اطبع هذه الصفحة


سماحة المفتي يضع النقاط على الحروف في حوليته !

د. سعد بن مطر العتيبي

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..

فذات مساء ، تحدثت في مجلس أحسب جُلّ من فيه من الأخيار ، ولا أزكيهم على الله تعالى ، وإثر الإجابة على سؤال ، تطرقت لشيء من سِيَر بعض مشايخنا ، ومنهم سماحة المفتي حفظه الله .. ولما حان وقت انصرافي ، استأذنت في الخروج قبل انفضاض المجلس ، و ابتعدت عن الحضور قليلاً ، وإذْ بأحد الشباب يناديني ويلْحقني عجلاً .. تدانينا ، فناجيني بكلمات والعَبْرَة تخنقُه : أرجوك ! اعتذر لي من سماحة المفتي ! أرجوك ! لا تنس ! لقد تكلمت في عرضه في المجالس كثيراً .. دون أن أعرفه جيداً ، ودون أن أجلس معه .. وذكَر كلماتِ تأسفٍ صادقة ..

قلت : هذا مع أني لم أذكر إلا شيئاً يسيراً لا يخفى على كل من عرف الشيخ عن قُرب ..

هذا الموقف ليس سوى موقف من أُخَر تتََكرَّر أمامي ، وتقع لي ولبعض أحبتنا المقربين من الشيخ حفظه الله ، مع عدد من الإخوة الذين لم يُعمِلوا قاعدة التثبّت والتبيّن التي ورد الأمر بإعمالها في الكتاب العزيز في مثل قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ..

ولا سيما أنَّ الشيخ - حفظه الله وأطال في عمره على طاعته - حي يرزق بين ظهرانيهم ! نعم ، وددت أن استفتح مقالتي هذه ببعض ما أعرفه من أمور خاصة عن سماحة المفتي العام ؛ ليستشعر بعض أحبتنا ، من أمتنا ، في الداخل والخارج - كم يجنون على من لا يَعرفون ، وكيف يؤذون المؤمنين بغير ما اكتسبوا ، ويصيبوهم بجهالة ، ولا سيما من كان منهم من أهل العلم والفضل والعبادة والتواضع .. لكنّني أعلم أنَّ هذا مما لا يرتضيه سماحته بحال .. لذا أوجزت كلّ ذلك في ذكر موقف من مواقف ليس إلا ..

وعوداً على موضوع المقال ، أقول :
إنَّ خطبة شيخنا سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ، ورئيس هيئة كبار العلماء ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - حفظه الله — التي ألقاها في حج هذا العام ، من منبر مسجد نمرة ، خُطبة تستحق عناية خاصّة ، ووقفات مُتَعدِّدة ، إذْ إنَّها متميزة جداً ، في زمن متغيِّرٍ جداً ، وإن شئت فقل : إنَّها بيان شامل ، لوجهة النظر الشرعية في العديد من القضايا التي تمور بها الساحة الإسلامية والعالمية ، ويخوض فيها أقوام يُرَوَّج قولهم ترويجاً ، حتى صَدَّقوا أنَّ لهم في الحِمْل بضاعة ! وما أشدّ ظلمهم لأنفسهم لو فقهوا .. استمعت لهذه الخطبة يوم عرفة بعناية ، فوجدتني أكتب هذه المقالة ، ولو على عَجَل ، فحسبي أن أنشر حقاً ، أو أن أدل على خير ..

وأعيد فأختصرها بالقول :
إنَّها عرض للإسلام الحق ، باستعراض التكاليف العقدية والعملية ، مع بيانات شرعية متعدِّدة مهمّة في جملة من القضايا الحيّة والمغالطات المطروحة .. لقد كانت خطبة شاملة شمولاً اقتضته حوليتُها ، فتضمّنت توجيهات ومواعظ ونصائح وفوائد ومواقف ، وتشخيصاً للواقع ، ومعالجة للأزمات المتفق على وجودها في أمتنا بالحلول الشرعية ، بدءاً من صدق الانتماء ، وانتهاء بعقيدة الولاء ..

لذا رأيت أن أوجزها في مسائل مهمّة ، أضعها في خطوطها العريضة ليتبين القاريء الكريم ، كم في هذه الخطبة من إجابات شافية ، وبيانات شرعية وافية ، ومكاشفات صريحة ، وحلول ناجعة ، لتنطلق منها الأمة نحو الدين الخالص ، والعزة المطلوبة ، إن هي رعت نصائح الناصحين ، ونداءات المخلصين ..

وأما إن رمت غير ذلك فستبقى حتماً في تيه يتلوه تيه مثلُه أو أشدّ ..

فإليكم بعض الخطوط العريضة لهذا البيان الحولي ، وسألحق بها — إن شاء الله تعالى — استعراضاً لجملة من القضايا التي ذكرها سماحته ، بيانا للموقف الشرعي منها ، وكشفا للمغالطات فيها :

فأمًّا الخطوط العريضة لمسار هذه الخطبة وخلفية الطرح فيها ، فيمكن ذكر أهمها في ثلاث نقاط رئيسة :

الأولى :
تبليغ رسالة الأنبياء المُصَحِّحَة للمعتقد الذي حرّفه المنحرِفون عن نهج النبوة والأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه ، مفيداً من الحضور الإسلامي المتنوع ، والمتابعة الإسلامية والدولية الواسعة .

الثانية :
العرض الشامل للإسلام وتكاليفه الشرعية في المعاملة والعبادة والأسرة ، ما بين أعمال القلوب ، وأعمال البدن ، والعبادات المالية ، واستعراض ذلك في تنبيهات عامة شاملة ، مع التأكيد على أن الإسلام قول وعمل لا ادعاء وإرجاء .

الثالثة :
بيان الموقف الشرعي من عدد من القضايا الحيَّة والمغالطات المضلِّلة ؛ مفيداً من المتابعة الإعلامية الإقليمية والإسلامية والدولية المباشرة ، بعد مدة من التجاهل الإعلامي - العالمي والإقليمي - لأهل العلم الشرعي والمنهج الوسطي ، مع استنطاق المنهزمين والرويبضة والدخلاء ، في ترويج الباطل والتصورات الخاطئة .

وأمَّا الاستعراض لجملة القضايا التي ذكرها سماحته ، بياناً لمكانتها ، وكشفاً للمغالطات فيها ، فيمكن ذكرها في النقاط الآتية :

أولاً : خاطب سماحته العالم بإعمال العقل في سبيل التصور الصحيح للكون والحياة ، إذْ ابتدأ الخطاب عاماً للنّاس ، فنادى العالَم بكلمة ( النَّاس ) داعياً إلى إعمال العقل - في ظل التظاهر العالمي بالعقلانية - بالتفكر في عظيم آيات الله وعظيم مخلوقاته ؛ ليعرف العباد اللهَ سبحانه بقدرته وآثار صفاته في الكون ، وليكونوا على يقين جازم من كمال صنع الله ووجوب توحيده بعبادته وأنه المستحق لها دونما سواه ، فيوحدوه ، وهو خطاب للمسلم - أيضاً - لينتقل من مسلم دار ، إلى مسلم اختيار ، قناعة منه لا مجرد تقليد ، فلا تنطلي عليه الشبهات الإنسية ، ولا تؤثِّر فيه الوساوس الشيطانية ، ولا تنال من يقينه الفلسفات المتخبطة ، ومن ثمَّ يصبح قوي الإيمان راسخ اليقين بإذن الله .

وهذه لفتة مهمة جدا في وقت طغت فيه المادية على النّاس ، وقلّ اعتناء المربّين بها والواعظين لها ، وتحقيقها أمان بإذن الله ومنته وتوفيقه ، من التكذيب بالحق المودي بصاحبه إلى الأمر المريج المختلط الذي لا برهان عليه {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ } ، فيولد ويموت دون أن يعرف للحياة معنى ، يعيش ويموت وهو لا يدري من أين أتى ولا لماذا جاء ، ولا إلى أين يصير ؟! بلْه أن يركن إلى تصور مريح للكون والحياة يشعر فيه باطمئنان النفس ، واستقرار الضمير ..

وبين سماحته نتيجة التأمّل العقلي الحرّ ، في تحتّم الإقرار بربوبية الله على جميع خلقه ، وأنَّ هذه قناعة عامّة لدى البشر ، بمن فيهم أعداءُ الرسل المكذبون لهم ..

ثانياً : أفاد من الحضور الإسلامي المتنوع ، والمتابعة الإسلامية والدولية الواسعة ، لتبليغ رسالة الأنبياء المُصَحِّحَة للمعتقد الذي حرّفه المنحرِفون عن نهج النبوة ، من القبوريين ، وغيرهم ، في قوله : يا من توجهتم لضرائح الأولياء والصالحين أليس الله بأقرب لكم منهم .. أليس الله بأرحم بكم منهم .. أليس الله بأسمع لدعائكم منهم .. أمركم أن تدعوه ووعدكم بالاجابة .

وبيّن : أنَّ كشف الضر وجلب النفع إلى الله وحده ، لا يملكه سواه ، وأنَّ دعاء الأموات وسؤالهم الشفاعة وجعلهم وسائط بين الإنسان وبين الله وإنزال الملمات بهم ودعاءهم عند الشدائد والاستغاثة بهم وتعلق القلوب بهم شرك كله .. وهذا نصح للأمة في موضعه ! وللحاج بالغي الحرم بشق الأنفس على وجه الخصوص ، فحتى تتحقق العبودية ويعود الحاج بالثواب ومحو الخطايا ، لا بد له من تصفية العقيدة أولاً ، مقتضى التحذير الإلهي على مرّ التاريخ : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ..

كما دلَّل بموضوع مزدوج الهدف ، فبيّن خطأ معتقد النصارى في نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام ، وكيف أن المسيح يتبرأ يوم القيامة من كل من عبده من دون الله وألَّهه ، وكذا يهود ، وعبدة الملائكة المقربين ، وأنة الملائكة يتبرؤون من كل من عبدهم من دون الله .. وذكَّر المسلمين ونبَّه غيرهم من أهل الديانات الأخرى ، بأن شهادة محمد رسول الله فريضة لصحة الإيمان ، ولا يتم إسلام العبد حتى يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وأنه خاتم الأنبياء ..

و بيَّن للمتساهلين في الاتباع لمحمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لرسالته ، أنَّ مقتضى شهادة أن محمد رسول الله : طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وقال : " لا نعبد الله إلا بما شرع محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو بُشرى عيسى عليه السلام .. " ..

ثالثاً : العرض الشامل للإسلام وتكاليفه الشرعية في المعاملة والعبادة والأسرة ، ما بين أعمال القلوب ، وأعمال البدن والعبادات المالية ، واستعراض ذلك في تنبيهات شاملة .. فبين أن شريعة الإسلام جاءت لتزكية الأرواح والأبدان وبعبادات قلبية وعملية وقولية وبتنويع العبادة ما بين فرائض ونوافل ، منبهاً إلى أن أعظم فريضة بعد توحيد الله الصلوات الخمس التي هي صلة بين العبد وربه وعمود الإسلام ، وكذا الصيام والحج . مع التأكيد على أن الإسلام قول وعمل .

فلا يصح اختزاله في هوية يحملها المسلم أو نسب يتكلم به ، أو جماعة ينتمي إليها ، قائلاً : " إسلامنا لا يتوقف على مجرد النطق بالشهادة مع الركون عن العمل والوقوع بالموبقات ، كلا إنه الكلمة الحق مع الاعتقاد الجازم بالعمل والجوارح ؛ فإن التزام المسلم بفرائض الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج دليل على صحة الإيمان ، كما أنَّ التزام المسلم بأخلاق الإسلام دليل على كمال الإيمان " ." .

وفي هذا رد واضح على فكرة الإرجاء الفاسدة التي ابتليت الأمة بمروجيها في هذا العصر على نحو غريب مريب ..

رابعاً : التأكيد على الوحدة الإسلامية المبنية على الأخوة الدينية الإسلامية حقا ، لا العنصرية ولا القومية ولا غيرها من التجميع الجاهلي الذي لا يدوم . وأكد أن وحدة المسلمين لم تقم على أغراض دنيوية أو مطامع مادية ، أو مصالح مشتركة متى تخلفت تخلفت معها الوحدة ، مبيناً أنَّ : وحدتنا قامت على قواعد راسخة كتب الله لها الخلود والبقاء عزيزة ، وحدتنا أخوة صادقة ، وحدتنا على عقيدة ومذهب سليم على ضوء الكتاب والسنة ، والقياس مما فهمه سلف هذه الأمة ، فوحدتنا ليست خيارا من الخيارات ، ولكنها تكريم من الله .. وبيّن أن فقدها من أسباب هوان الأمة إضافة إلى بعد كثير من المسلمين عن ما أنزل الله من أسباب خلاص الأمة من الانقياد لأعدائها . وبيّن أمراً مهما جدا ، وهو أنَّ الوحدة يجب أن تكون شاملة في جميع المجالات ، بقوله : " فلا بد للأمة من منظومة عسكرية واقتصادية وسياسية حتى تنهض الأمة من كبوتها وحتى تتبؤأ مكانتها " .

خامساً : بيَّن مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الله وعند المؤمنين ، مشيراً إلى محاولات الأعداء في النيل من شخص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنبِّهاً إلى شناعة الاعتداء عليه في بعض وسائل الإعلام الأجنبي ، وأنَّ ذلك لن ينقص من قدره ، ولن يزيد المؤمنين إلا حباً له وحمية فيه .. في جُمَل منها قوله " : محمد رسول الله .. رفع الله قدره ، وأعلى شأنه ، ووضع وزره ، وألزم الذل والصغار من خالف أمره ، هو الواسطة بيننا وبين ربنا في تبليغ شرع الله ووحيه ، ولا سبيل لنا إلى الله وإلى جنته إلا عن طريق هذا النبي الكريم .. " ..

سادساً : التذكير بمكانة القضاء في الإسلام ، وفي المملكة على وجه الخصوص .. وذلك على خلفية الحملات الإعلامية الإقليمية والأجنبية الظالمة الشانئة المشوهة ، فبيّن حكم النيل منه والجناية عليه وجعْلِه محلاً للنقد في ذاته ، دون وعي بعواقب ذلك في الدارين ، في جمل منها قوله حفظه الله : " إن للقضاء في الإسلام منزلة عظيمة وحصانة أكيدة ومرتبة رفيعة ، فاحذروا أن تسيؤوا للقضاء ، فالقضاء يحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالإساءة لهذا المرفق استخفاف بشرع الله ، فيجب الحذر من فتح باب شر على المسلمين عصمنا الله وإياكم من كل بلاء" .

سابعاً : التأكيد على براءة الإسلام من تصرفات بعض أبنائه الخاطئة ، وافتراءات أعدائه الظالمة ، في جُملٍ منها قوله : " ليس في ديننا تبرير لأي تصرف عشوائي أو أعمال إجرامية كالفساد أو ما يسمى بالإرهاب الذي هو محرم في شريعة الإسلام " .

وقوله " لقد جنى أقوام على الإسلام أعظم جناية حيث حصروا مفهوم مصطلح الإرهاب في هذا الدين وأهله ، وإنهم يعلمون قبل غيرهم أنهم لكاذبون .. إن الأمم على اختلاف مللها لم تنعم بعدل كعدل الاسلام "

 ثامناً : بيان أهمية حماية القطعيات والثوابت الشرعية عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجهالين ، وتمييع المنهزمين .

ومثّل لذلك بمحاولات تغيير الألفاظ الشرعية الراسخة رسوخ النص ، الثابتة ثبوت الشرع ، وهو بذلك يشير إلى طرح إعلامي يراد منه عدم وصف الكافر بالكفر ، أبرزت فيه زلات بعض الشرعيين واستنطقت فيها الرويبضة المتلهفة للشهرة تحت أي شعار ، بينما هي الحقيقة الشرعية التي لا يجوز تعديها والوصف الحق العادل ، الذي لا جور فيه .

قلت : وفي هذا ردّ صريح على الطرح المتلقى من الأجانب ، الذين جربوا نفس الفكرة مع النصارى فغيروا دينهم من خلالها ، وحذفوا كل ما يتعلق باليهود من مناهج التعليم الغربي ، حتى صار الغرب كالريشة في مهب الصهيونية العالمية .

ومثّل سماحته لمحاولات التهوين من الأصول والتغيير للعقائد ، بمحاولات النيل من عقيدة الولاء والبراء التي توجد في كل المجتمعات لأسباب لا تليق بالإنسانية كالتمييز العنصري والعرقي ، بينما هي في الإسلام عقيدة لا تُسيغ ظلم الآخرين ، فدين مبني على العدل لا يمكن أن يظلم أحدا وإن خالفه ، وهذا مبدأ مؤكِّد بالنصوص القرآني والنبوية .

تاسعاً : خاطب العقلاء من المسلمين وغيرهم بحقيقة حفظ الله عز وجل لدين الإسلام .. فبيّن حقيقة مهمَّة ، لو وعاها أعداء الدين والمتآمرين عليه ، لعلموا أن جهودهم فاشلة مخذولة ، ومن ثمَّ فإنَّ جميع محاولات تغييره ستبوء بإذن الله بالفشل ، لأنَّ حفظ الإسلام حفظ من الله تكفّل الله به ، وإن نال أهل الإسلام ما نالهم من الظلم والجور على أيدي الأعداء من الأجانب ومن بني جلدتنا ..

وختم برهانه على ذلك بالتاريخ الماضي والمشهود قائلاً : " كم كاد لهذا الدين أقوام فبادوا وبقي .. كم حاربه الطغاة المجرمون فهلكوا وبقي .. كم تآمرت عليه الشعوب والأمم وجردت لحربه الجيوش شرقا وغربا فماذا كان ، أصبحت أخبارهم تاريخاً يتلى شاهدا على ظلمهم وجورهم ، وعلى عزّ الإسلام وصفائه ونقائه .. " ، فليست المحاولات الحالية للنيل من الإسلام سوى تكرار لمرحلة جربت مع الإسلام من قبل فما أثمرت غير الفشل .. يراه فيه الأعداء أملا في النيل من الدين ، وما هو إلا: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } . الجناية على الإسلام تحت مسميات : حقوق الإنسان ، وحقوق المرأة .

عاشراً : عرَّج على النظام الاقتصادي مع استشهاد بالتاريخ المعاصر على فشل الخطط البشرية في تنظيمه وازدهاره على نحو عادل ، لا يجعله دواة بين الأغنياء .. فذكّر بتخبط الاشتراكية ، واكتفى بذكر فشلها في سقوطها وانهيارها .. وحذّر من الرأسمالية النفعية التي تجعل الربا مدار حركتها النقدية .. محذِّراً من الأزمات التي ستواجه مستقبل الاقتصاد العالمي بسبب الربا إن لم يتداركه العقلاء ، في استشراف مستقبلي يستند إلى النص القرآني : {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا } ، فمرده الفشل وإن تأخّر في نظر البعض ، وهو ما تؤكِّده تنبّؤات العقلاء من أهل الكفر أنفسهم ..

الحادي عشر : بيان حال الأمة وما تمر به من ظروف عصيبة يساهم فيه بعض بني جلدتنا ، ولخص الحلّ في التفاف الأمة حول ولاتها وعلمائها ، مع التزام الجميع بما أوجب الله عليهم من حفظ الدينِ والمالِ العام .

الثاني عشر : توجيه رسائل لأهم شرائح المجتمعات الإسلامية الفاعلة ، يضع لها النقاط على الحروف في النهوض من الكبوة :

فوجه رسالة إلى العلماء والمفتين ، وعظهم وبين خطورة رسالتهم ، ووجوب رعايتهم لعهد الله .. في توجيه الأمة شبابا ورجالا ونساء إلى الدين الحق ..

ووجه رسالة إلى الشباب .. وأوصاهم بالتسلح بالعلم وتوحيد الصف بالرجوع إلى العلماء والتقيد بطاعة ولاة الأمر في المعروف ..

ووجه رسالة إلى رجال التربية والتعليم .. مؤكِّداً أهمية التربية على الدين الحق والوسطية فيه ، واستشعار أمانة رسالة التربية .. ونبّه تنبيهاً مهماً جدا ، ببيانه لأهمية تفريق المربين ورجال التعليم بين الأخذ بالجديد المفيد من العلوم ، وأهمية التأكيد على الدين بوصفه أمراً لا مجال للتنصّل منه والتجديد في أصوله ومبادئه وأنَّ المحافظة عليه ضروري لكل مسلم ..

ووجه رسالة إلى المرأة المسلمة .. وأوصاها أن لا تبتغي بالإسلام دينا ، منبهاً إلى أنَّ المؤمنة حقاً ، تصدق الله ولا تصدق أعداءه .. وبيَّن أن حق المرأة هو في الصيانة والاحترام ، لا في التململ من الحجاب أو الزحف نحو الاختلاط بالرجال ، ومحاولة فتح ثغرات في كرامتها التي منحها الله سبحانه لها في أحكام الإسلام ..

ثم وجه رسالة إلى رجال الإعلام ومموليه .. بيّن فيها أنَّ الأمة تواجه حملات إعلامية من أعداء الإسلام .. وتستعمل فيها جميع المكائد المضلِّلة سواء كان : " مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً ، فضائياً أو أرضياً ، تلفزيونياً أو شبكياً أو قرطاسياً " .. وأنَّ الواجب على الإعلاميين أن يكونوا عند مستوى المسؤولية ... في مواجهة ذلك بالانطلاق من الثوابت والدفاع ، لا أن يكونوا عوناً لتلك الحملات أو شركاء فيها ..

