كثير منا لايزال مولعاً بالمعارك القديمة التي انتهت بأصحابها ، واهدافها ،
وأسلحتها ، وزمانها ... ومع ذلك فهو يصر على دخول هذه المعركة المنتهية ،
ويتسنزف طاقاته ، ويحاول أن يحقق انتصارات في الفراغ !
لقد دخلنا المعارك القديمة ، ولانزال ندخلها وننشغل بها على حساب الحاضر
ومايدور فيه ، والمستقبل ومايخطط له ..
ويمكننا هنا أن نقول : أننا سوقنا لكثير من أقوال المنحرفين والمستغربين وأهل
الأهواء عن حسن نية ، فعملقنا أشخاصهم دون حسابات دقيقة لهذه الخطوات وآثارها
السلبية على المدى البعيد .
وتكمن الإشكالية في مثل هذا الموضوع أننا نعيش حالة من الوهم ، ورؤية للسراب
الخادع !! ؛ فلكثرة مانبدي ونعيد في تلك الموضوعات ، ونكتب ونخطب .. نوحي
أنفسنا أننا مازلنا في مرحلة النصر ، بينما نجد أن تلك المعارك أورثت الخصم
قدرة على التحكم في مسار تفكيرنا ونشاطنا العقلي ، وأصبحنا كأحجار على رقعة
الشطرنج يحركنا كيف يشاء !!
فيكفي منه أنه يلقي إلينا ببعض التشكيكات ليستثيرنا .. وليحول ويصرف جهودنا
وطاقاتنا إلى المواقع الدفاعية ، بينما هو منفرد بالتخطيط لتحقيق أهدافه !!
وكلما حاولنا أن ننتبه ، ينتقل بنا من مشكلة إلى اخرى .. فنبقى دائماً في مجال
ردة الفعل ، ونعجز دائما عن الفعل ، وللأسف الشديد وقع الإسلاميون في مأزق أنهم
يملكون الفعل ، لكن على المقابل ردة الفعل هي التي تملكهم .
وانا هنا لاأقول : بأن الدفاعات غير مطلوبة ، والحراسات لاقيمة لها ، وإنما
الذي أريد توضيحه : أن مثل هذا الأمر عند الأمم التي تبصر مهامها تماما ، وتدرك
مشكلاتها حقيقة .. تقدره بقدرها ، دون إفراط وتفريط .
ومن تأمل منهج القرآن وسبر أغواره ليجد
التالي :
( 1 )
لو ان القرآن استجاب لكل شكوك الكافرين وشبههم لكانت آياته جميعها تمثل ردة
الفعل ، ولما تفرغ لبناء أمة ، وإنجاز حضارة .
( 2 )
أن القرآن طرح من الأدلة والحقائق مايكفى لمن
يريد الاستدلال .
( 3 )
أن المشكلة ليست في الدليل ، إنما بعناد صاحب الهوى الذي لابد من تجاوزه إلى
مرحلة البناء المرصوص .
ودوما تبقى الأساليب الدفاعية تشكل نوعا من الراحة النفسية ، لأنها في النهاية
تعني لصاحبها : إعفاء النفس من المسؤولية ، وإيجاد الذريعة لها عن عملية البناء
، والواجب الحضاري الغائب .
فيا أهل الحمية والغيرة .. يا شباب
الصحوة .. يا معاشر الدعاة :
كونوا المُحرِّك ولاتكونوا المُحرَّك .
وهلموا بنا نخرج من صحوة النقد إلى صحوة البناء
.