( 1 - 3 )
الحمد لله جل شانه وتقدست أسماؤه ، والصلاة
والسلام على رسوله الأمين ، وبعد ..
فمن الملاحظ انه في الآونة الأخيرة ، قد
أحدثت قضايا و أمور جعلت الحليم يقف أمامها محتارا عاجزا ، لا يدري ماهيتها ،
وما هدفها .. وما النتاج الذي تطمح إليه ..
فتجده إما أن ينساق مع التيار ، وإما ان يقف موقف المشاهد ذا الأيد المكتوفة ..
أو أن يمارس مهنة التصفيق والتطبيل ، ويطبق قول القائل : وهل أنا إلا من غزية
...
ومن هذا المنطلق أردت التوضيح والبيان لقضية هامة جداً ، ستعرف حقيقتها - أخي
الكريم - من خلال قراءتك (( المتأنية )) للأسطر القادمة ، وأرجو أن تعذرني على
الإطالة والاستطراد فالقضية تستحق ذلك ، وخوفا من ان يدب الملل إلى مقلتيك
وفكرك رأيت أن أعرض الموضوع في ثلاث حلقات ..
الحلقة الأولى : نبذة عامة .
الحلقة الثانية : التقرير والحقائق .
الحلقة الثالثة : ماذا نريد ؟
والله أسأل التوفيق ، فأقول وبعون الله
:
منذ سنوات قليلة, و على وجه التحديد في العام الهجري 1407هـ, الموافق 1986م صدر
عن ( المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ) التابعة لجامعة الدول
العربية ما أسمته ( الخطة الشاملة للثقافة العربية ) ..
و هذه الخطة قد أتت بناء على توصيات المؤتمر الثاني للوزراء العرب المسؤولين عن
( الشؤون الثقافية ) و المنعقد في العاصمة الليبية ( طرابلس ) عام 1979 تحت
شعار ( نحو استراتيجية للثقافة العربية ) وقد تكونت لجنة متخصصة لإنجاز هذا
العمل ..اختارها الوزراء العرب بأنفسهم ،
وكان في مقدمتهم :
الدكتور احمد كمال أبو المجد المستشار القانوني لأمير الكويت
والدكتور شاكر مصطفى الوزير السوري السابق
والطيب صالح الروائي السوداني ويمثل المستشار الإقليمي للاتصال في الدول
العربية واليونسكو
والدكتور عبدالعزيز المقالح الشاعر اليمني ومدير جامعة صنعاء
وعبدالكريم غلاب الكاتب والوزير المنتدب بالمغرب .
وقد قامت اللجنة المذكورة و المنتقاة من السلطات العربية بتوجيه الدعوة إلى
أكثر من ستمائة باحث و مفكر عربي لكي يشاركوا في وضع ( استراتيجية الثقافة
العربية ).. حسبك في شم ريح التآمر ألا يكون بينهم عالم مسلم واحد تتفضل عليه (
لجنة السلطات العربية ) لصياغة أو للمشاركة في صياغة مستقبل الثقافة العربية..
ناهيك عن ملاحظة المنحى الفكري المعروف لمن تقدم ذكره من أعضاء (اللجنة )
المنتقاة من السلطات العربية لأنه - في الحقيقة - لم يثر انتباهنا ألا يكون
فيها عالم مسلم واحد بل (( إن العرف الثقافي الدارج في الحياة العربية المعاصرة
جعل عكس ذلك هو المثير للانتباه بمعنى أنه إذا حدث فلتة أو غفلة أن شارك إسلامي
باحث أو عالم في مؤتمرات أو لجان الثقافة العربية فإن الأمر يثير الغرابة و
التفكير و الشك و الارتياب في هذا الحدث الفريد ))..
وحسبك - أيضا - لإدراك ريح التآمر على عقل الأمة و مستقبل الثقافة فيها أن يكون
موضوع ( الفكر الإسلامي ) الذي مثل محورا أساسياً لنقاشات اللجان الموقرة و
المنتقاة من السلطات العربية أن يكون الممثل فيه و المعبر عنه و المتحدث باسمه
اثنان :
أولهما
الدكتور محمد أركون الباحث الجزائري ..و الذي يتبوأ كرسي الأستاذية في السوربون
الفرنسية و له كتاباته المشهورة في الطعن في القرآن الكريم و الدعوة لإخضاعه
للدراسة الألسنية و نقد آياته وفق المناهج الإيبستمولوجيه و الأنثروبولوجيه .
و أما الثاني
فهو الدكتور ( حسن حنفي ) تلميذ فلسفة ( باروخ اسبينوزا ) و الذي اكتشف - بعد
دراسات معمقة - ان القرآن الكريم كان علمانيا قبل أن يحوله المسلمون إلى الوجهة
الدينية ، والذي يدعو الان إلى إحياء فكرة (( وحدة الوجود )) حيث لاإله –
سبحانه الله – خارج الانسان ، ويصف الإحياء الإسلامي الجديد بانه (( ردة حضارية
)) !
هذان الباحثان – دون مئات علماء الإسلام ومفكريه على امتداد العالم العربي
الكبير – هما من وقع عليها اختيار (( لجنة السلطة )) التي مثلها كمال ابو المجد
والمقالح والطيب صالح وغلاب ومن تقدم ذكره ، وهم ممن اعرف ، ويعرف الفطن المسلم
.
وبعد فراغ اللجنة من جهودها التي استمرت حوالي ثمان سنين ، كان الغش والضلال –
ولا أقول غير ذلك – قد اعماها فيهم عن أدراك الحقائق ، صاغت اللجنة تقريرها
النهائي ، حيث رفعته إلى قيادتها (( الوزراء العرب المسؤولين عن الشؤون
الثقافية )) الذي أصدر قراره بتاريخ 26 نوفمبر 1985 الموافق 16 ربيع الأول 1406
.. والذي جاء فيه :
وهو ما سنتعرض إليه في المقال القادم إن شاء الله .
( 2 - 3 )
تحدثنا في المقال السابق عن نبذة عامة ، ومن ثم
وقفنا عند القرارات التي تبنتها (( المنظمة العربية للثقافة والعلوم )) وهي :
أ -
الموافقة على هذه الخطة باعتبارها دراسة أساسية
و مبدئية شاملة يسترشد بها في العمل الثقافي على المستوين القومي و القطري في
المدى القريب و المتوسط و البعيد.
ب -
دعوة المدير العام للمنظمة إلى اتخاذ الوسائل الكفيلة بنشر هذه الخطة و تعميمها
و التوعية بها على أوسع نطاق ممكن و على المستويات القومية و القطرية حتى يتسنى
دراستها.
ج -
دعوة الدول إلى الأخذ بهذه الخطة في خططها للتنمية الثقافية وفقاً لإمكاناتها.
د -
دعوة المنظمة إلى متابعة تقديم التصورات و الإجراءات المعينة على تنفيذ هذه
الخطة على المستويين القطري و القومي إلى اللجنة الدائمة للثقافة العربية ( أبو
المجد و غلاب و رفاقهم ) و إلى المؤتمر في الدورات القادمة .
هـ -
اعتبار هذه الوثيقة و البرامج التي تنبثق منها
إسهاماً من الدول العربية و المنظمة في العقد العالمي لتنمية الثقافة الذي
سيبدأ سنة 1988 ، على ان تعين في بداية كل سنة ميلادية عاصمة عربية تحمل لقب :
عاصمة الثقافة العربية .
ثم اختتم التقرير قراراته بالإنعام على اللجنة و رئيس اللجنة تقديراً لجهودهم
المخلصة في خدمة مشروعات السلطات العربية! و قد أعقب ذلك صدور قرار ( المؤتمر
العام للمنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ) برقم م . ع \ د . ع 8 (
1985 ) ق 21 الذي جاءت بنوده مطابقة حرفياً مع قرار السادة الوزراء و قد اختتم
المؤتمر قراره بتوجيه الشكر و الامتنان إلى السادة أصحاب الإنعام لما قدموه من
( معونة و ضيافة كريمة ) .
هذا هو المدخل الذي نحب أن يطلع عليه المسلم الغيور قبل أن يقرأ و يتابع معنا
طروحات ( الاستراتيجية العربية الثقافية ) و هو مدخل أحببنا من تقديمه إلى
إلقاء الأضواء حول عدد من الحقائق لا تقبل إنكاراً أو جحوداً :
الحقيقة الأولى :
أن المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم
لا تمثل الشعوب العربية و لا تبحث في هموم المواطن العربي و إنما هي أداة
لممارسة ( القهر الفكري ) ( و غسيل المخ ) لخدمة بعض الأنظمة العربية المسلم و
من أبرز ما يدلنا على ذلك هذه الفضيحة التي تمت في ندوة ( الفكر الإسلامي ) .
الحقيقة الثانية:
أن هناك تنظيماً سرياً فكرياً ينتهج أساليب ( الماسونية ) في فرض وجوده على
المستويات الثقافية العربية العليا بما يضمن عدم نفاذ ( تيارات فكرية ثقافية )
بعينها إلى مجال الشريحة السيادية في التوجيه الثقافي و يمكن ملاحظة هذه
الحقيقة من خلال متابعة المؤتمرات أو ( المؤامرات ) التي تنظمها ( اليسكو ) و
المؤتمرات المشابهة و التي تعالج ( التطور الحضاري في الوطن العربي ) و التي
بدأ عقدها في الكويت عام 1974 - ولنا حديث خاص حوله وعن مسبباته في مقال قادم
إن شاء الله - و تتابعت في اليمن و القاهرة و تونس و عمان و غيرها من مدائن
العرب فالوجوه هي الوجوه و الأفكار هي الأفكار و النتائج هي النتائج و المنفيون
هم المنفيون و المغضوب عليهم لا يتغيرون! .
الحقيقة الثالثة :
أن هناك دوائر ثقافية عديدة تدرك حقيقة هذا ( التآمر ) في المنظمة العربية ولكن
- لسبب ما - لا تتم المواجهة الصريحة لكشف المخبوء و من أوضح ما يدلنا على ذلك
قيام المنظمة الإسلامية للتربية و الثقافة و العلوم بتكوين لجان خاصة لوضع
مشروع خاص لمستقبل الثقافة العربية الإسلامية رداً على مؤامرة ( المنظمة
العربية ) و قد حاول مدير ( اليسكو ) احتواء هذا المؤتمر الثاني أو بمعنى أوضح
احتواء الفضيحة بيد أن تلك قصة أخرى ربما كان مكانها في موقف آخر في مواجهة (
الهدامين ) .
تلك هي بعض من الحقائق الغير منكرة ،
وفي مقالنا القادم سنسلط الضوء على المشروع التنظيمي ، ماذا حقق ؟ وماذا نريد
نحن
( 3 - 3 )
استعرضنا في مجمل حديثنا السابق المخطط المقدم
من قبل ( المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ) .. وذكرنا بعض الحقائق
الهامة حولها ، ومن ثم سنعرج في مقالنا هذا الأخير إلى قضية : ماذا نريد ؟
فأقول وبعون الله :
من خلال ما استعرضناه في المقالين السابقين ، نجد ان هناك محاولات جادة من قبل
اللجنة المنبثقة والمؤصلة للمنظمة لإعطاء المظلة الرسمية لحفنة من رواد الإفساد
، ودعاة ( التمرد على عبادة التراث والأسلاف ) من أجل أن يمارسوا أنشطتهم بكل
حرية ، وبعيدا عن أي قيود تفرض عليهم من خلال ( السلطات الإسلامية ) وأصحاب (
الفكر الجمودي المتحجر ) ..
جاء في التقرير (( إن التفكير في الغد يحيلنا مباشرة إلى التفكير بالأمس و ما
من قضية من قضايا الفكر العربي المعاصر إلا و كان الماضي حاضراً فيها بوصفة
الطرف المنافس. )) فيا ترى ما المقصود
(( بالماضي )) ولماذا ينعت هنا (( بالطرف المنافس )) ؟؟
وفعلا بدأ النشاط يتمثل بطرائق شتى
ومتعددة فعلى سبيل المثال لا الحصر :
فمنها :
تنفيذ التوصية (( توصية عبدالعزيز مقالح
وباقي الرفاق )) باتخاذ عاصمة ثقافية (( عربية )) مع بداية كل سنة (( ميلادية
)) , والتي علم ما يكتنفها من حقائق خفية ذكرت في مقال سابق ، والتي من أبرزها
إعطاء الصبغة الرسمية لتحركات الحداثيين والعلمانيين ، وكذلك إعطاء المظلة
المشروعة لبرامجهم .
ومنها أيضا :
القيام باعتماد فكرة ملحق (( كتاب في
جريدة )) وهو ملحق شهري تتبناه (( اليونسكو )).. والتي كانوا يدعمون وبقوة
مرشحهم (( غازي )) لنيل منصب رئاستها .
وفكرته تقوم على إلحاق ملف لعمل روائي أو شعري أو نثري شهريا ، بشكل مجاني ..
مع أحد الصحف التي تتبنى الفكر الحداثي او العلماني وتدعو إليه ..
ويستمر عرضها من عام 1998 إلى عام 2002 .
ولعلك - أخي القارئ - تتأمل معي في
الأسماء المشكلة للجنة (( الهيئة الاستشارية )) لهذه المشروع :
أدونيس - جابر عصفور - عبدالعزيز
المقالح - عبدالله الغذامي - محمود درويش ...
وإلى وقت كتابة مقالي هذا صدر من هذه
السلسلة (( المجانية )) 32 عدد ، من ابرز المؤلفين الذين عرض نتاجهم أو سيعرض :
نجيب محفوظ ، أمل دنقل ، الطيب صالح ،
نزار قباني ، إلياس الخوري ، صلاح عبدالصبور ، عبدالمجيد بن جلون ، طه حسين ،
عبدالوهاب البياتي ، عبدالرحمن منيف ، جبران خليل جبران ، أدونيس ، نازك
الملائكة ، محمود درويش ، محمد زفزاف ...
أما الصحف التي تستضيف هذا الملحق :
المغرب : صحيفة الاتحاد ((الاشتراكي ))
، السعودية : الرياض ،اليمن : الثورة !! ، لبنان : السفير ... وغيرها من صحف
البلاد العربية .
إذن .. هل أنا بحاجة إلى مزيد من التعليق ، أم ان ما عرضته يكفيني المؤونة ؟
ومن مشاريعهم أيضا :
محاولة الزج بمفهوم جديد وهو مفهوم ((
ما بعد الحداثة )) .. وهي قضية لجأ إليها (( حداثيوا الخليج )) وذلك بعد فضح
مخططهم الحداثي مع بداية التسعينيات ، فبحثوا عن البديل لكي يقحموه ، وحانت لهم
الفرصة التي يعبرون من خلالها عن هذا المفهوم (( من تحت المظلة الرسمية )) ،
وبتحليلي لااتوقع
ان اختيارهم كان عشوائيا عندما اختاروا في الأعوام الثلاثة الأخيرة ثلاث عواصم
للثقافة العربية تنتمي جميعها للإقليم الخليجي وهي : الشارقة والرياض والكويت
..
وهي محاولة منهم لبدء مشروع جديد يسعون من خلاله ربط هذه القضية بالعولمة ،
والنهضة العمرانية التي تصاحب بعض العواصم .. كتعبير منهم ان القضية شمولية لا
تشمل جانب واحد فحسب ..
وأتمنى في نهاية هذه السلسلة اني كشفت بعضا من الغموض الذي يكتنف هذه القضية ..
والله المستعان .
المراجع :
الغارة على التراث الإسلامي : أ.
جمال سلطان .
دورية قراءات .
كتاب في جريدة .