الحمد لله رب أعن ويسر
لعل من أشد ما نحتاجه اليوم في
التعامل مع بعضنا بعضًا خلق الإنصاف الذي يعني: إدراكاً متكاملا لما عند
الآخرين من حسنات وميزات ، ولما يعانونه من مشكلات ، ولما يعيشون فيه من ظروف
مختلفة . ـ فهو يقتضي ـ : ذكر محاسن الشخص ومثالبه عند الحاجة إلى تقويمه .
والمنصف هو الذي: يدرك حقيقة أحوال البشر إدراكاً مناسباً ، لأن أحوال البشر
وأفكارهم وأمزجتهم على درجة عالية جداً من التعقيد والتنوع ، فالمنصف هو الذي
يدرك هذه الحقيقة ، ثم يملك القدرة على التعامل معها كما ينبغي
.
( مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي د/ عبد الكريم
بكار) بتصرف
ذكر ابن عبد البر بسنده في (جامع العلم 1/531)
عن محمد بن كعب القرظي قال: سأل رجل علياً رضي الله عنه عن مسألة ، فقال فيها
،
فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين ؛ ولكن كذا وكذا . فقال علي رضي الله
عنه:
أصبتَ وأخطأتُ !!.
كم هي بالفعل ثقيلة هذه الكلمة على من
لم يوطّن نفسه على الإنصاف ، هذا الخُلق الذي عزّ وجوده في هذه الأزمنة
المتأخرة ، وقد الإمام مالك ـ رحمه الله ـ من قبل :
ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف !!
وقال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ أيضًا:
فقد صرنا في وقت لا يقدر الشخص على
النطق بالإنصاف ، نسأل الله السلامة .
وقال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في (الأخلاق والسير) :
واضع الكلام في موضعه ... أعز من الكبريت الأحمر!!.
فكيف بنا نحن في هذا الزمن الذي علت فيه أصوات البغي بقصد الأذى ، أو الحسد ؛
ماذا نقول ؟؟
يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في
(الفتاوى 14/482-483) :
وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف
بين هذه الأمة علمائها وعبادها و أمرائها و رؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب
الذي هو البغي: بتأويل أو بغير تأويل ، كما بغت الجهمية على المستنَّة في
محنة الصفات و القرآن... و كما بغت الرافضة على المستنَّة مرات متعددة ، وكما
بغت الناصبة على علي و أهل بيته ، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة ، وكما
قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم ، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما
أمر الله به . وهو الإسراف المذكور في قولهم :{ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا
في أمرنا} أ.هـ
وغالباً ما يكون هذا النوع من البغي
عند الذين لا يستطيعون المواجهة ، فتراهم يصخبون في المجالس بلمز هذا أو ذاك
= بقصد الاشتهار ، أو بقصد الإطاحة بالغير ، أو بقصد الإصلاح والبيان .....
زعموا !!
وإن تعجب فعجبْ لفعلهم : فبعض هؤلاء
في أوقات كثيرة ، حتى لو تبين له خطؤه لم يتخلى عنه !!
ولو أنصف مع نفسه والناس لما تردد وقال: {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في
أمرنا} وقال: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في
قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم}
الإنصاف في هذا الزمن أصبح وجوده أعز من الكبريت الأحمر ، وللأسف حتى من بعض
المنتسبين للعلم وأهله !
يقول ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في (جامع العلم 1/530) :
من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ،
ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم . أ.هـ
وهذا ما حصل بالفعل فبعضهم لم يسعه الخلاف ، ولم يحترم الآراء ، ولم يقدر
وجهات النظر ، فأخذ يعدل ويجرح ، ويعادي ويوالي ، ولو أنصف لطلب بيان ما
استشكل ، وعلم أن الخلاف في بعض المسائل له حظ من النظر .
ومن ضاقت به السبل ولم يسعه الخلاف ، فباب الأعذار مفتوح المصراعين ، ومن
التمس العذر لأخيه وجده.
(( ما حملك يا حاطب على ما صنعت ))
((يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد
وجبت لكم الجنة )) .
ومن رام البقاء في الدنيا ، من غير وجود مخالف له في مسألة ما ، فقد طلب
المستحيل ...... (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
لا يخلو الإنسان من ضد ولو ............ حاول العزلة في رأس الجبل
معرفة الإنسان لتفاوت العقول ، وحتمية الخلاف ، مع فهمه لطبيعة الحياة = كل
ذلك يجعله حتماً : منصفاً في أحكامه
وأرائه ، ومن لم يتعامل مع الناس بإنصاف ، فَقَدَ مودتهم له ، ولم يكسب ثقتهم
، بخلاف ما لو كان منصفاً ، لأن الإنصاف يقتضي العدل مع الناس ، والاعتراف
بفضلهم إذا أحسنوا ، وتقويم خطئهم بلا إسراف .. {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:
وليعلم انه ليس أحد من الأئمة
المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شيءٍ من سنته، دقيق وجليل، فإنهم متفقون اتفقا يقينيا على وجوب اتباع
الرسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله
ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد
جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه.
#
الإنصاف مع المخالفين حتى ولو كان خطأهم بينًا واضحًا: ( الإمام الذهبي رحمه
الله في السير )
(
وإنصاف الخصوم بذكر محامدهم ومناقبهم
ليس بالأمر اليسير على النفس البشرية ؛ إذ إن عين السخط لا ترى إلا في اتجاهٍ
واحد!!) [فصول في التفكير الموضوعي د/
عبد الكريم بكاّر]
يقول
ـ رحمه الله ـ في ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي :
وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع ،
فإنه مدلس معروف بذلك ، وكان يرى القدر، نسأل الله العفو. ومع هذا فما توقف
أحد في صدقه ، وعدالته ، وحفظه ، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد
بها تعظيم الباري وتنـزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا
يسأل عما يفعل . ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق
، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زللـه ، ولا
نضلله ونطرحه ، وننسى محاسنه.
نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك .
يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان ، الخليفة الأموي، قلت: كان قويًّا شجاعا، ذا
رأى وحزم، وفطنة وفصاحة وله شعر جيد ، وكان ناصبيا ، فظًا غليظًا، جلفًا.
يتناول المسكر، ويفعل المنكر، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها
بواقعة الحرة، فمقته الناس.
ـ
ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه.
ـ
له على هنا ته حسنة، وهي غزو القسطنطينية كان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي
أيوب الأنصاري.
ـ
أبو عبيدة الإمام العلامة البحر معمر بن المثنى التيمي- صاحب- (غريب الحديث).
ـ
قلت: قد كان هذا المرء من بحور العلم، ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله ،
ولا العارف بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا البصير بالفقه واختلاف
أئمة الاجتهاد.
ـ
الحجاج يقول عنه: له حسنات مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله. وله توحيد في
الجملة.
ـ
الواقدى محمدبن عمر بن واقد الأسلمي. صاحب التصانيف والمغازي، العلامة الإمام
أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه.
جمع، فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخَرَزَ بالدر الثمين فاطروحوه لذلك، ومع
هذا فلا يستغني عنه في المغازي، وأيام الصحابة وأخبارهم.
ـ
القفال الشاشى الشافعي. قال أبو الحسن الصفَّار سمعت أبا سهل، سئل عن تفسير
أبي بكر القفال، فقال: قدسه من وجه ودنسه من وجه 0
أي: دنسه بالاعتزال.
قلت:.... الكمال عزيز، وإنما يمدح العالم بكثرة ماله من الفضائل، فلا تدفن
المحاسن لورطة، ولعله رجع عنها. وقد يُغفر له باستفراغه الوسع في طلب الحق.
ـ
الغزالي الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان. أبو حامد محمد بن
أحمد الطوسي الشافعي الغزالي صاحب التصانيف والذكاء المفرط.
ذكر الذهبي بعض الهفوات لأبي حامد- ثم قال: الغزالي إمام كبير، وما من شرط
العالم أن لا يخطئ.
فرحم الله الإمام أبا حامد ، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لا ندعى عصمته
من الغلط والخطأ).
الذهبي يُدبِّجْ قاعدة:
(
وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل
)
ملخص
لأسباب الخروج عن الإنصاف ، للإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ
في كتابه ( أدب الطلب ومنتهى الأرب ص:91ـ 178) :
يقول رحمه الله :
واعلم أن أسباب الخروج عن دائرة
الإنصاف ، والوقوع في موبقات التعصب كثيرة جدا:
1ـ
فمنها وهو أكثرها وقوعاً وأشدها بلاءً : أن ينشأ طالب العلم في بلد من
البلدان التي قد تمذهب أهلها بمذهب معيّن ، واقتدوا بعالم مخصوص . وهذا الداء
قد طـبّق في بلاد الإسلام وعم أهلها ، ولم يخرج عنه إلا أفراد ......