ولخّص الوصية في قوله حفظه الله وبارك في عمره : " إن شأن الإعلام عظيم ، وإنه لسلاح ماض والله يعلم المفسد من المصلح .. " .... وقوله : " انشروا دين الله بين العالمين .. دافعوا عن بلاد الإسلام ، أبرزوا الحقائق للنّاس من غير تلبيس ولا تدليس " ، منبهاً إلى خطورة السلوك الغريب المريب من بعض الإعلاميين ، الذين يشوهون الحقائق ، ويفترون الوقائع ، وينالون من الناس والمؤسسات ، ولا سيما الشرعية منها ، كجهاز الحسبة والقضاء ، ورجالها .

ثم ختم برسالة توجيه وندائه للقيادات الإسلامية وصنّاع القرار في الأمة ، ذكّرهم فيها بالله عز وجل ، ووعظهم بقوله : " اتقوا الله في دينكم .. اتقوا الله في أمتكم .. اتقوا الله في رعيتكم ، فالله سائل كل راعٍ عن من استرعاه ، إنَّكم ملاقوا الله ، والله مدقِّق عليكم مثاقيل الذرّ .. فاتقوا الله ... فأمتكم تنتظر وقفات صادقة .. فانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " .

ونبَّههم إلى أهم مكامن الخلل المعاصرة ، وأسباب التخاذل وتأخر النصر ، في قوله : " تحاكموا إلى شرع الله .. وقرِّبوا أهل الخير والصلاح والتقى .. فأهل الإسلام أهل نصح للأمة ، وأهل شفقة عليهم وحب لهم ، وغير المسلمين لهم مباديء باطلة وغش وخيانة في الحاضر والمستقبل " . وختم بشكر من يستحق الشكر و الإشادة ، من خدَّام البيت الحرام ، وضيوف الرحمن ، وأثنى على ما قامت به الدولة من جهود لا تنكر في سبيل راحة الحجاج ، في رسالة واضحة لكل من يدعي خلاف الحقائق الماثلة للعيان ، ولكل من يروم النيل من هذه البلاد المحسودة على الخير ، ولم يزد على الحقيقة ، إذ قال : " منذ أكثر من ثمانين سنة ، وهذه الدولة ترعى الحج وتشرف على الحرمين الشريفين وخدماتها ترتقي كل عام إلى مستوى أفضل مما كان قبله فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين " .

هذا ما أمكنني تدوينه حول في قراءة عاجلة لهذه الخطبة العظيمة الجليلة ، التي تستحق العرض والتحليل ، فهل تجد من رجال الإعلام بعض ما أُشغلت به الأمة من قراءات لما تجتره بعض الرويبضة من قضايا قديمة قُتِلت بحثا ، وكشف زيفها رجال علم ودعوة وجهاد لأهل الباطل ، نحسبهم ما بدلوا تبديلا .. هل تجد هذه الخطبة من رجال الإعلام بعض ما أُشغلت به الأمة من الاحتفاء بساقط الروايات ..

هل نرى حوارات مع سماحته يفصّل فيها بعض ما أجمل ، ويدلِّل فيها على ما لم يسمح وقت الخطبة بذكر أدلته ، ويبرهن فيها على ما طرحه سماحته من رؤى عصرية رائدة .. هل نرى من الإعلام لجوءاً إلى سماحته لأخذ رأيه في كلِّ قضية شرعية ، بدل التسابق إلى أخذ رؤى شخصية فردية لا تمثل الأمة ، بلْه فتح المجال للرويبضة لتتكلم في كلِّ قضية علمية شرعية أو دعوية وتربوية ، تثار إعلاميا ؟

أجزم أنهم سيجدون عند الشيخ حفظه الله متابعات دقيقة مذهلة للقضايا العامة والخاصة ! تعيد لهم شيئاً من المصداقية في الطرح الشرعي والدعوي .. لن نيأس بإذن الله ! فإنَّ في الأمة في كل مجال رجال ..

هذا والله تعالى أعلم . وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله .

وكتبه / سعد بن مطر العتيبي . 11/12/1426 .

 

د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية