الحمد لله رب العالمين والصلاة على النبي الآمين وبعد
أخواني يا من وحد الله وآمن به وبرسوله أننا في فتن عظيمة فهناك من أصاب ومن
اخطأ ومن باع دينه بعرض من الدنيا وهي الفتن التي يصبح الرجل فيها مؤمن ويمسي
كافر ويمسي مؤمن ويصبح كافر وقد ظلم الناس أنفسهم كثيرا وأسرفوا في ظلمهم فما
تسمع إلا بهتان وان أصاب فهي الغيبة وكلاهما محرم كما جاء في الحديث الصحيح
الذى رواه مسلم وغيره من حديث ابى هريره رضى الله عنه أنه قيل يا رسول الله
ما الغيبة قال {ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن
كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته }
فكم من عالم اغتابه الناس في هذه الفتنه وكم من جاهل أفتى بغير علم لا أطيل
عليكم وأترككم مع كتاب الله وسنة نبيه ففيهما ما يغني عن كلامي :
قال تعالى:
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا
أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ
مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ } العنكبوت2
استفهام إنكار ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين
بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح "أشد الناس بلاء الأنبياء
ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه
صلابة زيد له في البلاء" وهذه الآية كقوله: "أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم
الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" ومثلها في سورة براءة وقال في البقرة
"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر
الله قريب".
{ وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ
فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ
وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}
المائدة 71
يقول تعالى حاكما بتكفير فرق النصارى: من الملكية واليعقوبية والنسطورية ممن
قال منهم بأن المسيح هو الله تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوا كبيرا هذا
وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في
المهد أن قال إني عبد الله ولم يقل إني أنا الله ولا ابن الله بل قال" إني
عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا" إلى أن قال" إن الله ربي وربكم فاعبدوه
هذا صراط مستقيم" وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمرا لهم بعبادة الله
ربه وربهم وحده لا شريك له ولهذا قال تعالى" وقال المسيح يا بني إسرائيل
اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله" أى فيعبد معه غيره" فقد حرم الله
عليه الجنة ومأواه النار" أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنه كما قال
تعالى" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقال تعالى"
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنه أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله
قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" وفى الصحيح أن النبي- صلى الله عليه
وسلم- بعث مناديا ينادي في الناس إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وفى لفظ
مؤمنة وتقدم في أول سورة النساء عند قوله "إن الله لا يغفر أن يشرك به" حديث
يزيد بن بابنوس عن عائشة: الدواوين ثلاثة فذكر منهم ديوانا لا يغفره الله وهو
الشرك بالله قال الله تعالى" من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة" والحديث
في مسند أحمد ولهذا قال تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل إنه من
يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" أي
وماله عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه.
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ
تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ }الانفال 25
حذر تعالى عباده المؤمنين فتنة أي اختبارا ومحنة يعم بها المسيء وغيره لا يخص
بها أهل المعاصي ولا من باشر الذنب بل يعمها لم تدفع وترفع كما قال الإمام
أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد بن سعيد حدثنا غيلان بن جرير
عن مطرف قال: قلنا للزبير يا أبا عبدالله ما جاء بكم! ضيعتم الخليفة الذي قتل
ثم جئتم تطلبون دمه؟ فقال الزبير رضي الله عنه: إنا قرأنا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم "واتقوا فتنة لا
تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" لم نكن نحسب أنَّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت
وقد رواه البزار من حديث مطرف عن الزبير وقال: لا نعرف مطرفا روي عن الزبير
غير هذا الحديث وقد روى النسائي من حديث جرير بن حازم عن الحسن عن الزبير نحو
هذا وقد روى ابن جرير حدثني الحارث حدثنا عبدالعزيز حدثنا مبارك بن فضالة عن
الحسن. قال: قال الزبير لقد خوفنا يعني قوله تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن
الذين ظلموا منكم خاصة "ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ظننا أنا
خصصنا بها خاصة وكذا رواه حميد عن الحسن عن الزبير رضي الله عنه وقال داود بن
أبي هند عن الحسن في هذه الآية قال نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله
عنهم وقال سفيان الثوري عن الصلت بن دينار عن عقبة بن صهبان سمعت الزبير
يقول: لقد قرأت هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب".