2ـ
ومن جملة الأسباب التي يتسبب عنها ترك الإنصاف ويصدر عنها البعد عن الحق وكتم
الحجة وعدم ما أوجبه الله من البيان : حب الشرف والمال اللذين هما أعدى على
الإنسان ذئبين ضاريين ، كما وصف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا
هو السبب الذي حرَّف به أهل الكتاب كتب الله المنزلة على رُسله ، وكتموا ما
جاءهم فيها من البينات والهدى كما وقع من أحبار اليهود.......
3ـ
ومنها ما يقع بين أهل العلم من الجدال
والمراء ، فإن الرجل قد يكون له بصيرة وحسن إدراك ومعرفة بالحق ورغوب إليه
فيخطئ في المناظرة ويحمله الهوى ومحبة الغلب وطلب الظهور على التصميم على
مقاله ، وتصحيح خطئه ، وتقويم معوجه بالجدال والمراء . وهذه الذريعة
الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وقع بها من وقع في مهاوٍ من التعصبات ومزالق
من التعسفات عظيمة الخطر مخوفة العاقبة . وقد شاهدنا من هذا الجنس ما يقضي
منه العجب......!!!
قلت: وشاهدنا نحن أيضاً من هذا الجنس
ما يقضي منه العجب !!!
4ـ
ومن الأسباب المقتضية للتعصب: أن يكون بعض سلف المشتغل بالعلم قد قال بقول
ومال إلى رأي ، فيأتي هذا الذي جاء بعده فيحمله حب القرابة على الذهاب إلى
ذلك المذهب والقول بذلك القول ، وإن كان يعلم أنه خطأ ، وأقل الأحوال إذا لم
يذهب إليه أن يقول فيه أنه صحيح ويتطلب له الحجج ويبحث عما يقوّيه وإن كان
بمكان من الضعف ومحل من السقوط ، وليس له في هذا حظ ولا معه فائدة ، إلاّ
بمجرد المباهاة لمن يعرفه والتزيّن لأصحابه بأنه في العلم معرق وإن بيته قديم
فيه.........
5-
ومن آفات التعصب الماحقة لبركة العلم أن يكون طالب العلم قد قال بقول في
مسألة كما يصدر ممن يفتي أو يصنف
أو يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عنه فإنه قد يصعب عليه الرجوع عنه إلى ما
يخالفه وإن علم أنه الحق وتبين له فساد ما قاله..........
6-
ومن الآفات المانعة عن الرجوع إلى الحق أن يكون المتكلم بالحق حدث السن
بالنسبة إلى من يناظره أو قليل العلم أو الشهرة في الناس ، والآخر بعكس ذلك
فإنه قد تحمله حمية الجاهلية والعصبية الشيطانية على التمسك بالباطل أنفةً
منه
عن الرجوع إلى قول من هو أصغر منه سناً أو أقل منه علماً أو أخفى شهرة ظنّاً
منه أن في ذلك عليه ما يحط منه وينقض
ما هو فيه...........
7-
ومن أسباب الوقوع في غير الإنصاف والتمسك بذيل من الاعتساف. أن يأخذ طالب
الحق أدلة المسائل من مجاميع الفقه التي يعتزي مؤلفها إلى مذهب من المذاهب.
فإن من كان كذلك يُبالغ في إيراد أدلة مذهبه ويُطيل ذيل الكلام عليها ويصرح
تارة بأنها أدلة. وتارة بأنها حجج. وتارة بأنها صحيحة. ثم يطفف لخصمه المخالف
فيورد أدلته بصيغة التمريض. ويعنونها بلفظ الشبه........
8-
ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما
يقع من المنافسة بين المتقاربين في الفضائل أو في الرئاسة الدينية أو
الدنيوية ، فإنه إذا نفخ الشيطان في أنفهما وترقت المنافسة بلغت إلى حد يحمل
كل واحد منهما على أن يرد ما جاء به الآخر إذا تمكن من ذلك وإن كان صحيحاً
جارياً على منهج الصواب. وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها
جماعة من أهل العلم صنيع أهل الطاغوت. وردوا ما جاء به بعضهم من الحق وقابلوه
بالجدال الباطل والمراء القاتل.....!!!
قلت: وقد رأينا وسمعنا نحن أيضاً من هذا القبيل عجائب وغرائب.....!!!
قال الإمام الذهبي رحمه الله : استفق ، ويحك ، وسل ربك العافية ، فكلام
الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب ، وقع فيه سادة ، فرحم الله الجميع .
#
العلم رحم بين أهله.
ذكر ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في
(جامع العلم 2/1093) بسنده عن عبد العزيز بن أبي حازم قال:
سمعت أبي يقول:
العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان
ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يَزْهُ
عليه حتى كان هذا الزمان فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى
يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويزهى على من هو دونه
فهلك الناس .
قال أبو عمر – رحمه الله - :
قد غلط فيه كثير من الناس ، وضلت فيه
نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب أن من صحَّت
عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه إلى
قول أحد إِلاَّ أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته على طريق
الشهادات ، والعمل فيها من المشاهدة
والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قال لبراءته من الغل والحسد والعداوة
والمنافسة ، وسلامته من ذلك كله ، فذلك كله يوجب قبول قوله من جهة الفقه
والنظر ، وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ولا صحَّت – لعدم الحفظ
والإتقان – روايته ، فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ، ويجهتد في
قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه ، والدليل على أنه لا يقبل فيمن
اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً في الدين قول أحد من الطاعنين: إن
السلف رضي الله عنهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير منه في حال الغضب ،
ومنه ما حمل عليه الحسد ، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم المقول فيه ما
قال القائل فيه ، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً ، لا يلزم
تقليدهم في شيءٍ منه دون برهان وحجة توجبه .
#
هذه أوصاف بعض أهل هذا الزمان !!
قال الإمام الخطابي ـ رحمه الله ـ في (العزلة ص162ـ 163) :
وسأفيدك فائدةً يا أخي يَجِلُّ نفعُها ويعظم عائدتها ، وما أقولها إلا عن
ودٍّ لك ، وشفقةٍ عليك ؛ فإن البلوى في معاشرة أهل زمانك عظيمة ، فاستعن بها
على ما يلقاك من أذاهم ؛ فإنك لا تخلو من قليله وإن سلِمتَ من كثيره ؛ وذلكَ
أنك قد ترى الواحد بعد الواحد منهم يتكالبُ على الناس ، ويتسَفَّهُ على
أعراضهم ، وينبح فيها نباح الكلب ، فيهمُّك من شأنه ما يهمُّك ، ويسوءك منه
ما يسوءك ، إلا أنْ يكون رجلاً فاضلاً يُرجى خيره ويؤمن شرُّه، فيطول في أمره
فكرك، ويدوم به شغل قلبك .
فأزح هذا العارض عن نفسك بأن تعده على الحقيقة كلبا خِلْقَة ، وزد به في عدد
الكلاب واحداً. ولعلك قد مررت مرة من المَرِّ بكلب من الكلاب ينبح ويعوي ،
وربما كان أيضاً قد يساور ويعقر ، فلم تحدِّثْ نفسك في أمره بأن يعود إنساناً
ينطقُ ويسيح ، فلا تتأسف له ألاَّ يكون دابة تُركب أو شاة تحلب ، فاجعل هذا
المتكلِّب كلباً مثله ، واسترح من شغله ، واربح مؤونة الفكر فيه.
وكذلك فليكن عندك منزلة من جهل حقك وكَفَرَ معروفك ، فاحسبه حماراً ، أوزد به
في عدد العانة (يعني: القطيع من حمر الوحش) واحداً ، فبمثل هذا تتخلص من آفة
هذا الباب وغائلته ، والله المستعان .
جعلني الله وإيّاكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه وليُ ذلك
والقادر عليه .
إخواني رواد هذا الملتقى المبارك لا تبخلوا عليّ بما لديكم من ملاحظات
ومعارضات وتعليقات إثراءً للموضوع وتتميماً للفائدة. وسلامتكم .
أخوكم/ أبو حاتم
ملتقى أهل الحديث