إن الملاحظة الشائعة اليوم ، والتي لا تخطئها عين الباحث أو القارئ المدقق ، أن
المحاور التي يرتكز عليها العلمانيون العرب في أيامنا هذه ، والأسئلة التي
يثيرونها ، والاتهامات التي يوجهونها إلى دعاة الإسلام ومفكريه ، هي كلها نسخة
مكررة من الأسئلة نفسها والمحاور والاتهامات التي ولدت في أواخر القرن التاسع
عشر وأوائل القرن العشرين ، وهي المرحلة التي تعرف في أوساطنا الفكرية باسم (
النهضة الحديثة ) .
بل يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك ، بأن نقول إن هذه المقولات الجديدة أو
الموصوفة زورا بالجدة ، هي طبعة جديدة سيئة لكتاب سبق صدوره منذ مايقرب من قرن
من الزمان العربي والإسلامي .
وطبعا هذا دليل على فشل تلك المحاولات التي سبق وأن قدمت في تلك الحقبة .. وأن
المجتمع الإسلامي يلفظ تلك الأسئلة ولا يستريح لها أو يتوجس منها أو يؤمن بعدم
مصداقيتها .. وأنها دليل كبير على التبعية الفكرية والانهيار الثقافي ، أو غير
ذلك من فروض ، هي - على سبيل الحصر - تصب في نقطة واحدة : ثبوت فشل مشروع
النهضة العلماني في واقعنا الإسلامي .
ولو تأملت فيما نستقبله الآن لوجدت مصداق ذلك الكلام : الدين والدولة ، الموقف
من الحضارة الغربية ، مفهوم حرية المرأة ، مناهج فكرنا التشريعي ... إلخ
بدأها المنظر الأكبر لهم رافع الطهاطاوي ، ومحمد عبده .. واستمر الورث يتوارث
عبر تلامذتهم وأجيالهم الفكرية المتتالية .. جميعا وكلها تأخذ صبغة واحدة :
( أنموذج معلب لنمط الحضارة الغربية
المرتجاه ) .. وكادت أن تحدث التدمير في
مجتمعنا الإسلامي لولا لطف الله ، ثم انبعاث صحوة الإسلام الجديدة ، وجهود أهل
العلم والدعوة.
ورغم كل محاولاتهم ، وإمكانياتهم الهائلة من مال وإعلام .. ستبقى جميعها هباءا
منثورا ، وإن تلوث بها من تلوث فلا يعدو ذلك إلا شذوذ لا أصل له .
فإلى بني علمن ومن شاكلهم :
الأيام قادمة ، والصراع مستمر .. وتذكروا هلاك
ندمائكم في المحفل الشرقي وما هي من بني علمان ببعيد .