وقد روي من غير وجه عن الزبير بن العوام وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة
فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى
"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" يعني أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم خاصة. وقال في رواية له عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله
المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب وهذا تفسير
حسن جدا ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا
منكم خاصة" هي أيضا لكم وكذا قال الضحاك ويزيد بن أبي حبيب وغير واحد وقال
ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة إن الله تعالى يقول "إنما
أموالكم وأولادكم فتنة" فأيكم أستعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن رواه ابن
جرير والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم وإن كان الخطاب معهم هو
الصحيح ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ولذلك كتاب مستقل
يوضح فيه إن شاء الله تعالى كما فعله الأئمة وأفردوه بالتصنيف ومن أخص ما
يذكر ههنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أحمد بن الحجاج أخبرنا عبدالله
يعني ابن المبارك أنبأنا سيف بن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يقول:
حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يعني عدي بن عميرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول "إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر
بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله
الخاصة والعامة" فيه رجل متهم ولم يخرجوه في الكتب الستة ولا واحد منهم والله
أعلم. "حديث أخر" قال الإمام أحمد حدثنا سليمان الهاشمي حدثنا إسماعيل يعني
ابن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمر عن عبدالله بن عبدالرحمن الأشهل عن حذيفة بن
اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لتأمرن
بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم
لتدعنه فلا يستجيب لكم". ورواه عن أبي سعيد عن إسماعيل بن جعفر وقال "أو
ليبعثن الله عليكم قوما ثم تدعونه فلا يستجيب لكم". وقال الإمام أحمد: حدثنا
عبدالله بن نمير قال حدثنا زر بن حبيب الجهني حدثني أبو الرقاد قال: خرجت مع
مولاي فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد
الواحد أربع مرات لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتحاضن على الخير أو
ليسحتكم الله جميعا بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب
لهم. "حديث آخر" قال الإمام أحمد أيضا: حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا حدثنا
عامر رضي الله عنه قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه يخطب يقول - وأومأ
بأصبعيه إلى أذنه يقول: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمداهن فيها
كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها وأصاب بعضهم أعلاها
فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا لو
خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وأمرهم هلكوا
جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا. انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم
فرواه في الشركة والشهادات والترمذي في الفتن من غير وجه عن سليمان بن مهران
الأعمش عن عامر بن شراحيل الشعبي به. "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا حسين
حدثنا خلف بن خليفة عن ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد عن أم سلمة
زوح النبي صلى الله عليه وسلم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده" فقلت يا رسول الله أما
فيهم أناس صالحون؟ قال "بلى" قالت فكيف يصنع أولئك؟ قال "يصيبهم ما أصاب
الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان". "حديث آخر" قال الإمام أحمد
حدثنا حجاج بن محمد حدثنا شريك عن أبي إسحق عن المنذر بن جرير عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من قوم يعملون بالمعاصي وفيهم رجل أعز
منهم وأمنع لا يغيره إلا عمهم الله بعقاب أو أصابهم العقاب". ورواه أبو داود
عن مسدد عن أبي الأحوص عن أبي إسحق به. وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا إسحق يحدث عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن
يعملون ثم لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب". ثم رواه أيضا عن وكيع عن إسرائيل
وعن عبدالرزاق عن معمر وعن أسود عن شريك ويونس كلهم عن أبي إسحق السبيعي به
وأخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع به وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان
حدثنا جامع بن أبي راشد عن منذر عن الحسن بن محمد عن امرأته عن عائشة تبلغ به
النبي صلى الله عليه وسلم "إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأهل الأرض
بأسه" فقلت وفيهم أهل طاعة الله؟ قال "نعم ثم يصيرون إلى رحمة الله".
{ أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ
يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ
وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } التوبة
126
يقول تعالى أَوَ لا يرى هؤلاء المنافقون " أنهم يفتنون " أي يختبرون " في كل
عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون " أي لا يتوبون من ذنوبهم
السالفة ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم قال مجاهد: يختبرون بالسنة
والجوع. وقال قتادة: بالغزو في السنة مرة أو مرتين. وقال شريك عن جابر عن
الجعفي عن أبي الضحى عن حذيقة في قوله " أو لا يرون أنكم يفتنون في كل عام
مرة أو مرتين " قال كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين فيضل بها فئام من
الناس كثير رواه ابن جرير. وفي الحديث عن أنس: لا يزداد الأمر إلا شدة ولا
يزداد الناس إلا شحا وما من عام إلا والذي بعده شر منه. سمعته من نبيكم صلى
الله عليه وسلم.
{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد ٍ}
الحج 53
" ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن
الظالمين لفي شقاق بعيد " فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب
المشركون بضلالتهم وعداوتهم المسلمين واشتدوا عليهم وهذا أيضا مرسل وفي تفسير
ابن جرير عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه وقد
رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه دلائل النبوة فلم يجز به موسى بن عقبة
ساقه من مغازيه بنحوه قال وقد رواه عن أبي إسحاق هذه القصة " قلت "وقد ذكرها
محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا وكلها مرسلات ومنقطعات والله أعلم وقد
ساقها البغوي في تفسره مجموعة من كلام ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما
بنحو من ذلك ثم سأل ههنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله
تعالى لرسوله صلاة الله وسلامه عليه ثم حكى أجوبة عن الناس من ألطفها أن
الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وليس كذلك في نفس الأمر بل.إنما كان من صنيع الشيطان لا عن رسول
الرحمن والله أعلم. وهكذا تنوعت أجوبة المتكلمين عن هذا بتقدير صحته وقد تعرض
القاضي عياض رحمه الله في كتاب الشفاء لهذا وأجاب بما حاصله أنها كذلك
لثبوتها وقوله " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " هذا فيه تسلية من
الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه أي لا يهيدنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك
من المرسلين والأنبياء قال البخاري قال ابن عباس " في أمنيته " إذا حدث ألقى
الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان " ثم يحكم الله آياته " قال علي
بن أبي طلحة عن ابن عباس " إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " يقول إذا حدث
ألقى الشيطان في حديثه وقال مجاهد " إذا تمنى " يعني إذا قال يقال أمنيته
قراءته " إلا أماني " يقرءون ولا يكتبون قال البغوي وأكثر المفسرين قالوا
معنى قوله " تمنى " أي تلا وقرأ كتاب الله " ألقى الشيطان في أمنيته " أي في
تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
وقال الضحاك " إذا تمنى " إذا تلا قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام
وقوله " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " حقيقة النسخ لغة:الإزالة والرفع قال
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي فيبطل الله سبحانه وتعالى ما ألقى الشيطان
وقال الضحاك نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وقوله "
والله عليم " أي بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية " حكيم " أي
في تقديره وخلقه وأمره له الحكمة التامة والحجة البالغة ولهذا قال " ليجعل ما
يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض " أي شك وشرك وكفر ونفاق كالمشركين
حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله وإنما كان من الشيطان قال ابن
جريج " الذين في قلوبهم مرض " هم المنافقون " والقاسية قلوبهم " هم المشركون
وقال مقاتل بن حيان هم اليهود " وإن الظالمين لفي شقاق بعيد " أي في ضلال
ومخالفة وعناد بعيد أي من الحق والصواب.
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ
اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ
أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
الحج 11
قال مجاهد وقتادة وغيرهما على حرف على شك وقال غيرهم على طرف ومنه حرف الحبل
أي طرفه أي دخل في الدين على طرف فإن وجد ما يحبه استقر وإلا انشمر وقال
البخاري حدثنا إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إسرائيل عن
أبي الحصين عن سعد بن جبير عن ابن عباس " ومن الناس من يعبد الله على حرف "
قال كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلام ونتجت خيله قال هذا صالح
وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء وقال ابن أبي حاتم حدثنا
علي بن الحسين حدثنا أحمد بن عبدالرحمن حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق
القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان ناس من
الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم
فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا إن ديننا هذا لصالح تمسكوا
به وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا ما في ديننا هذا خير
فأنزل الله على نبيه " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن
به " الآية وقال العوفي عن ابن عباس: كان أحدهم إذا قدم المدينة وهم أرض دونه
فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما رضي به واطمأن إليه
وقال ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيرا " وإن أصابته فتنة " والفتنة
البلاء أي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه
الشيطان فقال والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرا وذلك الفتنة وهكذا
ذر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية وقال
عبدالرحمن بن زيد بن أسلم هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة وإن
فسدت عليه دنياه وتغيرت انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه فإن
أصابته فتنة أو شدة أو اختيار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر وقال مجاهد في
قوله " انقلب على وجهه " أي ارتد كافرا وقوله " خسر الدنيا والآخرة " أي فلا
هو حصل من الدنيا على شيء وأما الآخر فقد كفر بالله العظيم فهو فيها في غاية
الشقاء والإهانة ولهذا قال تعالى " ذلك هو الخسران المبين " أي هذه هي
الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة.
{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ
يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ
يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ
يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
الاعراف27
{ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً
لِّلظَّالِمِينَ }
الصافات 63
عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يوشك أن
يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من
الفتن«
رواه البخاري
عن أم سلمة قالت: «استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله ماذا
أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن«.
رواه البخارى
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم
من آطام المدينة فقال: «هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا. قال: فإني لأرى الفتن تقع
خلال بيوتكم كوقع القطر« رواه البخارى
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ستكون
فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها
خير من الساعي، ومن تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به«
رواه البخارى
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى يقبض
العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج ـ وهو القتل
القتل ـ حتى يكثر فيكم المال فيفيض« رواه البخاري
قال حذيفة بن اليمان: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة، فيما بيني
وبين الساعة. وما بي إلا أن يكون رسول الله أسر إلي في ذٰلك شيئا، لم يحدثه
غيري. ولـكن رسول الله قال، وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن. فقال رسول الله
، وهو يعد الفتن: «منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا. ومنهن فتن كرياح الصيف. منها
صغار ومنها كبار «قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري رواه مسلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم
وفروجكم ومضلات الفتن« رواه احمد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون فتن، ثم تكون فتن، ألا
فالماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا والقاعد فيها خير من القائم فيها، ألا
والمضطجع فيها خير من القاعد، ألا فإذا نزلت فمن كانت له غنم فليلحق بغنمه،
ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بإبله، فقال
رجل من القوم: يا نبي الله، جعلني الله فداءك، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض
ولا إبل كيف يصنع؟ قال: ليأخذ سيفه، ثم ليعمد به إلى صخرة، ثم ليدق على حده
بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت، إذ قال رجل:
يا نبي الله، جعلني الله فداءك، أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى
أحد الصفين،أو إحدى الفئتين، ـ عثمان يشك ـ فيجذفني رجل بسيفه فيقتلني ماذا
يكون من شأني؟ قال: يبوء بإثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار« رواه احمد
عن عبد الله بن عمر، يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قعودا، فذكر
الفتن، فأكثر ذكرها، حتى ذكر فتنة ألاحلاس، فقال قائل: يا رسول الله، وما
فتنة الأحلاس؟ قال: «هي فتنة هرب وحرب، ثم فتنة السراء، دخلها أو دخنها من
تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني، وليس مني، إنما ولي المتقون، ثم
يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحدا من هذه
الأمة إلا لطمته لطمة، فاذا قيل انقطعت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي
كافرا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا
إيمان فيه، إذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد« رواه ابو داود
عن حذيفة بن اليمان أنه قال:« يا رسول الله، إنا كنا في شر، فذهب الله بذلك
الشر، وجاء بالخير على يديك، فهل بعد الخير من شر؟ قال:نعم، قال:ما
هو؟قال:فتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضا، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر،
لا تدرون أيا من أي« رواه احمد
عن عبد الله بن دينار ، سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
، وأشار بيده نحو المشرق، فقال: «ها، إن الفتن من ههنا، إن الفتن من ههنا، إن
الفتن من ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان« موطأ مالك
عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص
وهو جالس في ظل الكعبة، فسمعته يقول: «بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سفر إذ نزل منزلا، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشرة، ومنا من
ينتضل، إذ نادى مناديه: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعنا. قال: فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم فخطبنا فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا دل أمته على ما
يعلمه خيرا لهم، ويحذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في
أولها، وإن آخرها سيصيبهم بلاء شديد، وأمور تنكرونها، تجيء فتن يرقق بعضها
لبعض، تجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف ثم تجيء الفتنة فيقول
المؤمن: هذه، ثم تنكشف، فمن سره منكم أن يزحزح عن النار، وأن يدخل الجنة،
فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن
يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده قلبه فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه
فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» قال: فأدخلت رأسي
من بين الناس فقلت أنشدك بالله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
؟ قال: فأشار بيده إلى أذنيه فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي قال: فقلت هذا ابن
عمك معاوية ـ يعني ـ يأمرنا بأكل أموالنا بيننا بالباطل وأن نقتل أنفسنا وقد
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} قال:
فجمع يديه فوضعهما على جبهته، ثم نكس هنية، ثم رفع رأسه فقال: أطعه في طاعة
الله، واعصه في معصية الله عز وجل« رواه احمد
عن أنس بن مالك ، عن رسول الله قال: «تكون بين يدى الساعة فتن كقطع الليل
المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع
أقوام دينهم بعرض الدنيا« السلسلة الصحيحة
عن أبي موسى ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أمتي هذه أمة مرحومة
ليس عليها عذاب في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل« رواه ابو
داود
عن أبي أمامة ، أن رسول الله قال: «من شر الناس منزلة عند الله، يوم القيامة،
عبد أذهب آخرته بدنيا غيره« رواه ابن ماجه
المخرج من الفتن
واليكم المخرج من تلك الفتن من كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن
جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }
الحجرات 6
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس
الأمر كاذبا أو مخطئا فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله عز وجل
عن اتباع سبيل المفسدين ومن هنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول
الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند
خبر الفاسق وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال وقد قررنا هذه المسألة في
كتاب العلم من شرح البخاري ولله تعالى الحمد والمنة وقد ذكر كثير من المفسرين
أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى
الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه
الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق وهو الحارث بن أبي ضرار والد
جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن
سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله
عنه يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت
فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إليهم
فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا
رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث
الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يبعث إليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من
الله تعالى ورسوله فدعا بسروات قومه فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من
رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف ولاأرى حبس رسوله إلا من سخطة فانطلقوا
بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار
الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه
حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا هذا الحارث فلما
غشيهم قال لهم إلى من بعثتم؟ قالوا إليك قال ولم؟ قالوا إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله
قال رضي الله عنه لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة
ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "منعت
الزكاة وأردت قتل رسولي؟" قال لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما
أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت
سخطة من الله تعالى ورسوله قال فنزلت الحجرات "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم
فاسق بنبأ- إلى قوله - حكيم" ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار
عن محمد بن سابق به ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به غير أنه سماه
الحارث بن سرار والصواب أنه الحارث بن ضرار كما تقدم وقال ابن جرير حدثنا أبو
كريب حدثنا جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة
رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في صدقات بني
المصطلق بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله قالت فرجع إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم فغضب رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمون قالت فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله
بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك وقرت به أعيننا ثم إنه رجع من بعض الطريق
فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فلم
يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال رضي الله عنه فأذن بصلاة العصر قالت ونزلت "يا
أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا
على ما فعلتم نادمين" وروى ابن جرير أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس رضي
الله عنهما في هذه الآية قال: كان رسول في الله صلى الله عليه وسلم بعث
الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وأنهم لما
أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لما
حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله
عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد
فقالوا يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا إنما
رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله وإن
النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في
الكتاب فقال "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا" إلى آخر الآية
وقال مجاهد وقتادة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني
المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك
زاد قتادة وأنهم قد ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا
فبعث عيونه فلمنا جاءوا اخبروا خالدا رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام
وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه فرأى الذي يعجبه
فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى هذه
الآية قال قتادة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "التثبت من الله
والعجلة من الشيطان" وكذا ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن
رومان والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في الوليد بن
عقبة والله أعلم.
{َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا
تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }
الحجرات12
يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأهل
والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا فليجتنب كثير منه
احتياطا وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا
تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا وقال
أبو عبدالله ابن ماجة حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان
الحمصي حدثنا أبي حدثنا عبدالله بن أبي قيس النضري حدثنا عبدالله بن عمر رضي
الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول "ما أطيبك
وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند
الله تعالى حرمة منك ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا" تفرد به ابن ماجة من هذا
الوجه وقال مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا
ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد
الله إخوانا" رواه البخاري عن عبدالله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى وأبو
داود عن العتبي عن مالك به وقال سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا
تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق
ثلاثة أيام" رواه مسلم والترمذي وصححه من حديث سفيان بن عيينة به وقال
الطبراني حدثنا محمد بن عبدالله القرمطي العدوي حدثنا بكر بن عبد الوهاب
المدني حدثنا إسماعيل ابن قيس الأنصاري حدثني عبدالرجمن بن محمد بن أبي
الرجال عن أبيه عن جده حارثة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة والحسد وسوء الظن" فقال رجل وما
يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال صلى الله عليه وسلم "إذا حسدت فاستغفر
الله وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض" وقال أبو داود حدثنا أبو بكر بن
أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد رضي الله عنه قال أتي ابن مسعود
رضي الله عنه برجل فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبدالله رضي الله
عنه إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به سماه ابن أبي حاتم
في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم حدثنا ليث
عن إبراهيم بن نشيط الخولاني عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم عن دجين كاتب
عقبة قال: قلت لعقبة إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط
فيأخذونهم قال لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم قال ففعل فلم ينتهوا قال فجاءه دجين
فقال إني قد نهيتهم فلم ينتهوا وإني داع لهم الشرط فتأخذهم فقال له عقبة ويحك
لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من ستر عورة مؤمن
فكأنما استحيا موءودة من قبرها" ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن
سعد به نحوه وقال سفيان الثوري عن راشد بن سعد عن معاوية رضي الله عنه قال
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو
كدت أن تفسدهم" فقال أبو الدرداء رضي الله عنه كلمة سمعها معاوية رضي الله
عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها ورواه أبو داود
منفردا به من حديث الثوري به وقال أبو داود أيضا حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي
حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير
وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود والمقدام بن معد يكرب وأبي أمامة رضي الله عنهم
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس
أفسدهم" "ولا تجسسوا" أي على بعضكم بعضا والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه
الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب
أنه قال "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله" وقد
يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال "لا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا"
وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له
كارهون أو يتسمع على أبوابهم والتدابر: الصرم رواه ابن أبي حاتم عنه وقوله
تعالى "ولا يغتب بعضكم بعضا" فيه نهي عن الغيبة وقد فسرها الشارع كما جاء في
الحديث الذي رواه أبو داود حدثنا القعنبي حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال: صلى الله عليه
وسلم "ذكرك أخاك بما يكره" قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله
عليه وسلم "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"
ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي به وقال حسن صحيح ورواه ابن جرير عن
بندار عن غندر عن شعبة عن العلاء وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما ومسروق
وقتادة وأبو إسحاق ومعاوية بن قرة وقال أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن
سفيان حدثني علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة
فقال صلى الله عليه وسلم "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت
وحكيت له إنسانا فقال صلى الله عليه وسلم "ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا
وكذا" ورواه الترمذي من حديث يحيى القطان وعبدالرجمن بن مهدي ووكيع ثلاثتهم
عن سفيان الثوري عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة سلمة بن صهيب الأرحبي عن
عائشة رضي الله عنها به وقال حسن صحيح وقال ابن جرير حدثني ابن أبي الشوارب
حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا سليمان الشيباني حدثنا حسان بن المخارق أن
امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضي الله
عنها بيدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنها قصيرة فقال النبي صلى الله
عليه وسلم "اغتبتيها" والغيبة محرمة بالإجماع لا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت
مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن
عليه ذلك الرجل الفاجر "ائذنوا له بئس أخو العشيرة" وكقوله صلى الله عليه
وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم "أما معاوية
فصعلوك وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه" وكذا ما جرى مجرى ذلك ثم
بقيتها على التحريم الشديد وقد ورد فيها الزجر الأكيد ولهذا شبهها تبارك
وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل "أيحب أحدكم أن يأكل لحم
أخيه ميتا فكرهتموه" أي كما تكرهون هذا طبعا فاكرهوا ذاك شرعا فإن عقوبته أشد
من هذا وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلى الله عليه وسلم في
العائد في هبته "كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه" وقد قال "ليس لنا مثل السوء"
وثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم قال في
خطبة حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا" وقال أبو داود حدثنا واصل ابن عبد الأعلى حدثنا
أسباط بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه
ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم" ورواه الترمذي عن عبيد بن أسباط
بن محمد عن أبيه به وقال حسن غريب وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الأسود بن
عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبدالله بن جريج عن أبي
برزة السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر من آمن بلسانه
ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع
عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" تفرد به أبو
داود وقد روى من حديث البراء بن عازب فقال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا
إبراهيم بن دينار حدثنا مصعب بن سلام عن حمزة بن حبيب الزيات عن أبي إسحاق
السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها أو قال في خدورها فقال "يا معشر من آمن
بلسانه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع
الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته" "طريق أخرى" عن ابن عمر
قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلى حدثنا عبدالله بن ناجية حدثنا يحيى
بن أكثم حدثنا الفضل بن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد عن أوفى بن دلهم عن
نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا معشر من آمن بلسانه
ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من
يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف
رحله" قال ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن
أعظم حرمة عند الله منك قال أبو داود حدثنا حيوة بن شريح حدثنا قتيبة عن ابن
ثوبان عن أبيه عن مكحول عن وقاص بن ربيعة عن المسور أنه حدثه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ومن
كسا ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برجل مقام سمعة
ورياء فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة" تفرد به أبو داود
وحدثنا ابن مصفى حدثنا بقية وأبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن سعد
وعبدالرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء
يا جبرائيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" تفرد به
أبو داود هكذا رواه الإمام أحمد عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامي
به وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة أخبرنا أبو عبدالصمد بن
عبدالعزيز العمي أخبرنا أبو هارون العبدي من أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا
رسول الله حدثنا ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال "ثم انطلق بي إلى خلق من خلق الله
كثير رجال ونساء موكل بهم رجال يعمدون إلى عرض جنب أحدهم فيجذون منه الجذة
مثل النعل ثم يضعونها في في أحدهم فيقال له كل كما أكلت وهو يجد من أكله
الموت يا محمد لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت يا جبرائيل من هؤلاء قال
هؤلاء الهمازون اللمازون أصحاب النميمة فيقال أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه
ميتا فكرهتموه وهو يكره على أكل لحمه" هكذا أورد هذا الحديث وقد سقناه بطوله
فى أول تفسير سورة سبحان الله ولله الحمد والمنة وقال أبو داود الطيالسي في
مسنده حدثنا الربيع عن يزيد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
الناس أن يصوموا يوما ولا يفطرن أحد حتى آذن له فصام الناس فلما أمسوا جعل
الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ظللت منذ اليوم صائما
فئذن لي فأفطر فائذن له ويجيء الرجل فيقول ذلك فيأذن له حتى جاء رجل فقال يا
رسول الله إن امرأتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين فائذن لهما فليفطرا
فأعرض عنه ثم أعاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما صامتا وكيف صام من
ظل يأكل من لحوم الناس؟ اذهب فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا" ففعلتا
فقاءت كل واحدة منهما علقة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول
الله "لو ماتتا وهما فيهما لأكلتهما النار" إسناد ضعيف ومتن غريب وقد رواه
الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن هارون حدثنا سليمان التيمي قال سمعت رجلا
يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي عن عبيدا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا أتى رسول
الله من فقال يا رسول الله إن ههنا امرأتين صامتا وإنهما كادتا تموتان من
العطش أراه قال بالهاجرة فأعرض عنه أو سكت عنه فقال يا نبي الله إنهما والله
قد ماتتا أو كادتا تموتان فقال "ادعهما" فجاءتا قال فجىء بقدح أو عس فقال
لإحداهما "قيئي" فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى
"قيئي" فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح ثم قال
"إن هاتين صامتا عما أحل الله تعالى لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما
جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس" وهكذا رواه الإمام أحمد
عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان بن صوعان التيمي به مثله أو
نحو
وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد حدثنا أبي ثنا أبو عاصم
حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن ابن عمر لأبي هريرة أن ماعزا جاء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد زنيت فأعرض عنه حتى
قالها أربعا فلما كان في الخامسة قال "زنيت" قال نعم قال "وتدري ما الزنا"
قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال "ما تريد إلى هذا
القول" قال أريد أن تطهرني قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أدخلت
ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والرشا في البئر" قال نعم يا
رسول الله قال فأمر برجمه فرجم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول
أحدهما لصاحبه ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم
الكلب ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى مر بجيفة حمار فقال: أين فلان
وفلان "انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار" قالا غفر الله لك يا رسول الله وهل
يؤكل هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم "فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه
والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها" إسناد صحيح وقال
الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثني أبي حدثنا واصل مولى ابن عيينة حدثني خالد
بن عرفطة عن طلحة بن نافع عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال كنا مع النبي
الله فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون ما
هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس؟" "طريق أخرى" قال عبد بن حميد في
مسنده حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا الفضيل بن عياض عن سليمان عن أبي سفيان
وهو طلحة بن نافع عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن
نفرا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك بعثت هذه الريح" وربما
قال "فلذلك هاجت هذه الريح" وقال السدي في قوله تعالى "أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا" زعم أن سلمان الفارسي رضي الله عنه كان مع رجلين من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر يخدمهما ويخف لهما وينال من طعامهما وأن
سلمان رضي الله عنه لما سار الناس ذات يوم وبقي سلمان رضي الله عنه نائما لم
يسر معهم فجعل صاحباه يكلماه فلم يجداه فضربا الخباء فقالا ما يريد سلمان أو
هذا العبد شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام مقدور وخباء مضروب فلما جاء أرسلاه
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب لهما إداما فانطلق فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومعه قدح له فقال يا رسول الله بعثني أصحابى لتؤدمهم إن كان
عندك قال صلى الله عليه وسلم "ما يصنع أصحابك بالأدم؟ قد ائتدموا" فرجع سلمان
رضي الله عنه يخبرهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقا حتى أتيا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ
نزلنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما"
قال ونزلت "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا" إنه كان نائما وروى الحافظ
الضياء المقدسي في كتابه المختار من طريق حسان بن هلال عن حماد بن سلمة عن
ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار
وكان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رجل يخدمهما فناما فاستيقظا ولم يهيىء
لهما طعاما فقالا إن هذا لنؤوم فأيقظاه فقالا له ائت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقل له إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يقرئانك السلام ويستأدمانك فقال
صلى الله عليه وسلم "إنهما قد ائتدما" فجاءا فقالا يا رسول الله بأي شيء
ائتدمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم "بلحم أخيكما والذي نفسي بيده إني لأرى
لحمه بين ثنايكما" فقالا رضي الله عنهما استغفر لنا يا رسول الله فقال صلى
الله عليه وسلم "مراه فليستغفر لكما" وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا الحكم بن
موسى حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن إسحاق عن عمه موسى بن يسار عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أكل من لحم أخيه في
الدنيا قرب إليه لحمه في الآخرة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا - قال -
فيأكله ويكلح ويصيح" غريب جدا وقوله عز وجل "واتقوا الله" أى فيما أمركم به
ونهاكم عنه فراقبوه في ذلك واخشوا منه "إن الله تواب رحيم" أي تواب على من
تاب إليه رحيم لمن رجع إليه واعتمد عليه قال الجمهور من العلماء طريق المغتاب
للناس في تربته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود وهل يشترط الندم على ما
فات؟ فيه نزاع وأن يتحلل من الذي اغتابه وقال آخرون لا يشترط أن يتحلله فإنه
إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذا أن
يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها وأن يرد عنه الغيبة بحسبه
وطاقته لتكون تلك بتلك كما قال الإمام أحمد حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا
عبدالله أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبدالله بن سليمان أن إسماعيل بن يحيى
المعافري أخبره أن سهل بن معاذ بن أنس الجهني أخبره عن أبيه رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى
إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه
حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" وكذا رواه أبو داود من حديث
عبدالله وهو ابن المبارك به بنحوه وقال أبو داود أيضا حدثنا إسحاق بن الصباح
حدثنا بن أبي مريم أخبرك الليث حدثنى يحيى بن سليم أنه سمع إسماعيل بن بشير
يقول سمعت جابر بن عبدالله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما يقولان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من امرىء يخذل امرءا مسلما في موضع
تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى فى مواطن يحب فيها
نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من
حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته" تفرد به أبو داود.
{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ
بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
النور 15
وقرأ آخرون "إذ تلقونه بألسنتكم" وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها
كذلك وتقول هي من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه تقول العرب
ولق فلان في السير إذا استمر فيه والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور ولكن
الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج
حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه"
وتقول هي ولق القول قال ابن أبي مليكة: هي أعلم به من غيرها. وقوله تعالى
"وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أي تقولون ما لا تعلمون. ثم قال تعالى
"وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" أي تقولون ما تقولون فى شأن أم المؤمنين
وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان
هينا فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين فعظيم عند الله
أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا وهو
سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا ولما لم يكن
ذلك فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجه سيد ولد آدم على الإطلاق في
الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى "وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" وفي
الصحيحين "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في
النار أبعد مما بين السماء والأرض" وفي رواية "لا يلقي لها بالا".
{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
النور 24
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيي الرازي عن عمرو بن أبي
قيس عن مطرف عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنهم يعني المشركين
إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة قالوا تعالوا حتى نجحد فيجحدون
فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا وروى ابن أبي
حاتم وابن جرير أيضا حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن
الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"إذا كان يوم القمامة عرف الكافر بعمله فيجحد ويخاصم فيقال هؤلاء جيرانك
يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقال أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقال احلفوا
فيحلفون ثم يصمهم الله فتشهد عليه أيديهم وألسنتهم ثم يدخلهم النار" وقال ابن
أبي حاتم أيضا حدثنا أبو شيبة إبراهيم عن عبدالله بن أبن شيبة الكوف حدثنا
منجاب بن الحارث التميمي حدثنا أبو عامر الأسدي حدثنا سفيان بن عبيد المكتب
عن فضيل بن عمرو الفقيمي عن الشعبي عن أنس بن مالك قال: كنا عند النبي صلى
الله عليه وسلم فضحك حتي بدت نواجذه ثم قال: "أتدرون مم أضحك؟ " قلنا الله
ورسوله أعلم قال من مجادلة العبد لربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول
بلى فيقول لا أجيز علي إلا شاهدا من نفسي فيقول كفي بنفسك اليوم عليك شهيدا
وبالكرام عليك شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلي
بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل" وقد رواه مسلم
والنسائي جميعا عن أبي بكر ابن أبي النضر عن أبيه عن عبدالله الأشجعي عن
سفيان الثوري به ثم قال النسائي لا أعل أحدأ روى هذا الحديث عن سفيان الثوري
غير الأشجعي وهو حديث غريب والله أعلم هكذا قال وقال قتادة بن أدم: والله إن
عليك لشهودا غير متهمة من بذلك فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك فإنه لا
يخفي عنه خافية والظلمة عنده ضوء والسر عنده علانية فمن استطاع أن يموت وهو
بالله حسن الظن فليفعل ولا قوة إلا بالله.
{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا
لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
ق 18
"ما يلفظ "أي ابن آدم"من قول" أي ما يتكلم بكلمة "إلا لديه رقيب عتيد" أي إلا
ولها من يرقبها معد لذلك يكتبها لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى "وإن
عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون" وقد اختلف العلماء هل يكتب
الملك كل شيء من الكلام؟ وهو قول الحسن وقتادة أو إنما يكتب ما فيه ثواب
وعقاب كما هو قول ابن عباس رضي الله عنهما؟ على قولين وظاهر الآية الأول
لعموم قوله تبارك وتعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وقد قال
الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبيه عن
جده علقمة عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن
تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم
بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها
سخطه إلى يوم يلقاه" فكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن
الحارث ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث محمد بن عمرو به وقال
الترمذي حسن صحيح وله شاهد في الصحيح وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب
الخير وهو أمين على صاحب الشمال فإن أصاب العبد خطيئة قال له أمسك فإن استغفر
الله تعالى نهاه أن يكتبها وإن أبى كتبها رواه ابن أبي حاتم وقال الحسن
البصري وتلا هذه الآية "عن اليمين وعن الشمال قعيد" يا ابن ادم بسطت لك صحيفة
ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك الآخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك
فيحفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر حتى
إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة فعند ذلك
يقول تعالى " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا
يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" ثم يقول عدل والله فيك
من جعلك حسيب نفسك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ما يلفظ
من قول إلا لديه رقيب عتيد" قال يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه
ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله
فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره وذلك قوله تعالى "يمحو الله ما
يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه
عن طاوس أنه قال يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد حتى مات رحمه
الله.
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً
لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ }الممتحنه 5
"ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا" قال مجاهد: معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا
بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا وكذا قال الضحاك
وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم
عليه واختاره ابن جرير وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تسلطهم علينا
فيفتنونا وقوله تعالى "واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم" أي واستر
ذنوبنا عن غيرك واعف عنها فيما بيننا وبينك "إنك أنت العزيز" أي الذي لا يضام
من لاذ بجنابك "الحكيم" في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك.
{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ
جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ}
البروج 10
"ثم لم يتوبوا" أى لم يقلعوا عما فعلوا ويندموا على ما أسلفوا "فلهم عذاب
جهنم ولهم عذاب الحريق" وذلك أن الجزاء من جنس العمل قال الحسن البصري انظروا
إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما:
كتاب الله وسنة نبيه«. موطأ مالك
عن العرباض بن سارية ، قال: وعظنا رسول الله موعظة ذرفت منها العيون ووجلت
منها القلوب. فقلنا: يا رسول الله. إن هذه لموعظة مودع. فماذا تعهد إلينا؟
قال: «قد تركتكم على البيضاء. ليلها كنهارها. لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. من
يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء
الراشدين المهديين. عضوا عليها بالنواجذ. وعليكم بالطاعة. وإن عبدا حبشيا.
فإنما المؤمن كالجمل الأنف. حيثما قيد انقاد« رواه احمد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تعلموا العلم وعلموه الناس، تعلموا
الفرائض وعلموه الناس، تعلموا القرآن وعلموه الناس، فإني امرؤ مقبوض، والعلم
سيقبض، وتظهر الفتن، حتى يختلف إثنان في فريضة، لا يجدان أحدا يفصل بينهما «
رواه الدارمي
عن الحارث ،، قال: دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث، فدخلت على علي
فقلت: ألا ترى أن أناسا يخوضون في الأحاديث في المسجد، فقال: قد فعلوها قلت:
نعم، قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون فتن» قلت:
وما المخرج منها، قال: «كتاب الله كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم،
وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن
ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو
الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا
يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته
الجن إذ سمعته أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا}، هو الذي من قال به صدق، ومن
حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم»، خذها إليك
يا أعور. رواه الدارمي
عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن يصبح الرجل فيها
مؤمنا، ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم« رواه ابن ماجة
عن حذيفة بن اليمان ، قال: قال رسول الله: «تكون فتن. على أبوابها دعاة إلى
النار. فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة، خير لك من أن تتبع أحدا منهم«
رواه ابن ماجة
عن المقداد بن الأسود ، قال: « أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن
جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها« رواه ابو داود
عن حذيفة قال ،: قال رسول الله : « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا: وكيف
يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق« رواه احمد والترمذي
عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله: « تكون فتنة تستنظف العرب. قتلاها
في النار. اللسان فيها أشد من وقع السيف« رواه ابن ماجه وغيره
عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله.
لا يرى بها بأسا. فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا« رواه ابن ماجه
عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل
خيرا، أو ليسكت« رواه ابن ماجه
عن سفيان بن عبد الله الثقفي ، قال: قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به:
قال: «قل: ربي الله، ثم استقم» قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي؟ فأخذ
رسول الله بلسان نفسه، ثم قال: «هذا« رواه ابن ماجه
عن معاذ بن جبل ، قال: كنت مع النبي في سفر. فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن
نسير. فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال:
«لقد سألت عظيما. وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به
شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». ثم قال: «ألا
أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة. والصدقة تطفىء الخطيئة، كما يطفىء النار
الماء، وصلاة الرجل في جوف الليل». ثم قرأ: {تتجافىٰ جنوبهم عن المضاجع}حتى
بلغ: {جزاء بما كانوا يعملون }ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة
سنامه؟ الجهاد». ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى؟. فأخذ بلسانه
فقال: «تكف عليك هذا» قلت: يا نبي الله وإن لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال:
«ثكلتك أمك يا معاذ هل يكب الناس، على وجوههم في النار، إلا حصائد ألسنتهم؟؟
« رواه ابن ماجه
عن أبي أمامة ، عن عقبة بن عامر ، قال: قلت: يا رسول الله: ما النجاة؟ قال:
«املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك« رواه احمد والترمذي
عن أم حبيبة، زوج النبي،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلام ابن آدم
عليه، لا له. إلا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله عز وجل« رواه
ابن ماجه
عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول على المنبر: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : «:إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا
ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم خير
من الماشي والماشي فيها خير من الساعي. قالوا: فما تأمرنا قال: كونوا أحلاس
بيوتكم« رواه احمد وابو داود
عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله قال: «كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي،
يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم،
فاختلفوا، وكانوا هٰكذا؟» (وشبك بين أصابعه) قالوا: كيف بنا يا رسول الله إذا
كان ذلك؟ قال: «تأخذون بما تعرفون. وتدعون ما تنكرون. وتقبلون على خاصتكم.
وتذرون أمر عوامكم« رواه ابن ماجه
عن أبي بردة ، قال: دخلت على محمد بن مسلمة فقال: إن رسول الله قال: «إنها
ستكون فتنة وفرقة واختلاف. فإذا كان كذلك، فأت بسيفك أحدا، فاضربه حتى ينقطع.
ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة، أو منية قاضية« رواه ابن ماجه
عن أبي موسى الأشعري ، قال: قال رسول الله: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع
الليل المظلم. يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا. ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا.
القاعد فيها خير من القائم. والقائم فيها خير من الماشي. والماشي فيها خير من
الساعي. فكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة. فإن دخل على
أحدكم. فليكن كخير ابني آدم« رواه احمد وبن ماجه وابو داود
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل الجليس الصالح والجليس السوء
كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه
وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة « رواه البخاري
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال« لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل
طعامك إلا تقي« رواه الترمذي
الخاتمة
نعم وفي نهاية هذا الجمع نذكر إخواننا
بعدم الخوض في أعراض المسلمين وخاصة علماء الأمة فهم اعلم منا بأمور كثيرة
وهم محاسبون أمام الله عز وجل عما علموه وسوف يندم كل من تكلم في أعراض أولئك
العلماء الربانيين يوم لا ينفع الندم وكفنا من الآيات والأحاديث ما مر بنا
خلال الصفحات السابقة و نسأل الله التوفق في الدارين وان ينفعنا بأعمالنا وان
يتقبل منا هذا الجمع وينفع به المسلمين ويحمي أعراضنا وأرواحنا من كل شيطان
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
احصل على نسخة من الموضوع
كتبه
أخوكم
أبو أنس الطائفي