اطبع هذه الصفحة


الحاجة إلى العلم الشرعي في الواقع المعاصر

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


    الحاجة إلى العلم الشرعي في الواقع المعاصر من أهم وأنفع أسباب زيادة الإيمان والثبات عليه في زمن كثر فيه الشبهات والشهوات، ويقصد بالعلم الشرعي هنا علم الشريعة المستمد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وفي معترك الحياة والسعي في مناكبها، والتشوف إلى لذائذها وزخارفها، يغفل الإنسان وينشغل عن أمر مهم من أمور استقامة حياته؛ فالحياة ليست أكلًا، وشربًا، ونومًا، واستمتاعًا بشهواتها فقط، وإنما هناك أمور لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق العلم الشرعي، وهي معرفة بعض حقائق الدين وأحكامه التي بها يعرف الإنسان ربه، ويعرف كيف يعبده على هدى وعلم وبصيرة.

     قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى معرّفا العلم الشرعي النافع: (فالعلم النافع هو ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولاً، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانياً، وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل). ([1])

    ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية بطلب العلم الشرعي وامتدحت أهله، وأثنت عليهم بالآيات الكريمات والأحاديث الشريفة في هذا الباب كثيرة جدًّا، فمن ذلك: قول الله تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}  [آل عمران: 18] قال سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي رحمه الله تعالى في تفسيره: (دلَّت هذه الآيةُ على فَضْل العلم، وشرف العلماء؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقرنه الله تعالى باسمه، واسم ملائكته، كما قرن الله عز وجل اسم العلماء، وقال تعالى لنبيه ﷺ :  { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمً} [آل عمران: 114] ، فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيَّه بطلب المزيد منه، كما أمره أن يستزيد من العلم. ([2])

     ومن سلك الطريق في طلب العلم الشرعي وسد الحاجة المسلمين له نال بذلك الرفعة في الدارين كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}  [المجادلة: 11] قال الإمام البيضاوي رحمه الله تعالى في تفسيره عند تفسير هذه الآية: (ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل؛ فإن العلم مع عُلو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة). ([3])

    وليس المهم -في نظر الإسلام -هو العلم والسعي في التحصيل، وإنما يراد من وراء ذلك ما هو أهم، وهو العمل بالعلم، وتحويله إلى سلوك واقعي، يهيمن على تفكير المتعلِّم وتصرفاته، وإذا كانت الأموال تقتنَى لإنفاقها، فإن العلم يراد للعمل، ولقد اهتم الإسلام بهذا الجانب العظيم من جوانب العلم، ورتب الأجر والنجاة على ذلك، كما ورد الذم والوعيد لمن لا يعمل بعلمه، وقد أولَى العلماء هذا الموضوع عناية واهتمامًا؛ فمنهم مَن أفرد فيه مصنفًا مستقلاًّ، ومنهم مَن أودعه فصلاً أو فصولاً في مؤلَّفه في موضوع العلم. ([4])


@  @  @
 
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والقبول
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
27 شعبان 1441 هـ


------------------------------------------------
([1]) انظر: فضل علم السلف على علم الخلف، ابن رجب الحنبلي، ص45.
([2]) انظر: اللباب في علوم الكتاب، سراج الدين عمر بن علي بن عادل، 3/480.
([3]) انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي، 5/277.
([4]) انظر: العمل بالعلم بين الواقع والواجب، عبدالله الفوزان، ص15.


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية