منكرات تقع في الأفراح

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الفتاح ، فالق الإصباح , وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شرع لعباده النكاح ، وحرّم عليهم السفاح , وأشهد أنّ نبيّنا محمداً عبد الله ورسوله , إمام الدعاة ورائد الإصلاح , صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي التقى والصلاح , والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب المساء والصباح , وسلم تسليماً كثيراً .
أيها الأخوة : شرع الله الزواج ، وجعله آية دالة على عظمته سبحانه فقال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ، وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، فكان دلالة على نبوته ورسالته ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " [ متفق عليه ] ، الزواج من سنن المرسلين والنبيين ، قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد38 ] ، وهو من النعم التي يحصل بها مصالح دينية ودنيوية ، فردية واجتماعية ، مما جعله من الأمور المطلوبة شرعاً ، قال الله تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ النور32 ] ، فما أعظم أن يحظى الرجل بزوجة صالحة تقية ، طاهرة نقية ، إذا غاب عنها ، حفظته في نفسها وماله وبيته وولده ، وإذا حضر منزله أكرمته ، وأعلت منزلته ، وهونت عليه أحزانه ، وشتت همومه ، وأذهبت غمومه ، هذه هي الزوجة الصالحة ، قوامة بالليل ، صوامة بالنهار ، ولقد أوصى بهذه الفئة من النساء نبي الرحمة والهدى ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " [ متفق عليه ] فطوبى لمن حظي بذات الدين ، التي كلما غفل عن طاعة ربه ذكرته ، وكلما قصر أعانته ، وكلما تقاعس شدت من أزره ، تلكم هي المرأة النادرة الوجود اليوم .
أيها الأخوة . . . في خضم هذه الحياة ، وفي معترك تقدميتها الهائلة ، وبسبب الغزو الفكري والعقدي الذي دخل كل بيت من بيوت المسلمين _ إلا من رحم الله وعصم _ حصلت الفتن والقلاقل ، وزادت المشاكل ، لاسيما في هذه السنين القريبة ، والأزمنة الغريبة ، فكم هي حالات الطلاق بين الأزواج ، لقد غصت المحاكم الشرعية بالمشاكل الأسرية ، فقلما يخلو منها منزل وبيت ، وما ذاك إلا من أجل أمور محرمة شرعاً ، وممنوعة عرفاً ، اتخذها الناس شعارات وعلامات ، أودت بسعادة الكثير من الأسر ، حتى تغيرت المفاهيم ، وانتكست القيم ، وأصبحت ليالي الأعراس لا تخلو من حرام وتقليد أعمى ، فلا غرابة أن ينتهي ذاك الزواج بالفشل الذريع ، والطلاق السريع ، لقد أضحت ليالي الأفراح ، تعج بالمنكرات ، ومعصية رب البريات ، فليس بمستغرب أن يحصل زواج بالليل ، وفراق بالنهار ، فلعمر الله لأن تعمر ليالي الأفراح بطاعة الرحمن ، خير من عمرانها بطاعة الشيطان ، لقد أسهمت المنكرات في الوقوع في كثير من المخالفات ، فلذا وجب النصح والإرشاد ، لكل العباد ، للحذر مما يغضب الله عز وجل لاتقاء فتنته ، واجتناب سخطه ، وإبراءً للذمة ، ونصحاً للأمة ، فهذه بعض منكرات الأفراح التي يجب على كل مسلم ومسلمة الحذر منها ، وتوقي عقوبتها ومغبتها ، وقبل الخوض في غمار الموضوع أذكر بفائدة نفيسة :
فائدة نفيسة :
لدى الناس مقولة ، لو تخلصوا منها ، لسلم المجتمع من كثير من المنكرات والأخطاء والمخالفات ، هذه المقولة تقول :
هل نحن أقل من الناس ، ماذا يقول عنا الناس ، مثلنا مثل الناس .
ومن راقب الناس مات هماً ، فلا تغتر بكثرة من يفعلون الخطأ ، فهم على خطأ ، فلا تتبع سبيلهم وانج بنفسك ، ألم تسمع قول الله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الأنعام116 ] .
فليس الفعل الحسن والقول بكثرة من بفعله ، بل بموافقته للكتاب والسنة وأقوال أهل العلم الفضلاء ، المعروفون بالتقوى والخشية من الله تعالى ، أما عامة الناس ، فواقعهم يدل على كثير من الخلل والزلل .
المقصود نعود الآن إلى صلب الموضوع ، وهو منكرات التي تحدث في ليالي الزفاف والأفراح والأعراس ، فمنها :
*** فمن منكرات الأفراح :
صعود الزوج مع زوجته على المنصة أمام النساء : ودخول أقاربهما معهما ، فوا أسفاً أن نجد في بلاد المسلمين ، من نزع الحياء من وجهه ، وكاد أن ينحل من الدين برمته ، فسمح لنفسه بمعزل عن الناس ، بخلسة وخسة ، أن يدخل مع زوجته ، ويجلس معها على المنصة ، وربما قبلها أمام النساء الأجنبيات ، وربما كان معها أموراً أشنع من ذلك وأفظع ، مما قد يثير الحاضرات ، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة ، والغيرة الدينية ، ما في هذا العمل المشين من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة الفاتنات المتبرجات ، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة ، فالواجب منع ذلك والقضاء عليه ، حسماً لأسباب الفتنة ، وصيانة للمجتمعات النسائية ، مما يخالف الفطرة الإلهية ، نحن أمة الإسلام ، أمة الإيمان والحياء ، كيف يليق بنا أن نخلع جلباب الحياء ، لنعري أنفسنا باتباع عادات وتقاليد تنافي شرعنا وديننا ؟ وما ذاك إلا لضعف الإيمان ، وقلة اليقين ، فسبحان ربي ! كيف استحل أولئك الناس لأنفسهم الدخول على نساء المسلمين ، ولم يكن لهم في ذلك ضابط من الشرع ، ولا وازع من الدين ، بل قد جاء الأمر من الله تبارك وتعالى للرجال الأجانب بمخاطبة النساء الأجنبيات من وراء حجاب ، حتى لا تحصل الفتن ، وتثار الغرائز ، وحفظاً للأنساب ، ومنعاً لوسائل الفاحشة والرذيلة ، فقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب53 ] ، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء تحذيراً شديداً ، ولباب الذريعة سداً ، وللفاحشة منعاً وإرصاداً ، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " [ متفق عليه ] ، والأدهى من ذلك والأمر ما يفعله بعض الساقطين والساقطات ممن انتسبوا لهذا الدين وهو من أفعالهم براء ، فتجدهم في حركات راقصة ، في غفلة وهمجية ، في تخضع وسفالة ، وخسة ودناءة ، وهم يتراقصون في محافل النساء ، ولقد صدق فيهم قول القائل :
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله ما خضعوا لأجل الله
ألا وإن تلكم العادات لا تمت للدين بصلة ، ولا تنزل منه بمنزلة ، بل هي عادات سافرة ، مستوردة باطلة ، والواجب أن يعتز المرء بدينه ، ولا يضره عادات الغرب وتقاليده .
*** ومن منكرات الأفراح :
التصوير المتحرك والثابت : وانظروا كيف انطمست المفاهيم ، واضمحلت الأخلاق والقيم عند كثير من الناس ، فأصبحوا يتباهون بما حرم الله عليهم ، لقد حرم الله ورسوله التصوير بشتى صوره وأشكاله ، ما لم تدعو الحاجة والضرورة إليه ، كبطاقة الأحوال وجواز السفر وما شابهها ، أما الصور التذكارية والمجسمات التصويرية ، فحرام بالأدلة العقلية والنقلية ، ومن هذه الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم " [ أخرجه مسلم ] ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آكل الربا ، وموكله ، والواشمة ، والمستوشمة ، والمصور " [ أخرجه البخاري ] ، ومن محاذير التصوير وأخطاره ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة " [ متفق عليه ] ، فهذا خطر كبير ، وشر مستطير ، فاحذروا أيها المسلمون من أمر هذه عاقبته ، وتلكم نهايته ، فالأمر ليس بالهين ، والسلامة أن يعافيكم الله من ذلك كله .
وأخطر من ذلك وأبشع ، وأعظم وأشنع ، وأشد وأطم ، التصوير بكاميرا الفيديو وكاميرا الجوال ، التي تنقل الحركات حية كما هي ، في المحافل والأعراس ، وإن المسلم الحق ليتسائل ما الفائدة المرجوة من ذلك التصوير ؟
أهو تقليد للغرب والشرق ؟ أم طغيان وبطر ؟ وإسراف وأشر ؟ وقد جاء التحذير والوعيد بالعقوبة لمن فعل ذلك .
ثم من يرضى من أهل العفة والغيرة ، والدين والرجولة ، أن تصور قريبته في مثل تلك الليالي ، ليعرضها الفساق واللاهون ليتسلوا بأعراض المسلمين ، فانتبهوا عباد الله من مغبة هذه الأمور المحرمة ، فوبالها على الزوجين أولاً ، ومن دعا إليها ورضي بها ثانياً .
*** ومن منكرات الأفراح :
استخدام المغنين والمغنيات ، وهذا الأمر ظاهر البطلان ، واضح التحريم والنكران ، فكيف يليق بمسلم عرف حدود الله تعالى أن ينتهكها ، من أجل ليلة لا يدري أيعيشها أم يموت فيها ؟ ثم يحاسب على ما فعل وما اقترف .
الإسلام حرم الغناء تحريماً مؤبداً ، وإذا اقترن الغناء بآلات اللهو والموسيقى ، لهو أشد حرمة وأعظم إنكاراً ، قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ لقمان6 ] ، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في الغناء وأشباهه ، وقال تعالى : { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الإسراء64 ] ، قال مجاهد : بصوتك : أي الغناء والمزامير ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ( آلات اللهو والطرب والغناء ) " [ أخرجه البخاري معلقاً ووصله غيره ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف ، ومسخ ، وخسف " قيل يا رسول الله : ومتى يكون ذلك ؟ قال : " إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمر " [ أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره ] ، وسئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ألا فاعلموا أيها الناس أن من أدخل المغنين والمغنيات بيته أو شاركوه في فرحه ، وأهدر ماله في سبيلهم ، لهو مردود الشهادة ، سفيه ينبغي أن يُحجر عليه ، قال الشافعي رحمه الله : " إن الرجل إذا جمع الناس لسماع غناء الجارية ، فهو سفيه مردود الشهادة " ، إن هذه الأموال المهدرة ، التي تنفق على مثل أولئك السقط من الناس ، لهو أحق بها من يتضور جوعاً ، ويهلك عطشاً من إخوانكم المسلمين ، الذين لا يجدون ما يسترون به عوراتهم ، ولا ما يسدون به جوعهم ، ولا ما يطعمونه أطفالهم ، فقد فتكت بهم الأمراض ، وأهلكتهم الأسقام ، وطحنتهم الحروب ، فأي عقل بعد هذا النقل ، يرضى صاحبه أن يبدأ حياته الزوجية بمثل هذا المنكرات العظيمة ، والأدواء الخطيرة ، لكنه الهوى والشهوات ، واتباع الممنوع من التقاليد والعادات ، فانتبهوا يا رعاكم الله فالأمر عظيم ، والخطب جسيم ، والعقاب وخيم ، وعذاب الله أليم .
*** ومن منكرات الأفراح :
أن تكون هذه الأعراس والأفراح في الفنادق والأماكن الباهضة التكاليف والأثمان ، التي تعجز الأزواج ، وتحجم الشباب عن الزواج ، وتكون مدعاة للعنوسة والعزوبة ، ويدخل في ثنايا ذلك ، ما يتبع القصور من ذبح لكميات هائلة من الذبائح والأنعام ، التي يؤكل ربعها أو أقل ، ثم يُرمى الباقي في صناديق الزبالة والمهملات ، رحماك ربنا رحماك ! كيف ترمى نعم الله ولا تحترم ، وبها لا يُهتم ، لاسيما وأن هناك أخوة لنا في هذا الدين العظيم ، يموتون جوعاً ، ويقاسون آلاماً عظاماً ، بسبب الفقر والفاقة ، والعوز والحاجة ، إن هذا البذخ والإسراف ، والبطر والإجحاف ، الذي آلت إليه الأمة اليوم ، لهو نذير شر وبلاء ، وفتنة وشقاء ، وقد نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن الإسراف والتبذير ، فقال العلي القدير ، في آيات الوعيد والتذكير : { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [ الأنعام141 ] ، وقال سبحانه وتعالى : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [ الإسراء27 ] ، فأمعنوا النظر في هذه الآيات الجسام ، فلعلكم أن تكونوا من الناجين منها بسلام .
*** ومن منكرات الأفراح :
الاستعانة بالكذابين من الشعراء ، الذين قال الله فيهم : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ } [ الشعراء224-226 ] ، قال الحسن البصري : " قد والله رأينا أوديتهم التي يخوضون فيها : مرة في شتيمة فلان ، ومرة في مديحة فلان " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ، خير له من أن يمتلئ شعراً " [ متفق عليه ] ، ثم اعلموا أيها الناس ، أن جلب الشعراء في الأفراح ، لا يزيدها إلا جراح ، لما يسببه شعرهم من إثارة العداء بين المسلمين ، وتضييع أوقاتهم بما لا فائدة فيه ، ولما في شعرهم من تفاخر بالأحساب ، وطعن في الأنساب ، وقد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ " [ أخرجه مسلم ] ، فالشعراء يمدحون قوماً بباطل ، ويذمون آخرين بأقوال ، لابتزاز الأموال ، ولقد ذم الله صنفاً من الشعراء ، ومدح الصنف الآخر ، وهم الذين يبتغون بشعرهم وجه الله تعالى ، دفاعاً عن الإسلام ، وحثاً على مكارم الأخلاق ، ولو نظرنا إلى الشعر الذي يقال في الحفلات ، والذي تضيع من أجله الأوقات ، فإنه مذموم ، وإذا اقترن الشعر بدف أو طبل أو مزمار ، كان أشد حرمة ، وأعظم خطراً ، وأشد ضرراً ، ولا غرابة أن يبدأ فشل الزواج بتلك الليلة المظلمة ، والتي بدأت بمنكر ومعصية ، فما بني على باطل فهو باطل .
*** ومن منكرات الأفراح :
استخدام الأعيرة النارية ، التي أودت بحياة الكثير من المسلمين ، إثر طلق ناري طائش ، فتحولت الأفراح ، إلى مآتم وأتراح ، فلا بد من منع تلكم المهازل ، لما تسببه من إزهاق النفوس البريئة ، وإهدار الأموال المحترمة ، فيجب الأخذ على أيدي السفهاء ، وأطرهم على الحق أطراً ، وقصرهم على الدين قصراً ، وإلا هلكوا وهلكوا جميعاً .
*** ومن منكرات الأفراح :
تلكم الألبسة الخليعة ، الكاشفة العارية ، التي تلبسها نساء المسلمين ، دون رادع أو زاجر من الأزواج ، يالله ما هذه القوامة ؟ وما هذه العصمة ، التي أمر الله بها الأزواج ، ألبسة فوق الركبة ، وأخرى شفافة ، نساء كاسيات عاريات ، لقد صدق فيهن وعيد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت ، العنوهن فإنهن ملعونات " [ أخرجه الطبراني في الصغير بإسناد حسن ] ، وعند مسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ، نساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " ، فاتقين الله يا إماء الله ، فالخطب أعظم مما يتصور الناس ، والتقوى خير زاد ولباس .
*** ومن منكرات الأفراح :
التي شاعت وذاعت ، استئجار ما يسمى بالكوشة ، التي تكلف الأثمان ، وتقوض البنيان ، وإنني أخاطب العقول ، وبذرة الدين في القلوب ، اتقوا الله أيها المسلمون ، فأموالكم وديعة بين أيديكم ، فاتقوا الله في أماناتكم ، وإياكم وخيانة الأمانة ، فأنتم مسؤولون عن هذا المال الذي بين أيديكم يوم القيامة ، واسمعوا يارعاكم الله لهذا الحديث العظيم في أمر أمانة الأموال ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ به ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، فراجعوا دينكم ، وحاسبوا أنفسكم ، قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم ، قبل أن توزنوا .
*** ومن منكرات الأفراح :
السفر إلى الخارج لما يسمى شهر العسل ، وشهر العسل هذا ، بدعة منكرة مستوردة من بلاد الكفار ، ولا يليق بمسلم أن يقلد أعداءه ، بل ألد أعدائه .
*** ومن منكرات الأفراح :
التهنئة الجاهلية بالرفاء والبنين ، والتهنئة المشروعة [ بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في الخير ] .
*** ومن منكرات الأفراح :
لبس الرجل ما يسمى الدبلة من الذهب واعتقاد بعض الناس أنها من أسباب الارتباط بين الزوجين وهو اعتقاد خاطئ .
*** ومن منكرات الأفراح :
إجبار بعض الناس مولياتهم على الزواج ممن لا يردنه .
*** ومن منكرات الأفراح :
نكاح الشغار ، وذلك بأن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولو كان بينهما صداق .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ : أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " [ متفق عليه ] .
وحتى لو كان بينهما صداق ، واشترطوا أن يزوج كل منهما موليته للآخر ، فهذا لا يجوز ، إلا إذا كانت هناك موافقة ورضا من البنات ، وحال قناعة بالزوج ، ودون ضغط من أحد أو تهديد ، فهذا جائز .
*** ومن منكرات الأفراح :
السهر على اللهو واللعب واستعمال آلات المعازف والطرب على غناء المغنيين والمغنيات مما يؤدي إلى النوم عن صلاة الفجر .
لم يكن السهر معروفاً إلى وقت ليس بالبعيد ، حتى أتانا من يصدنا عن ديننا ، هذه الفضائيات ، وما تبثه من غث وقبيح من البرامج والمسلسلات الهابطة التي أودت بعقيدة الكثير من الناس إلى الهاوية ، فأصبح الناس اليوم يتنافسون في الحرام ، وفي المنكر ، وكأنها سنن ، وهي بدع ومخالفات .
وعلى الرغم من وجود هذه العادات الدخيلة على بلادنا ، إلا أن هناك في بعض المناطق عادات قديمة لا زالت راسخة عند أهلها ، فالعشاء يقدم بعد صلاة المغرب ، وبعد العشاء لا تجد أحداً من الناس ، كل ذهب إلى بيته ، هذه عادة طيبة جداً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كره النوم قبل العشاء ، والسهر بعدها .
*** ومن منكرات الأفراح :
تزويج من لا يصلي، قال تعالى : { لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [ الممتحنة 10 ] .
*** ومن منكرات الأفراح :
منع المرأة من الزواج بالرجل الكفء ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون خلقه ودينه فأنكحوه " [ رواه الترمذي بإسناد حسن ] .
*** ومن منكرات الأفراح :
السماح للخاطب بالخلوة بمخطوبته قبل العقد بدون محرم .
*** ومن منكرات الأفراح :
المنع من رؤية المخطوبة ، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انظر إليها ، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " [ رواه مسلم ] .
*** ومن منكرات الأفراح :
نتف بعض النساء الحواجب أو تخفيفها تجملاً وهو حرام وفاعله ملعون ، وبعضهن تذهب إلى الكوافيرة أو تستدعي امرأة لإزالة الشعر الواجب حجب مكانه عن الناس جميعاً ، فلا يجوز للمرأة أن تستخدم من يزيل بعض الشعر الذي لا يجوز رؤيته لغير الزوج ، وهذا من الكبائر ، ومن العظائم ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ،ِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ، وَلاَ يُفْضِى الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَلاَ تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ " [ رواه مسلم ] .
*** ومن منكرات الأفراح :
زواج التحليل وهو أن يتزوج الرجل المرأة المطلقة ثلاثاً ليحلها لزوجها الأول وكلاهما ملعون إذا اتفقا على ذلك ، ودليل ذلك :
عَنْ عَلِىٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ " [ رواه أبو داود وابن ماجة ] .


*** ومن منكرات الأفراح :
اشتغال بعض المدعوين بالغيبة والنميمة والكلام في أعراض الآخرين والذي ينبغي إشغال هذه الاجتماعات فيما يعود بالنفع على الجميع من الوعظ والإرشاد والتذكير من بعض طلبة العلم .
*** ومن منكرات الأفراح :
اشتراط أولياء المرأة على الزوج أشياء تكلفه وقد لا يستطيعها وأعظم النكاح بركة أيسره مؤونة .
*** ومن منكرات الأفراح :
البذخ والسرف في اللباس والتزين وبهرجة الزي وثوب الشهرة ، مع أن هذه الفساتين لا تُلبس إلا مرة أو مرتين في العمر ، حتى أصبحت كالحج والعمرة ، واجبان في العمر مرة .
*** ومن منكرات الأفراح :
يوم الملكة ، أضحت الملكة اليوم كيوم الزواج تماماً ، حتى أن الحاضر لا يدري أهو زواج أم عقد قران .
*** ومن منكرات الأفراح :
اليوم الثاني بعد يوم الزواج .
*** ومن منكرات الأفراح :
وجود المعازيم قبل يوم الزواج بيوم أو يومين ، وبعده بيوم أو يومين ، مما يرهق كاهل الزوج بكثرة الذبائح .
*** ومن منكرات الأفراح :
غضب العريس إذا لم يحضر بعض المدعوين .
*** ومن منكرات الأفراح :
استعمال السينما ، حيث تعرض فيها صور للعروس وهي صغيرة وحتى موعد زفافها ، مع عرض بعض الصور المخلة بالأدب ، والخادشة للحياء .
ملاحظة مهمة :
كل هذه المنكرات مستوردة لم تكن معروفة لأهل هذه البلاد ، إلا حينما تقدم الناس التقدم الطائش ، فوقعوا في الفعل الفاحش .
قرار هيئة كبار العلماء رقم 52 وتاريخ 4/4/1397 هـ في تحديد مهور النساء :
قرر المجلس ما يلي :
وجرى استعراض بعض ما رفع للجهات المسئولة عن تمادي الناس في المغالاة في المهور والتسابق في إظهار البذخ والإسراف في حفلات الزواج وبتجاوز الحد في الولائم وما يصحبها من إضاءات عظيمة خارجة عن حد الاعتدال ولهو وغناء بآلات طرب محرمة بأصوات عالية قد تستمر طول الليل حتى تعلو في بعض الأحيان على أصوات المؤذنين في صلاة الصبح وما يسبق ذلك من ولائم الخطوبة وولائم عقد القران .
1- يرى المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج بما يصحبه من آلات اللهو وما يستأجر له من مغنيين ومغنيات وبآلات تكبير الصوت لأن ذلك منكر محرم يجب منعه ومعاقبة فاعله.
2- منع اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها ومنع دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات ومعاقبة من يحصل عندهم ذلك من زوج وأولياء الزوجة معاقبة تزجر عن مثل هذا المنكر.
3- منع الإسراف وتجاوز الحد في ولائم الزواج وتحذير الناس من ذلك بواسطة مأذوني عقود الأنكحة وفي وسائل الإعلام وأن يرغب الناس في تخفيف المهور ويذم لهم الإسراف في ذلك على منابر المساجد وفي مجالس العلم وفي برامج التوعية التي تبث في أجهزة الإعلام.
4- يرى المجلس بالأكثرية معاقبة من أسرف في ولائم الأعراس إسرافاً بيناً وأن يحال بواسطة أهل الحسبة إلى المحاكم لتعزير من يثبت مجاوزته الحد بما يراه الحاكم الشرعي من عقوبة رادعة زاجرة تكبح جماح الناس عن هذا الميدان المخيف لأن من الناس من لا يمتنع إلا بعقوبة، وولي الأمر وفقه الله عليه أن يعالج مشاكل الأمة بما يصلحها ويقضي على أسباب انحرافها وأن يوقع على كل مخالف من العقوبة ما يكفي لكفه.
5- يرى المجلس الحث على تقليل المهور والترغيب في ذلك على منابر المساجد وفي وسائل الإعلام وذكر الأمثلة التي تكون قدوة في تسهيل الزواج إذا وجد من الناس من يرد بعض ما يدفع إليه من مهر أو اقتصر على حفلة متواضعة لما في القدوة من التأثير.
6- يرى المجلس أن من أنجح الوسائل في القضاء على السرف والإسراف أن يبدأ بذلك قادة الناس من الأمراء والعلماء وغيرهم من وجهاء الناس وأعيانهم وما لم يمتنع هؤلاء من الإسراف وإظهار البذخ والتبذير فإن عامة الناس لا يمتنعون من ذلك لأنهم تبع لرؤسائهم وأعيان مجتمعهم فعلى ولاة الأمر أن يبدأوا في ذلك بأنفسهم ويأمروا به ذوي خاصتهم قبل غيرهم ويؤكدوا على ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم واحتياطاً لمجتمعهم لئلا تتفشى فيه العزوبة التي ينتج عنها انحراف الأخلاق وشيوع الفساد وولاة الأمر مسئولون أمام الله عن هذه الأمة وواجب عليهم تقصي الأسباب التي تثبط الشباب عن الزواج ليعالجوها بما يقضي على هذه الظاهرة، والحكومة أعانها الله ووفقها قادرة بما أعطاها الله من إمكانات متوفرة ورغبة أكيدة في الإصلاح أن تقضي على كل ما يضر بهذا المجتمع أو يوجد فيه أي انحراف وفقها الله لنصرة دينه وإعلاء كلمته وإصلاح عباده وأثابها أجزل الثواب في الدنيا والآخرة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم [ مجلة البحوث الإسلامية ـ المجلد الثاني ـ العدد الأول ] .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك