اطبع هذه الصفحة


أهمية العلم الشرعي عند السلف الصالح

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


      إن الإيمان فرض على كل واحد، وهو ماهية مركبة من علم وعمل، فلا يُتصور وجودُ الإيمان إلا بالعلم والعمل. ثم شرائع الإسلام واجبة على كل مسلم، ولا يمكن أداؤها إلا بعد معرفتها والعلم بها، والله تعالى أخرج عباده من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، فطلب العلم فريضة على كل مسلم. وهل تمكن عبادة الله التي هي حقه على العباد كلهم إلا بالعلم؟ وهل ينال العلم إلا بطلبه. ([1])
      والواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا دعوة الله وأن يصبروا على ذلك وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعلى طريق الرسول ﷺ وأصحابه ومنهج السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وأهم من ذلك الدعوة إلى توحيد الله وتخليص القلوب من الشرك والخرافات والبدع لأن الناس ابتلوا بالبدع والخرافات إلا من رحم الله، فيجب على الداعية أن يهتم بتنقية العقيدة وتخليصها مما شابها من خرافات وبدع وشركيات، كما يقوم بنشر الإسلام بجميع أحكامه وأخلاقه والطريق إلى ذلك وتفقيه الناس في القرآن والسنة، فالقرآن هو الأصل الأصيل في دعوة الناس إلى الخير ثم السنة بعد ذلك تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه وتوضح معناه وتبينه، وخلق النبي ﷺ يجب أن يتأسى المسلمون به ويقتدوا به عليه الصلاة والسلام. ([2])
 ولا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً. ([3])

ويقصد بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى المجموعة المتقدمة من الأمة الإسلامية التي عاشت في فترة تاريخية معينة، وحصل خلاف في تحديد الفترة التي يطلق عليهم السلف الصالح رحمهم الله تعالى على أقوال منها:

1.
إن المراد بالسلف هم الصحابة فقط، فهو وصف لازم لهم ويختص بهم عند الإطلاق ولا يشاركهم فيه غيرهم. ([4])
2. إن المراد بالسلف عند الإطلاق هم الصحابة والتابعون. ([5])
3. إن المراد بالسلف هم الصحابة والتابعون، وتابعو التابعين، وهو قول الجمهور. ([6])

 والراجح: قول الجمهور، لأن النصوص تؤيده، فقد مدح النبي ﷺ القرون التي عاش فيها الصحابة والتابعون وتابعو التابعين وشهد لهم بالخيرية، كما ورد في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته). ([7])

وأقوال السلف الصالح رحمهم الله تعالى الدالة على أهمية العلم الشرعي كثيرة، منها:

1. قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (تعلموا العلم، وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم). ([8])

2. قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه هلاك العلماء، فو الذي نفسي بيده ليودّن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم، وإن أحداً لم يولد عالماً، وإنما العلم بالتعلم). ([9])

3. 
قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: (العلم بالتعلم، والحلم بالتحلَّم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه). ([10])

4. 
قال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والزين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء، ويرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخلق قادة يقتدى بهم، وأئمة في الخلق تقتفى آثارهم، وينتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في حبهم بأجنحتها تمسحهم، حتى كل رطب ويابس لهم مستغفر، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباعُ البر وأنعامه، والسماء ونجومها، لأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والفكر به يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يُطاع الله زوجل وبه يعبد الله وبه توصل الأرحام وبه يُعرف الحلال من الحرام، إمام العمل والعمل تابعه، يُلهمه السعداء، ويُحرمه الأشقياء). ([11])

5.
 قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضروا بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد ﷺ، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا). ([12])

6. 
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: (العامل بلا علم كالسائر بلا دليل، ومعلوم أن عطب مثل هذا أقرب من سلامته، وإن قدر من سلامته اتفاقًا نادرًا فهو غير محمود بل مذموم عند العقلاء، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "من فارق الدليل ضل السبيل"، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول).([13])

7. 
قال ابن جماعة رحمه الله تعالى: (الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية؛ من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك؛ لأن نفع العلم يعم صاحبه والناس، والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات، فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه، ولا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياء الشريعة، وحفظ معالم الملة). ([14])

8. 
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت النية). ([15])

9. 
قال الآجري رحمه الله تعالى: (لا يكـون ناصحًا لله تعالى ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له، وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس حتى يخالفها بعلم). ([16])

10. 
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: (لما كان في القلب قوتان؛ قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب، كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه ويعود عليه بصلاحه وسعادته. فكماله باستعمال قوة العلم في الحق ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر عليه غيره، فهو مغضوب عليه، ومن عرفه واتبعه فهو منعم عليه). ([17])


@  @  @
 

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والقبول
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
10 شعبان 1441 هـ
 

---------------------------------------------
([1]) انظر: مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، 1/480.
(2) انظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، 27/56.
([3]) انظر: مجموع فتاوى، شيخ الإسلام ابن تيمية، 4/ 149.
([4]) انظر: مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ص5.
([5]) انظر: إلجام العوام عن علم الكلام، الغزالي، ص3.
([6]) انظر: درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، 7/134.
([7]) رواه البخاري في صحيحه برقم الحديث (2458).
([8]) انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبدالبر، 1/135.
([9]) انظر: مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، 1/397.
([10]) انظر: كتاب العلم، أبي خيثمة زهير بن حرب، ص114.
([11]) انظر: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، ابن جماعة، ص70.
([12]) انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبدالبر، 1/136.
([13]) انظر: مفتاح دار السعادة، ابن قيم الجوزية، 1/83.
([14]) انظر: تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، ابن جماعة، ص73.
([15]) انظر: شرح السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، 1/275.
([16]) انظر: بصائر ذوي التمييز غي لطائف الكتاب العزيز، الفيروزآبادي، 5/67.
([17]) انظر: إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان، ابن قيم الجوزية، 1/24.


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية