النفوس شتى .. جبلت على طرائق قددا .
حساسة .. متنوعة .. متقلبة
رضاها يغلفه غنجٌ و دلال ..
وغضبها يحب الحرية والاسترسال ..
سيفها لا يُخفى في غمد ؛ بل هو عضبٌ مسلول .
وسهمها لا يلجأ إلى جعبة ؛ بل وتر قوسها مشدود .
فسبحان خالقها ومركب أسرارها !!
من أهل تلك النفوس من تستفزه كلمة أو موقف أو حدث ؛ فينسى معه قاموس التآخي
والألفة ، فيجرد معه كل فضل كأن لم تكن بينه وبينهم مودة .
ومن أهلها من إذا جُهل عليه جَهُل فوق جهل الجاهلينا ، فلم يحلم أو يعفو أو
يصبر فيرجو ما عند الله .
ومن أهلها من لا يعاتب أو يلوم تنجيماً أو تعجيلا إن ساءه أمر ..
بل يظهر الرضا ، ويبطن السخط ..
يظهر الابتسام ، وفي داخله يتعاظم الركام ..
حتى إذا بلغ السيل منه الزبى ، والحمل أطناناً وأطناناً ؛ انهار السد ، فانهمر
السيل العرم حواليه وعليه !!
فيكيل بكيل من المعيار الثقيل ، طففته الذاكرة في نفس أحصت ما نسيه الآخرون ،
فأرَّخته وضبطت ألفاظه .
إنه من الصعوبة بمكان التحكم في نمطية وآلية تفكير الآخرين ، وإجبارهم على منهج
فكري بشري قاصر نفترض له الصحة والقبول ، وما لسواه الرفض والاستنكاف .. فنخاطب
الناس بلهجة ( إما .. وإلا !! ) ونلغي المساحة الرمادية المفترضة بيننا وبين من
نختلف معهم !!
وكما أن الاتفاق يعد مصدرا للتعاون والبناء المشترك ، فالاختلاف أيضاً يمنحنا
التجديد والإثراء والصقل والإبداع والنمو .
وبمقدار ما نحن نختلف بمقدار ما ننحن نتفق !!
إن لكل فرد على هذه الخليقة نشأته وثقافته وتجربته ومصالحه وأوضاعه الاجتماعية
والاقتصادية ؛ وتلك جميعا مسوغات حتمية لمشروعية الاختلاف في كثير من الأمور .
ولطالما وقع الكثير من الناس في الخلاف لاعتقادهم الداخلي بأنه لا ثمة خلاف ..
وأصبحت العقول السوية تستهجن من يخرج ويقول : لا نختلف .. بل يجب أن نتفق !
الاختلاف وتباين وجهات النظر أمر لا مناص عنه وقل من سلم منه ، وحريٌّ بمن يعتد
بمنهج ( لا خلاف ) أن لا يقود لنفسه الرقاب ، ويتصدر بشعار ( ما أريكم إلا ما
أرى ) ، إنما يتجه للأسلوب الأمثل الغير متمثل برفض الخلاف أو قبوله على عواهنه
؛ بل في تبسيط التأزم المفتعل في حالات الخلاف بطرح سؤال خلاصته
( كيف نؤطر الخلاف ، ونجعل منه خلافاً إنتاجياً
موضوعياً محدوداً ؟ ) .
فكما أن تعدد الخيارات ، وسوء الفهم ، وعدم تطابق المفاهيم والذوات ، وازدياد
الخلطة ، وبروز عقلية الشح والخوف من المستقبل ، ونقص المرونة الفكرية والنفسية
… ساهمت بشكل فاعل في تعميق الخلافات واتساع قطرها ، فإن ثمة طرق تساهم أيضا في
تسطحيها وتأطيرها .
أذكر منها ضرباً للمثل لا للحصر ، مع
التنبه بأن الحديث ليس عن أدب الخلاف وعلاجه ، بل عن تأطيره والتقليل منه :
( 1 )
خطط لاستغلال مواردك مهما كانت محدودة ، وهذا كفيل – بإذن الله – بأن يقلل من
الآمال التي تعقدها على الآخرين إلى أدنى حد .. فيقل تبعاً العتب ، كما تقل
خيبة الأمل.
وكما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لنفر (( ألا
تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : علام نبايعك ؟قال : تبايعونني
على أن تعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا )) وأسر
كلمة خفية (( ولاتسألوا الناس شيئا )) .
قال الرواي : فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم ، فما يسأل أحدا أن
يناوله إياه .
( 2 )
حسِّن مهارات الاستماع ، ومهارات الحديث .. حتى لا تسيء فهم الآخرين ، ولا
تتسبب في سوء فهمهم لك .
وقديماً قيل (( أساء فهماً ، فأساء إجابة )) .
( 3 )
تماسك و سيطر على انفعالاتك ، وتحكم بردود أفعالك .
فلا تجعل من نفسك فريسة للآخرين يستفزونك متى ما أردوا ، ويقحمونك في أزمات
يفتعلونها.
( 4 )
لا تسرف في إعطاء الوعود للآخرين ، فتجعلهم يتوقعون منك ما لاتقدر عليه ،
ويحملونك ما لا تحتمل .. ثم تكون الخيبة ، ومن ثم الغضب والاختلاف .
فكما عودت نفسك على هز الرأس للأعلى والأسفل ، فعودها أيضا على تحريكة يمنة
ويسرة .
( 5 )
لا تعمد إلى التهديد ، أو الإكثار من النصائح و إصدار الأوامر والحكام إلا في
أضيق الحدود .
فغالبا ما سببت الكثير من التوترات ، وفتح أبواب الحزازات .
( 6 )
لا يكن دأبك إلقاء اللوم على الآخرين ، بل ابحث دوما وفتش عن الحلول، وهذا كفيل
بتأجيل الصراع ، وضمان لعدم تكراره .
وتذكر دوماً ( حَوِّل الخلاف من أزمة
إلى فرصة ) .