالعزيز وتولية السلطان مراد باشا بدله، لم يكن حقداً فقط من حسين عوني باشا، ولكنه مرضاة لرغبة دولة أخرى أيضاً.

وكما كتبت من قبل، فإن السلطان عبدالعزيز كان قد جرّد حسين عوني باشا من رتبته ونياشينه، ونفاه إلى أسبرطة، لم يكن حسين عوني باشا في ذلك الوقت يملك شروى نقير، بالإضافة إلى أنه كان مريضاً، عندما أبلغت إليه إرادة عمي كان في منـزله، تملكته الحيرة والدهشة، ظهر عليه الندم الشديد، كان يفكر في أنه لا يمتلك شيئاً، وأنه لم يستطع تأمين دخل له حتى ذلك اليوم، كثيرون سمعوا حسين عوني باشا وهو يقول في تلك الأيام: "آه لو تسنح لي فرصة أخرى لعرفت ماذا أفعل".

كان لحسين عوني باشا مزاياه، كما كانت له عيوبه، كان يثق بنفسه كثيراً، وكان يظن أنه يعرف ما لا يعرفه أحد.. أقبل القول بأنه جيد كجندي، ولكنه كرجل دولة كان سيئاً بعدم تبصره وكثرة كلامه وغروره، ولكني أعرف أنه حتى تاريخ إرساله إلى المنفى كان رجلاً شريفاً، إن أسباب الحاجة والآلام التي قاساها في منفاه أوقعته في غفلة البحث عن الشرف، وكان هذا محور سوء حظه.

كنا نسمع أنه كان في ضيق وحرمان أثناء مقامه في أسبرطه، وكان عمي يسمع مثلنا بهذا، وأظن أن هذا أثّر في عمي، فرق له، وصفح عنه، وأذن له بالعودة إلى استانبول، ليس هذا فحسب، بل عيّنه والياً على إيدين في الأناضول.

طلب حسين عوني باشا السفر إلى أوروبا للاستشفاء، حيث العيون المعدنية ؛ لأنه يعاني من المرض الذي أصيب به أثناء مقامه في المنفى ، والذي استمر مدة أحد عشر شهراً، وسافر.

صفح السلطان عن سر عسكره السابق، ولكن السر عسكر السابق لم يصفح عن سلطانه! كان حسين عوني باشا يعيش وهو يدفن حقده، وكان يعمل كل ما في وسعه دون أن يطلع عليه أحد عما ينوي فعله، وعندما سافر إلى أوروبا طرق أبواب رجال الحكم هناك أكثر من ذهابه إلى المياه المعدنية وأثناء سفره إلى فرنسا وإنكلترا ارتمى في أحضان الإنكليز.

لا أعرف كيف حدث هذا؟ هل اتصل حسين عوني بالسفارة الإنجليزية وقت أن كان هنا؟ أم أن الخارجية الإنكليزية أحسّت بهمهمات حقده عندما وصل هناك فأوقعته في المصيدة؟ لا أدري، وإنما بعد فترة من الزمن أخبرني سفيرنا في لندن موسوروس باشا أن حسين عوني باشا تقاضى مالاً كثيراً من يد أجنبية في إنكلترا، ولم يعلم سفيرنا بهذا إلا في وقت متأخر جداً، وعندما وصل إلي الخبر كان حسين عوني باشا قد مات، ولكن مسألة أن قائداً عثمانياً يقبل نقوداً من دولة أجنبية لم يكن عملاً يستهان به. وقفت طويلاً أمام هذه المسألة باهتمام " .

وتحت عنوان مثير يقول السلطان عبدالحميد :

"وزيري الأعظم ( مدحت باشا ) وقائد جيشي، عميلان لأعدائي" :

كانت الهدايا القيمة التي قدمها سواء للقصر أم لأصدقائه المقربين، بعد عودته من أوروبا، تفوق كثيراً قدرة مدحت باشا حديث العودة من المنفى ، الذي قاسى فيه الفقر والحرمان، تلك الأيام لم تغب عن عيناي، وأنا إلى الآن ما زلت مندهشاً متسائلاً: كيف لم يلحظ المرحوم عمي هذا؟ رغم أن الباشا قدم له شمعداناً ثنائياً مرصعاً على القيمة تاريخياً، واشتراه من باريس بثلاثة آلاف ذهباً ليهديه إلى السلطان، علمت بعد ذلك أن تحقيقاً تم في أمر هذا الشراء، أبلغني موسوروس باشا بهذا، وكان مدحت باشا وقتها صدراً أعظم، وكان حسين عوني باشا رفيقاً لمدحت باشا ، واشتركا معاً في إنزال عمي عن عرشه". مدحت باشا أيضاً مثل حسين عوني باشا، اتبع سياسة مؤيدة للإنكليز، وكان دائماً يفصح عن ثقته في الإنكليز.



ويقول السلطان عبدالحميد : " كنت أعلم أن كمال بك وضياء بك ورشدي باشا وآخرين من رفاقهم يجتمعون كل مساء في قصر مدحت باشا يعاقرون الخمر ويتحدثون، وذات مرة قال مدحت باشا: ليس في الأسرة المالكة العثمانية خير يرجى، ولم يبق إلا الاتجاه نحو الجمهورية تُرى كيف يمكن هذا؟ إن عدة أشخاص مثلكم يفهمون المسألة الآتية: يوجد في العالم حتى الآن بآل عثمان، ماذا يحدث لو ظهر ما يسمى بآل مدحت ! " .

وقد كان السلطان عبدالحميد يعرف أن لإنكلترا دوراً في كل هذه المؤامرات ، وفي جراءة مدحت باشا على شخصه، فلم يكتف مدحت باشا بإثارة ما أثار من مشاكل، فهو من ناحية يريد خلق أزمة في السراي، ومن ناحية أخرى يريد الزج بالبلاد في أتون الحرب، وقد حاول سن بعض الأعمال التي لا يتصورها العقل ؛ مثل تعيين الولاة من الأقلية ( النصارى والأرمن ) في ولايات الأغلبية فيها مسلمون، وقبول طلبة من ( الروم ) في المدرسة الحربية التي هي عماد الجيش.. أعمال كهذه يمكن أن تؤدي -معاذ الله- إلى تقويض الدولة من أساسها".

ويضيف السلطان قائلاً: "كان الملك العثماني يهتز بشدة من أساسه بناء على هذا كله، كنت أرى أن الصدر الأعظم ( مدحت باشا ) يؤيد الإنكليز ويتعاون معهم، سواء بدافع من ماسونية ، أو بدافع من أسباب أخرى خاصة، ولم أعد أحتمل، فاستندت إلى صلاحياتي في القانون الأساسي وعزلته عن الصدارة العظمى ( رئاسة الوزراء ) وأبعدته خارج الحدود".

بعض أفكار جمعية " الاتحاد والترقي " التي تعاونت مع العدو في إلغاء الخلافة :

" وأخذتْ هذه الجماعة تعمل على بث دعوتها سراً، ونشر أفكارها عن طريق الجيش، وبرز من بين روادها مسيحيون وألبانيون وأكراد وأتراك، أمثال إسحق سكوتي، وشركس محمد رشيد، وعبدالله جودت، وأصدرت في جنيف مجلة "عثمانلي" لبث أفكارها واستقطاب المؤيدين، وقد تأثرت بأفكار الثورة الفرنسية التي مر عليها مائة عام في عام 1889م ، وهو العام الذي شكلت فيه الجمعية " .

الوفد الذي قابل السلطان عبدالحميد لخلعه :

" في هذه الأثناء استدعي رئيس الوزراء توفيق باشا إلى المجلس لإبلاغ القرار للخليفة، ولكنه اعتذر ، فانتخب الاتحاديون وفداً مؤلفاً من الفريق البحري عارف حكمت الكرجي ، وآرام أفندي الأرمني، وعمانوئيل قراصو اليهودي نائب سلانيك ، وأسعد طوبطاني الأرناؤوطي، ودخل الوفد على السلطان عبدالحميد ، فوجدوه واقفاً وكأنه بانتظارهم هادئ الأعصاب متزناً، فقرأ الفتوى الفريق عارف حكمت أمامه ، فأجابه السلطان الخليفة: ( ذلك تقدير العزيز العليم ) . فتقدم أسعد طوبطاني وقال له: لقد عزلتكم الأمة، فغضب السلطان عبدالحميد وقال: تقصد الأمة خلعتني لا بأس، ولكن لماذا جئتم بهذا اليهودي ( يقصد قراصوا ) إلى مقام الخلافة؟ " .

" وفي عام 1328هـ أرسل إلى سلانيك مع نسائه وأولاده وبعض المرافقين والخدم، وبقي هناك تحت حراسة الاتحاديين ، وفي مقر يملكه أحد اليهود ! " .


 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية